تقارير
التقارب السعودي - الإيراني وأثره على الملف اليمني
خلال الأيام القليلة الماضية، كان اليمن محورا لعدد من اللقاءات الدبلوماسية بين أطراف إقليمية ودولية؛ على رأسها اللقاء الذي جمع المسؤولين السعوديين مع نظرائهم الإيرانيين في العاصمة الصينية "بكين".
كان لافتا في هذا اللقاء، الذي يأتي ضمن الجهود الصينية لتحسين العلاقات بين الرياض وطهران، تأكيد الجانبين على دعمهما للحل السياسي الشامل في اليمن، بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دوليا، تحت رعاية الأمم المتحدة، وهي صيغة مريحة للجانبين لتجنّب الخوض في التفاصيل.
- إدارة الصراع
يقول الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور عادل الشجاع: "لا بُد أولا من معرفة المحدد الأساسي لأمن الدول، الذي بموجبه تأتي الاستجابة وفق قدرة هذه الدولة أو تلك على تشخيص التهديد، وهذا التهديد يخضع لخمسة عوامل؛ من ضمنها العامل الجغرافي، والقدرات الهجومية لدى هذه الدولة، والنوايا السياسية، وواقعية العداء، وإمكانية الدولة أيضا في مسألة المواجهة".
وأضاف: "ولهذا، فاليمن تقع في منطقة التضاد بين السعودية والإمارات، وترتبط بالبند الثالث، أو بالنقطة الثالثة المتعلقة بالنوايا".
وتابع: "هذه النقطة ترتبط حقيقة بأشكال خاصة مع غياب الثقة بين المملكة العربية السعودية وبين إيران".
وأوضح: "حينما نستقرئ العلاقة التاريخية بين البلدين، حتى في فترة التقارب بينهما وفترة ما قبل الثورة الإسلامية (فترة الشاه)، كانت أيضا تحدث هناك خلافات بين الطرفين؛ لأن هناك تنافسا بين البلدين، وهذا التنافس يرتبط بدرجة أساسية على الجانب الإستراتيجي السياسي، ثم أيضا أضيف إليه عامل الأيديولوجيا الدينية المتناقضة بين ما تمثله المملكة العربية السعودية في الإطار السُّني، وما تمثله إيران، أو الثورة الإسلامية في إيران، في إطار التوجّه الشيعي".
وزاد: "لذلك مهما تقارب البلدان، أو حُلت خلافاتهما، فإن اليمن ستظل ساحة خلفية لإدارة الصراع بينهما؛ على اعتبار أن المشكلة والأزمة في اليمن أصبحت قضية مدوَّلة على المستوى الدولي".
وبيّن: "كل بلد يريد أن يحل مشاكله بالضغط على الطرف الآخر، فهناك صراع سياسي جغرافي على اليمن، وصراع أيديولوجي أيضا متعلق بالتجاذب في الجانب الديني، سواء ما يتعلق بالجانب الشيعي، الذي تمثله إيران، أو ما يتعلق بالجانب السُّني الذي تمثله المملكة العربية السعودية".
ويرى أن "أي تقارب لن ينعكس إيجابا على الساحة اليمنية، إلا إذا اليمنيون أنفسهم حاولوا أن يتقاربوا، ويخلقوا نوعا من التوافق السياسي فيما بينهم للمرحلة القادمة".
يقول الدكتور الشجاع: "إذا ظل الملف اليمني في إطار التجاذبات بين المصالح الإقليمية والدولية، فإنه لا يمكن أن يأتي الحل، وإذا جاء الحل فإنه سيكون لصالح هذه الأطراف الإقليمية والدولية".
وأضاف: "إذا ظل هذا الملف في إطار التجاذب الإقليمي، فإن السعودية -بطبيعة الحال- ستنطلق من مصالحها الإستراتيجية، وكذلك إيران ستنطلق من مصالحها الإستراتيجية".
وأوضح: "إيران تطرح الملف اليمني في إطار ملفها النووي، والمملكة العربية السعودية ليست طرفا في هذا الملف النووي".
وأشار إلى أن "الملف النووي الإيراني هو بيد الدول الخمس أو دول الست زائد 6 + 1، السعودية متضرر من هذا الملف".
وأكد أن "السعودية تريد أن تحل مشاكلها مع إيران، وإيران تريد أن تحل مشاكلها مع السعودية؛ ومثل هذه المشاكل تبدأ بدرجة أساسية بحل المشاكل للوصول إلى القضايا الكبرى".
ويرى أن "الملف اليمني لا يمكن أن يكون إلا متأخرا، أو ستكون الإرادة للبلدين هي خاضعة لمسألة الثقة بينهما".
