أيلول في الذاكرة اليمنية

أيلول هو أغنية الشعراء، حيث يصفه ابن الرومي بقصيدة مطلعها: 

يا حَبَّذَا ليلُ أيلولٍ إذا بردتْ..  فيه مَضاجِعُنا والريحُ سَجْواءُ 

أيلول هو شهر التحولات السياسية في اليمن، وهو رمز الثورة اليمنية وحاضرها، وكأن أيلول هو رمز حضاري ثوري يمني.

يرتبط أيلول بالحدث الأهم في تاريخ اليمن الحديث، وهو ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م، وهو التحول السياسي الأبرز في تاريخ اليمن الحديث، فالفنانون والشعراء يبتهجون بقدومه وكأنه إله الحرية لدى الحضارة اليمنية القديمة. 

إذ تتعدد ابتهالات الشعراء عن أيلول، يتصدر ذلك الشاعر عبد الله البردوني في قصائده والتي أهمها: 

الأباة الذين بالأمس ثارثوا   أيقضوا حولنا الذئاب وناموا 

الدكتور عبد العزيز المقالح أيقونه اليمن الثقافية والشعرية يتغنّى بأيلول:  

إنما نبصق في وجه الملايين الغبية

بشعارات السلام 

لتدب الحشرات الآدمية، وتنام

كلما مر على "أيلول" عام… 

تنتهي الثورات بالبيان الأول باستثناء اليمن، فقد كان البيان الأول للثورة اليمنية هو أم الكوارث، لقد كانت ثورة معاكسة لجميع الثورات العربية، إلا أنها كانت بداية التحول السياسي والثقافي على السواء. 

استعان ثوار اليمن بالقادة العسكريين من مصر والعراق لذا نجحت ثورة أيلول عام 1962م، إلا أنه كان بداية الصراع، الذي لم يتوقف إلا بجهود مصالحة عربية - عربية كانت الخرطوم الراعية لهذه المصالحة. 

استمرت الحرب اليمنية ثماني سنوات بين الإمام البدر والجمهوريين، تدخلت قوة عسكرية مصرية وتشقق البيت العربي بالأزمة اليمنية (الرياض والقاهرة). 

نجحت جهود الخرطوم في إعادة ترتيب البيت العربي، فاستجابت أطراف الصراع في اليمن لتلك التسوية، وبدأت ملامح الاستقرار السياسي في اليمن تتضح، كان التحوّل السياسي في صنعاء أبرز ملامحه  -  عهد الرئيس القاضي - الرئيس الثاني للجمهورية اليمنية. 

يدخل اليمنيون كل عشر سنوات حرباً جديدة، وبالأدوات والوجوه نفسها، وكأن الزمن متوقّف في هذا البلد.

فالقضية الأساسية للحرب هي القضية نفسها التي اتفق أطراف الصراع على تسويتها في الحرب السابقة في مشهد هو الأغرب في الوطن العربي، ونلخص عدد محطات الحرب لدى اليمنيين خلال العهد الجمهوري.

- عقد السبعين: 1962- 1970م بين الملكيين والجمهوريين 

- عقد الثمانين : حربان منفصلتين، حرب الجبهة في الشمال وأحداث عدن 80 م -  86م 

-عقد التسعين: حرب صيف 1994م بين الشمال والجنوب، واستمرت حتى سقوط الدولة الجنوبية.

-العقد الماضي: حرب الحوثيين والسلطة اليمنية عهد صالح 2006- 2009م.

- العقد الحالي: عودة الحوثيين للمشهد وسقوط صنعاء  2015م – إلى الآن.

أي أن نصف العهد الجمهوري حروب، بما يعادل 30 عاما من الحرب قضاها اليمنيون في جبهات الحرب ضد بعضهم. 

لقد كان التحول السياسي في اليمن مريراً، إذ فقدت اليمن ستة رؤساء قتلاً، بالإضافة إلى خمسة آخرين غادرو اليمن كرها، ثلاثة منهم صدرت في حقهم عقوبات بالإعدام.

وخلال ستين عاما، فقدت اليمن أحد عشر رئيسا، وهم كالتالي: 

رؤساء غادروا اليمن كرها: 

علي ناصر محمد، جنوب -

عبدالله السلال، شمال -

القاضي الإرياني، شمال.

