مقالات

العنف لا علاقة له بدين بعينه

19/05/2022, 08:47:05

العنف ليس إشكالية حصرية مرتبطة بالإسلام والمجتمعات الإسلامية، بل هو ظاهرة تاريخية، وكل المجتمعات على اختلاف أديانها وأيديولوجياتها الدنيوية شهدت جماعات واتجاهات تدعو إلى العنف وتستخدمه. 

فمحاولة لصق العنف بالإسلام تمثل دعاية مضادة راجت بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وبالأصح ازدادت نسبتها عما قبل. 

وهذه نظرة عنصرية تروّج لإرهاب مضاد في مواجهة إرهاب جماعات متطرفة، كان للدول الغربية يد في دعمها وإنشائها لمواجهة الشيوعية في سنوات الحرب الباردة. 

ليس من مصلحة البشرية وصم الأديان بالعنف بسبب التجارب التاريخية لاتباع هذه الأديان، لسببين أولا: كون هذا الأمر مجافيا للحقيقة، وثانيا: لما لهذه الفكرة من أثر قد يلحق أبلغ الأضرار بالمسيرة الإنسانية، نظرا لتأثير الأديان ولكثرة اتباعها. 

العنف لا علاقة له بدين بعينه، وإن إلصاقه بالإسلام هو أفضل دعاية يمكن أن تتلقاها الجماعات العنفية المتطرّفة، لأنه يقدم لها سببا لتعبئة أنصارها باسم إرهاب مضاد يرى في الغرب مصدرا لكل الشرور. 

إن الصراع الصفري وتقسيم العالم إلى فسطاطين للخير والشر، هو من طبائع الجماعات المتطرفة، وهي موجودة في مجتمعاتنا الإسلامية، وفي دول ومجتمعات الغرب.

ألم نسمع هذه الخطابات من أسامة بن لادن وجورج بوش الإبن، وتوابعهما هنا وهناك؟

لو أننا انسقنا وراء هذا التسويد لصفحة الآخر ودينه، لوجدنا الكثير من الوقائع القابلة للاستخدام، ولكننا نود أن نفهم جذور العنف التاريخية، لا أن نذهب لفرز ديني وحضاري وصراع وحشي لإبادة الآخر عبر التمهيد الذي يشيطن دينه وثقافته. 

في تاريخ الحروب الصليبية والحملات التبشيرية المسيحية في الأمريكيتين والحروب الاستعمارية في أفريقيا وآسيا، آلاف الصفحات من تاريخ أسود يفيض بالدماء والمجازر.. وهو تاريخ يفهم من خلال سياقه التاريخي وأسبابه وصراعاته الزمنية؛ فهل نذهب لتوظيفه بالقول إن المسيحية ثقافة تدعو إلى العنف؟ 

في إسرائيل، في أحدث جريمة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وجّه قناص إسرائيلي رصاصاته إلى رقبة الصحفية شيرين أبو عاقلة وأرداها قتيلة، وهو مثل آلاف من الجنود يتم شحن أدمغتهم بثقافة تجعلهم يعتقدون أن إسرائيل هي مركز الأمة اليهودية، وأنهم يصلون ويقاتلون من أجل مهمة جليلة، هي التخلص من العرب الفلسطينيين، واستعادة القدس والأراضي التي تضمنتها أساطيرهم ومعتقداتهم..، فهل نذهب لشيطنة الدين اليهودي، والقول إنه دين يدعو إلى العنف، أم أن الرؤية الصحيحة هي فهم هذا الاحتلال في سياقه التاريخي، وأسبابه الزمنية؟ 

هل بإمكاننا أن نقول إن الأرثوذوكسية لها علاقة بالعنف ورفض السلمية، لأن روسيا تشن حربا في أوكرانيا؟ 

هل بإمكاننا أن نقول إن المسيحية دين يرفض السلمية ويؤيد العنف لأن أمريكا وبريطانيا خاضتا حربا لغزو العراق، دمّرته وخلفت ملايين القتلى؟ 

هل بإمكاننا أن نقول إن المسيحية دين ضد السلام، لأن النازية والفاشية خرجتا من مجتمعات مسيحية وخلفتا خمسين مليون قتيل في أوروبا؟ 

فلماذا توضع إشكالية العلاقة بين الإسلام والسلام والسلمية، كأن القاعدة وداعش هما الإسلام؟! 

