مقالات

قراءة في كتاب "خمسون عاماً من الرّمال المتحركة"

10/09/2021, 09:38:52

مؤلف الكتاب: د. محسن العيني
عدد الأوراق: 354 ورقة حجم متوسط.

كتاب "خمسون عاما من الرِّمال المتحركة: قصّتي مع بناء الدولة الحديثة في اليمن"، هو أهم المؤلفات التاريخية التي تركها السياسي اليمني محسن العيني. المؤلف وُلد في بداية الثلاثينات في قرية "الحمامي- بني بهلول"، التي تبعد نحو خمسة عشر كيلومترا عن صنعاء، لأسرة متواضعة وبسيطة. تولّى وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء أكثر من مرّة، كان سفيراً في الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا.

وفاة المؤلف مؤخرا، وتحدّث الصحافة عن دوره المحوري في بناء اليمن، دفعاني لقراءة ما تركه هذا الرجل للأجيال من بعده، لا سيما أنه عاصر مرحلة مفصلية في تاريخ بناء الدولة الحديثة في اليمن.
في البداية، كُنت متردداً في قراءة الكتاب، كون موضوعه تاريخياً، لكني تفاجأت بينما أقرأه لروعة أسلوب الكاتب في السرد، وقيمة المعلومات، وصراحة المؤلف، على نحو يجبرك على القراءة والاسترسال، مأخوذاً بسحر البيان الأدبي، ودهشة المعلومة.

الكتاب ليس قصة واحد من الأحدث اليمنية أو العربية، إنها -كما يقول المؤلف في مقدّمة الكتاب-:" قصة نصف قرن من حياة مواطن في عهد الإمامة، والثورة، والحرب الأهلية، والمصالحة، والانقلابات العسكرية، والأحداث في العواصم العربية التي كانت ملتهبة".
وقد كان دافع محسن العيني لتأليف الكتاب أنه في استطلاع لصحيفة "26 سبتمبر"، تبيّن أن شباب الجامعات يكادون لا يعرفون شيئاً عن هذه المناسبات، ولا يعرفون حقيقة ما جرى، ولا من هم رجال حركة "1948" أو "1955" أو "سبتمبر" أو "أكتوبر".. ناهيك عن أن المناسبات الوطنية والخطابات كلها احتفائية، تفتقد الموضوعية والتوضيح والتثقيف والتنوير..
تقرأ الكتاب تجد أن المؤلف ضمّنه دروس الماضي للأجيال بصدق وإخلاص، وليس لغرض سياسي أو حزبي أو إيديولوجي وهذا بشهادة العدو قبل الصديق.. فهذا محمد أحمد الشامي -مندوب الإمام في الأمم المتحدة- يقول عنه قصيدة مطلعها:
يا محسن العيني عليك سلامُ
بك تزدهي الأيام والأعوامُ
ستون عاما خضت بحر خطوبها
وشعارك الإخلاص والإقدامُ

يمتلك نظرة ثاقبة، تنبأ بالواقع منذ البداية، وأدرك أن اليمن في مأزق حقيقي.
يعترف في البدء بأن الواقع في اليمن سيِّئ رغم الثورات والتظاهرات والانقلابات والتضحيات، وأن هذا نتيجة الخطأ، ومجانبة الصواب من قِبل الجميع، وإلا لما كانت هذه هي الحال في اليمن، وأنه لا ينبغي لأي أحد القول إنه كان على صواب، وإن الآخرين على خطأ، فذلك خداع وهروب وعزوف عن البحث عن مخرج من المأزق.

أسلوب الكاتب أدبي، يختلف عن طريقة الكُتب التاريخية، يتجاوز التوثيق إلى استخلاص الدروس، يقف على الأخطاء فيقومها، عن الحجج فيفنّدها، عن الأحداث فيحللها، ويفكفك ملابساتها. يقول ما يجب، وما كان لابد أن يكون.. يزيد من قدرته تلك عمله في السلك الدبلوماسي لفترة طويلة، فالدبلوماسيون هم أفضل من تقرأ لهم عندما يتعلق الأمر بالسياسة.

طريقة السرد الأدبي تشبه طريقة ماركيز الروائي العالمي، ثمة واقعية سحرية من خلال وصف موجز لمرحلة الطفولة القاسية التي عاشها في صنعاء في الفصل الأول من الكتاب.. "اليمن كانت عالمنا، بل صنعاء وحدها، الخارج هو عدن جيبوتي السودان مصر العراق. لم نسمع بالحرب العالمية الثانية..". مع فارق أن أسلوبه يتخذ منحى استرساليا مترابطا في عرض الأحداث حتى النهاية.

يستخدم فنّ الطرافة، فتجد نصوصا طريفة: ".. بعد الحفل طلب مني الأستاذ الحلبي إعادة الورقة، وكانت قد ضاعت مني. فغضب، وقال: مستقبلك مظلم، وظل يؤنبني، وتنبأ بمستقبلي المظلم كلما قابلته.
بعد الثورة جاء ليهنئني بوزارة الخارجية، ويعتذر ويقول: بل مستقبلك مشرق!

قلت ضاحكا: على العكس، لم أصدق أن مستقبلي مظلم إلا الآن"!.
ما إن تصل الفصل الثاني من الكتاب حتى يختفى السرد الأدبي الذي يشبه ماركيز، وتبدأ نبرة السرد التاريخي، ربما تحرّي الدقة لدى المؤلف يجبره على الأسلوب الموضوعي مع الحفاظ على سلاسة السرد ودقة التعبير، وما إن تصل الفصل السادس حتى يعود الأسلوب الأدبي الجميل في السرد والوصف، وذلك عندما يستعرض زياراته الدبلوماسية إلى عدد من دول شرق "آسيا".

مقالات

الوجود كصُدفة..تأملات عن الحرية

كلّ شيء يؤكد أنّ وجودنا مجرد صُدفة. ولدنا دون تخطيط، ولا أهداف محدّدة. كان يُفترض أن تستمر حياتنا مدفوعة بالمنطق البرئ نفسهض. لكنّنا تعرضنا لخديعة وجودية مرعبة، تورطنا في قبول تصورات أولية جعلت وجودنا مقيّدًا للأبد.

مقالات

المصائب لا تأتي فرادى!

قُدِّمَتْ صنعاء على طبق من فضة، أو ذهب، للمليشيات كما لم يحدث من قبل عبر التاريخ، التي بدورها استولت على كل مقدرات الدولة والجيش والشعب في غمضة عين من التاريخ والعالم والزمن، وتحالف أبشع رأس نظام سابق مع أبشع سلطة أمر واقع لتحقيق غاية واحدة

مقالات

نمذجة مقيتة

لطالما ردّدتُ أنني لا أخشى السلطة بقدر خشيتي من كلابها! وعلى القارئ الكريم أن يستبدل مفردة الكلاب بأية صفة أخرى يراها ملائمة. ولعلّ من الأمثلة الساخرة على هكذا صورة مقيتة:

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.