الرؤساء القتلى خلال العهد الجمهوري:

الجنوب اليمني:

 قحطان الشعبي، سالم ربيع علي، عبدالفتاح إسماعيل.

الشمال اليمني: 

إبراهيم الحمدي، أحمد الغشمي، علي عبدالله صالح. 

رؤساء الوحدة اليمنية:

عبد ربه منصور هادي، صدر في حقه حكم بالإعدام من سلطة صنعاء.

علي سالم البيض صدر في حقه حكم بالإعدام في عهد صالح. 

علي عبد الله صالح، قتيلاً.

أي أن هناك ثلاثة رؤساء يمنيين على قيد الحياة، وصدرت في حقهم عقوبات الإعدام، وهم: هادي وعلي ناصر محمد، وعلي سالم البيض. 

ورغم تلك المآسي في تاريخ اليمن السياسي إلا أن الفن تصدّر للمشهد الثوري، وكأن ثورة أيلول هي إرادة اليمنيين. 

الفنانون وأيلول: 

يجسّد الفنان أيوب طارش فنان وموسيقي النشيد الوطني اليمني في نغمته الأكثر تداولاً،  وبهذه الأغنية الثورية:

يا جلال الحق صوت القدر.. يا وثوب الشعب في سبتمبر

أنت يا أيلول فجري..         بدمي فجّرت تاريخي وفخري 

عاش أيلول المجيد..             باعث المجد التليد 

الثورة اليمنية ليست المحطة الأولى للتحولات، فاليمن بلد يفيض بالهجرات، كان الصراع أحد أسبابها منذ فجر التاريخ.

أخفق الساسة اليمنيون في صناعة نموذج استقرار سياسي لليمن السعيد، لذا تتشابه أحداث هذا البلد بالمآسي، التي هي صناعة النخبة السياسية في هذا البلد، وهي التي أنتجت الواقع الهش. 

اليمن ليس جغرافيا تحدها زعامات قبلية، إنما هو إرث الإنسان السامي وفنونه، هي الهجرة وأثرها، وهي لغات لم تندثر منذ آلاف السنين.  

يعود اليمنيون إلى الأحداث الأولى لثورتهم وبالوجوه نفسها. فالدول الإقليمية كانت حاضرة في المشهد اليمني عام 1967م، ودخليا كانت أطراف الصراع بين الزعامتين الزيدية – الإمامية وبقايا الجيش اليمني، وكأن الزمن توقف عند اليمنيين، كما أشار إليها عبد الله البردوني.

- القضية اليمنية وأثرها على الدول الإقليمية 

تأثر البيت العربي بالصراع اليمني، فالدول الإقليمية تخوض صراعاً خارج حدودها،  واليمن هي ساحة المواجهات، إلا أنها المحطة الثانية التي يستدعي فيها اليمنيون أطرافا خارجية.

فالجمهورية المصرية خاضت حربا مشابهة عام 1962م، وكأن اليمنيين غير قادرين على دخول الحروب بمفردهم.

تاريخياً، استدعى القادة اليمنيون في التاريخ القديم الأحباش، واستدعى آخرون الفرس لتعزيز الجبهات الداخلية ضد بعضهم البعض. 

تمتلئ الأرض اليمنية برفاة القتلى، فالمقابر تملأ سهول اليمن ووديانه، ورغم ذلك ما زالت شهية القادة السياسيين مستمرة للقتال.

اليمن فريدة في مأساتها وازدهارها، فقد ورد في الأثر أن عبد الله السفاح، مؤسس الدولة العباسية، عندما رأى أن تكون صنعاء عاصمة دولته، قال: "هم خير الرجال، لكنهم إذا دخلوا فتنة لا يخرجون منها".

وأخيراً، فقدت اليمن في أيلول زعيمها الجمهوري إبراهيم الحمدي، وقدم الحوثيون إلى صنعاء وأعلنوا دولتهم في أيلول أيضاً، وفيه أيضا كان الحدث الأهم لليمن، وهو ميلاد الثورة اليمنية 26 أيلول؟