داعش والقاعدة والجماعات الإرهابية والمتطرفة بنات عصرها، وربما أن نسبها للأنظمة المستبدة وللنظام العالمي الذي رعى الاستبداد وثقافة التطرف سيكون أكثر دقة من نسبها لمجتمعاتنا ولديننا.

إن فلسفة اللاعنف في الإسلام هي الفلسفة التي ظلم فيها الإسلام ظلما شديدا، نتيجة سوء التسويق من أبنائه أحيانا، وجهلا من أبنائه وأعدائه أحيانا أخرى، وفي كثير من الأحيان بفعل المكر والدسائس، والكذب، والتحريف، والتزييف.

كثير من الناس لا يعلمون أن الإسلام يرفض العنف بشكل نهائي، ما عدا عنف الدولة المشروع، الذي يعطيها وحدها حق استخدام القوة وفقا للقانون، ولهذا لم يثبت في تاريخ وسيرة النبي محمد أنه تم استخدام العنف إلا بعد قيام الدولة في المدينة، أي بعد عمل الدستور (صحيفة المدينة)، وكان العنف حقا في الدفاع عن وجود سياسي تم تحقيقه بالإقناع وبالسلم، دون إراقة قطرة دم واحدة، وكان قبل إقامة الدولة يحرم استخدام القوة حتى في الدفاع عن النفس، وكان النبي محمد يمنع أتباعه من الرد على الاعتداءات ويقول لهم: "صبرا آل ياسر"؛ "إننا لم نؤمر بقتال"؛ وهذه طريقة مهمة جدا في صناعة ثقافة السلم، وخلق مجتمع الرشد الذي يحتكم إلى القانون ولا يسمح لأحد بأن يأخذ حقه بيده. 

قد يستغرب البعض أن هذا الأمر المثالي موجود في الإسلام، لهذا على المهتمين أن يبحثوا هذا الأمر بتجرد وموضوعية، ولا يكتفوا بما يقال عن الإسلام هنا وهناك، فالقرآن زاخر بالآيات التي تتحدث عن منهج الأنبياء السلمي وهم يتعرضون للتهديد بالنفي، أو العودة إلى الملة السياسية والدينية للسلطة القائمة، فيرفضون التخلي عن فكرتهم، ويرفضون مغادرة الأرض، ويعارضون السلطة السياسية سلما حتى إسقاطها.

نبي الإسلام محمد رسول الله -صلى الله عليه- كان لا يردُّ الإيذاء بالإيذاء في مكة، إن التاريخ يشهد بأنه كان يتعرض لمختلف أنواع الاعتداءات اليدوية واللفظية من قومه وبكل رحابة كان يقول: [اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون]. وهكذا كان نوح ولوط وإبراهيم وإسماعيل (عليهم السلام)… 

المنهج القرآني يرسخ اللاعنف في قصة ابني آدم حيث يقول الله تعالى على لسان هابيل: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، حيث تُبرز الآية المسلك الذي زكاه الله تعالى في حل النزاع من خلال أول نزاع عرفته البشرية في مطلع وجودها. 

وقد أسس الإسلام منطق اللاعنف أيضا في إقراره لحرية الاختيار للناس، قال الله تعالى: "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر". 

ويخاطب محمدا رسول الله "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ". 

إنّ الإسلام هو دين السلم وشعاره السلام.. وقد دعا إلى السلم والوئام ونبذ الحروب والمشاحنات التي لا ينجم عنها سوى الدمار والفساد.. فقال سبحانه: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ".. وقال تعالى داعياً عباده المؤمنين إلى اعتزال القتال إثر جنوح المشركين إلى السلم: "فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً". 

كما أن الإسلام يُقرِّر أن الناس، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وألوانهم وألسنتهم، ينتمون إلى أصلٍ واحدٍ، فهم إخوة في الإنسانية، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكم لآدمَ، وآدم من ترابٍ، لا فضلَ لعربيٍّ على أَعْجَمِيٍّ إلّا بالتقوى". 

كما أكد الدين الإسلامي أن الخالق -سبحانه وتعالى- لم يخلق البشر ليتعادوا أو يتناحروا، ويستعبد بعضهم بعضاً، وإنّما خلقهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويعين بعضهم بعضاً قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إن اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

إن الكلام المجرد عن ثقافة العنف، دون الدخول في وقائع تاريخ البلدان والمجتمعات، لن يجدي نفعا في إنتاج رؤى متبصرة تعزز ثقافة السلام والتغيير السلمي. 

ولو استرسلنا في استعراض الأسباب التاريخية لانتشار ثقافة العنف وجماعاته، سنحتاج إلى مجلدات وندوات ومؤتمرات، وأي رؤية نزيهة لثقافة العنف وأسبابه ستجد أن جذوره تقع في الوقائع التاريخية، وفي صراعات زمننا، وعوامل الصراعات الاجتماعية والجيوسياسية، وأن ما يتصل بالدِّين، والتأويلات الدينية المتناسلة منه، لم تكن مطلقا السبب الحصري للعنف، وإن لم تكن بعيدة، حيث استندت إليها بعض الجماعات، وتم استثمارها من فاعلين سياسيين ودوليين، لأنها تخدم مخططاتهم ومصالحهم السياسية. 

إن الاسترسال في التركيز على العوامل التاريخية للعنف، هدفه دحض رواية الطرف الآخر الذي يحاول إدانة الدين الإسلامي والمجتمعات الإسلامية، وكأنّ العنف مرتبط بالنص الديني ونتاج للجينات والطبيعة والانتماء للإسلام. 

دعونا ننظر في واقع مجتمعاتنا الإسلامية في الخمسين عاما الماضية. نظرة سريعة ستكون كافية لأن يدرك دارس مبتدئ أن جذور ثقافة العنف المناهض للسلمية والتغيير السلمي تكمن في الأسباب التالية: 

- أنظمة مستبدة مارست العنف لاحتكار السلطة وإذلال مجتمعاتها، وإغلاق أفق التغيير وفرص الحياة امام أجيالها الشابة. 

- ثقافة التطرف الديني، التي برزت مع صعود جماعات متطرفة إسلامية تستند الى موروث التخلف، وهو أحد جوانب تاريخنا الإسلامي وليس تعبيرا عن الإسلام الذي شهدت مجتمعاته صراعات وتيارات عديدة، كلها يحاول تقديم نفسه بأنه الممثل الحصري للإسلام. 

- السبب الثالث، لنمو ثقافة العنف له وجهان، أولهما توجهات الدول الغربية الاستعمارية في العالم الإسلامي، وهذا يشمل إصرارها على إبقاء مستعمراتها القديمة خاضعة لها، وتحكمها أنظمة تابعة واستبدادية تهدر حاضرها ومستقبلها. 

والوجه الآخر، هو توجه الدول الغربية الكبرى لدعم تيار التطرف الإسلامي وجماعاته، لاستخدامها في المواجهة مع المعسكر الاشتراكي والدول الشيوعية التي كانت تمثل القطب الآخر في النظام العالمي.‏ 

كان العنف نتيجة لصعود الجماعات المتطرفة من جبهتين مختلفتين هما: الجبهة الأفغانية، التي كانت بؤرة لتسليح لجماعات الوهابية السلفية، والجبهة الأخرى كانت إيران، التي تحولت إلى بؤرة داعمة للجماعات الشيعية المتطرفة بعد ثورة الخميني وصعود الملالي واستيلائهم على السلطة في إيران. 

مع ذلك، فنحن لا ننكر أن ثقافتنا الإسلامية تحتاج إلى إصلاح ديني يحررها من الاستخدامات السلطوية التي أضرت بالإسلام، وألحقت به تشوهات ليست من طبيعته ولا من نصوصه، التي حضت على السلام والتعايش. 

كما أن الاستبداد والمظالم والاستئثار بالسلطة والثروة واستخدام العنف لحماية هذه الأنظمة الاحتكارية كان تاريخيا سببا أساسيا لانتشار العنف. 

عندما يكون العنف هو اللغة الوحيدة فإن البحث عن مصادر أيديولوجية لثقافة العنف في الدين والمعتقدات يمثل هروبا من مواجهة الحقيقة. 

لقد استخدمت الأنظمة الاستبدادية والجماعات المتطرفة الإسلام في صراعات المصالح التي حركتها وسعت من أجلها. كما سعت لوصف دعاة الحرية العدالة والحقوق والتغيير بأنهم دعاة عنف وحرب أو سبب في العنف والحرب، حتى وإن كانوا يتبعون النضال السلمي ووسائله ولا يحملون السلاح ولا يدعون إلى العنف. 

اللاعنف والنضال السلمي لا يعني الخضوع، وفي تاريخ الشعوب في الماضي والحاضر كان للكفاح السلمي من أجل التغيير سجل واسع، تمكنت فيه قوى السلام والحرية من أن تضع أقدامها في تاريخ الأمم، وأن يكون اللاعنف والكفاح السلمي منهجا لحركات تغيير تخوض في صراعات الواقع وتاريخ الشعوب، وهو ما يقول إن الدعوة إلى نبذ العنف لم تقتصر على أدوات الثقافة والفكر والرؤى والدعوات لنشر هذه الثقافة، بل كانت فكرة اللاعنف والكفاح السلمي من أجل التحرر من الاستعمار، كما في تجربة رائد حركة اللاعنف المهاتما غاندي، وكذلك حركات التغيير والدعوات إلى المساواة ولنيل الحقوق المدنية، وفي تاريخ الشعوب تجارب وتيارات سياسية كافحت من أجل التغيير ونبذت العنف وأدواته. 

وعموما فإن تجارب الدول الديمقراطية، التي تسود فيها دولة القانون والحقوق، قد جسدت تجارب ملهمة في إرساء أساس سلمي للتنافس، وعقلنة الصراعات وإدارتها بعيدا عن استخدام أدوات العنف الذي خُصَّت به دولة القانون التي يقر بها الجميع

في ساحات وميادين "الربيع العربي"، القريبة العهد قبل عشر سنوات، كان الكفاح السلمي هو ميزة الثورات الشعبية، وأداتها للمطالبة بالتغيير. 

الهتافات والتظاهرات والاعتصامات السلمية لفتت أنظار العالم، حتى إن نشاطات مماثلة انتشرت كمحاكاة لها في مطالب أخرى، في مدريد، ومقر بورصة وول ستريت، وتنفس العالم نسمة هواء ممزوجة بالأمل، هبت من قوة دفع هذه الثورات السلمية. 

كانت ثورات "الربيع العربي" السلمية منعطفا مهما في خلق مناخات التغيير السلمي واجتذاب التيارات السياسية ذات المرجعية الدينية، التي نبذت العنف، وأقرت بالعمل السياسي السلمي نحو المشاركة في التحول الديمقراطي الذي نتج عن الثورات. 

كانت الآمال كبيرة، والعالم كله يشاهد تلك التجربة المتقدمة في أكبر بلد عربي، مصر، ويتابع انتخابات نزيهة، وتبادلا سلميا للسلطة، هو الأول من نوعه في تاريخ مصر والمنطقة كلها. 

وكانت الآمال كبيرة ومماثلة من تونس إلى اليمن، وكانت هذه التحولات تسابق الزمن بالتوازي مع تمكن قوى الحرب وحلفائها الإقليميين والدوليين من تحويل ليبيا وسوريا إلى نموذجين ملطخين بالدم، لِبَثِّ الصدمة والرعب في وجدان الشعوب العربية كلها، وطيِّ صفحة النموذج الجذاب للتغيير السلمي الذي أبدعته الثورات السلمية الشعبية. 

والآن، نشاهد كيف كُسِرت الموجة السلمية بحرب نستطيع أن نصفها وبدون مبالغة بأنها حرب عالمية، لقد فتحوا الباب لقوى العنف والإرهاب، لأنها الوجه الآخر لقوى الأنظمة العنفية، القائمة على الحرب، وأسست حكمها على الحرب، وحكمت مجتمعاتها بالحرب،

وفي الوقت ذاته يتم الآن تصنيف الحركات السياسية الإسلامية، التي نبذت العنف ودخلت ميدان السياسة، يتم تصنيفها في قوائم الإرهاب، بينما الجماعات المتطرفة يتم اجتذابها ورعايتها وتسليحها وتشكيل مليشياتها، برعاية إقليمية ودولية! 

هذا ليس كلاما مرسلا، بل حقائق. وسياسة السعودية والامارات وإيران في اليمن وأكثر من دولة عربية نموذج فاقع وصادم على هذا التوجه المدمر. 

لم تواجه ثورات التغيير السلمية قوى العنف والحرب الداخلية وحدها، بل واجهت معها نظاما عالميا تحكمه شركات الأسلحة، التجارة الأولى في العالم، وشركات النفط والغاز، وهو -أي هذا النظام- داعم للأنظمة المستبدة التابعة له، يقوم بتسليحها، وشارك في صعودها وانقلاباتها وعملياتها العنفية القذرة ضد معارضيها، منذ النصف الأول من القرن الماضي وحتى الآن.

تحويل الأنظمة المستبدة مسار الثورات السلمية باتجاه الحرب استجلب قوى من نفس الميدان في الداخل والخارج، داخليا حصلت التنظيمات الإرهابية على الفراغات التي تبحث عنها لكي تنمو وتوسع نشاطاتها الإرهابية، وخارجيا تدخلت القوى الإقليمية والدولية لتنقل الحرب المحلية إلى حرب إقليمية دولية، ساحاتها بلدان الربيع العربي، وكأن قدر الثورات السلمية أن تقف أمام العالم الذي أعلن الحرب عليها. 

أخيرا: إن التسلط والاستبداد هو المحرك الأساسي للعنف وليس الإسلام كدين وثقافة. 

ستبقى قضية التجارب التاريخية للحضارة الإسلامية تشكل حاجزا أمام فهم الإسلام كما ينبغي، وهناك -يا للأسف- من يحاول المطابقة بين الإسلام وتجارب المسلمين، وهذه مغالطة يدركها أولي الألباب؛ لأن هناك مسافة دائما بين الفكرة وتطبيقاتها حتى في الأفكار والأيدولوجيات الحديثة، ولا يمكن لنا طمس كل الجوانب المشرقة والإيجابية في الإسلام أو غيره من الأديان أو النظريات بسبب التطبيقات التاريخية التي تتلبس بها أهواء البشر ونزعاتهم التسلطية وطغيانهم البشري. 

إن خيار اللاعنف والكفاح السلمي من أجل الحرية والكرامة والتغيير والسلام، سينتصر في نهاية المطاف، لأن شعوبنا ومجتمعاتنا قد عاشت تجارب مريرة في تاريخها الحديث، وأدركت أن التغيير بالقوة والعنف لا يحقق طموحاتها، وأن الأحزاب التي اختارت الكفاح المسلح قد تطبعت بثقافته وأصبحت أحزابا مستبدة، يحكم باسمها فرد مستبد، بينما كانت أثناء كفاحها المسلح ترفع رايات الانتصار للشعب، والقيم الإنسانية والعدالة والمساواة. 

هذه مهمتنا الآن في العالم: تحويل الحاجة للسلام والنضال السلمي إلى تشابك عالمي من أجل الإنسان، من أجل السلام، من أجل مواجهة العنف الوحشي.

مقالات

لا ضوء في آخر النفق!

عندما بدأت الحرب على اليمن في 26 مارس، بدون أي مقدّمات أو إرهاصات أو مؤشرات تدل على حرب وشيكة، حيث تزامنت هذه الحرب مع هروب عبد ربه منصور إلى سلطنة عُمان، وكان قرار الحرب سعودياً، ثم إماراتياً خالصاً، تحت مسمى "إعادة الشرعية"، التي في الأصل قامت السعودية بفتح كل الطرق لدخول الحوثيين إلى صنعاء وطرد الشرعية منها، وأن هذه الحرب لم تكن مرتجلة بل مخطط لها لإعادة اليمن إلى ما نحن عليه اليوم، من شتات وتمزّق.

مقالات

هنا بدأت رحلتي

أضواء خافتة تقسم الشارع بالتساوي بين الذاهبين والقادمين، قمر في السماء يوزع ضوءه بين سطوح المنازل وقناة الماء في ميدلبورغ، وأنا أجلس خلف ضوء دراجتي الهوائية، وخلف أمنيتي أن يستمر الطريق بلا نهاية.

مقالات

حديث لن يتوقف!

يومَ أعلن علي سالم البيض بيان الانفصال، في خضم حرب صيف 1994م، تنصَّلت جُل - إنْ لم يكن كل - قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي عن مسؤوليتها تجاه هذا الإعلان المقيت، الذي لم تقوَ حُجَّته أمام كل ذي عقل بأنه كان اضطرارياً، كما حاول البعض الزعم به يومها، إذْ لم يجرؤ أحد على القول إنه يتفق مع مشروع الانفصال.

مقالات

أمير الشعر الحميني عبر كل العصور

"لا توجد كلمات غنائية أصيلة بدون ذرة من الجنون الداخلي". يطِلُ عبدالهادي السودي من بين هذه الكلمات، لكأنها كتبت فيه، وعن سيرته، وتفردهُ شاعراً، وعاشقاً، وصوفياً، وعلامة فارقة لِعصرهِ، وشاغلاً للأجيال من بعده.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.