واعتقد أن "الملف اليمني لا يمكن أن تحدث له حلحلة إيجابية في ظل هذا التقارب السعودي - الإيراني".
ولفت إلى أن "السعودية وإيران تتعاملان مع اليمن بوصفه بلدا ضعيفا، ويمتلك مساحة كبيرة، ويعد أرضية مناسبة بل وخصبة للاستقطاب المذهبي والسياسي لكلا البلدين".
وبيّن: "حينما يكون البلد ضعيفا لا يمكن بأي حال من الأحوال لهذه الدول، ذات المصالح، أن تأتي لكي تعمل على إيجاد حلول بعيدة المدى؛ هي تريد أن يظل الاستقطاب قائما بالنسبة لهذه الساحة، وهذا ما هو حاصل".
وأكد: "السعودية تريد أن تفر من الساحة اليمنية، التي غرقت فيها؛ لأنها دخلت هذه الحرب بدون إستراتيجية، وبدون أهداف واضحة".
ولفت إلى أن "الغرب حينما ينظر إلى الساحة اليمنية، وإلى الأطراف يجد أن جماعة الحوثي، مهما اختلف معها، فهي تمتلك قرارا واحدا يمكن التعاطي معه؛ بخلاف الشرعية".
وأرجع ذلك إلى أن "الغرب يبحث عن مصالحه، وليس لديه أصدقاء دائمين ولا أعداء دائمين، وإنما لديه مصالح دائمة".
ويرى: "ربما يتم اغتيال بعض القيادات الحوثية بالتوافق مع إيران، والتناقض الذي يظهر في القرار الإيراني بين ما هو ناتج عن الدولة وما هو ناتج عن الثورة".
- ساحة لتبادل الرسائل
يقول الخبير في الشأن الإيراني نبيل العتوم: "اعتقد أن هذا يرتبط بمجموعة من العوامل، أو المحددات، أو المتغيّرات، ومدى جدية إيران في اعتبار الساحة اليمنية كساحة لتبادل الرسائل مع الخصوم والمنافسين".
وأضاف: "الكل يدرك تماما أن إيران لازالت توظف هذه الأزمات كساحة لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والجانب الإسرائيلي خاصة؛ لأن الجانب الإيراني يسعى إلى تحويل التهديدات إلى فرص ومحاولة استغلال مداخل الأزمات الإقليمية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب فيما يتعلق أولا بالملف النووي الإيراني، وحاجة إيران إلى الوصول إلى مقاربة بخصوص هذا الملف، وما يشكله من تحدٍ كبير، خاصة مع وصول إدارة ترامب".
وأوضح: "أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إعلانا يدين النشاطات الإيرانية، وهذا الأمر يشكل تهديدا خطيرا، خاصة مع سعي إيران إلى تصعيد الأنشطة النووية".
وتابع: "الجانب الإيراني يسعى -خلال الفترات القادمة- إلى القيام بعدد من الخطوات؛ مثل زيادة كمية تخصيب اليورانيوم، وتقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعليق عمليات التفتيش على منشآتها النووية، وهذا يعتبر ردا مباشرا على ما تعتبره تهديدا لسيادتها".
وأشار إلى أنه "في نهاية المطاف عادة ما يقوم الجانب الإيراني باستغلال الأزمات الإقليمية، لا سيما الحركة الحوثية في اليمن؛ لتوجيه رسائل؛ سواء لمحاولة العبث بالأمن الإقليمي، وتهديد أمن الملاحة، ومحاولة إعاقة أي عملية استقرار أو تهدئة".
ولفت إلى أن "الجانب الإيراني -كما تحدث عدد كبير من المسؤولين الإيرانيين- مستعد لوضع كافة الملفات على الطاولة".
وذكَّر بأن "علي لارجاني -الرجل القوي في النظام الإيراني ومستشار المرشد ورئيس مجلس الشورى السابق- تحدث على أن إيران مستعدة لمناقشة الملف اليمني مع الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص الملف الإيراني".
وزاد: "وصلت الأمور إلى أن إيران مستعدة للتعاون مع الجانب الأوروبي للحوار حول القرار 701؛ بمعنى أن إيران نصّبت نفسها بديلا عن اليمنيين، وعن السوريين، وعن العراقيين، وعن الفلسطينيين؛ للبحث في ملفات المنطقة".
وقال: "عندما نتحدث عن محاولة الجانب الإيراني تمتين العلاقات مع الجانب السعودي هذا يرتبط بملفات عديدة من ضمنها الملف النووي؛ ودور إيران المزعزع للاستقرار من خلال الأزمات الإقليمية".
وأوضح: "الجانب الإيراني قام بنقلة نوعية -خلال الفترة السابقة- عبر إنشاء أكثر من 85 مليشيا".
وأوضاف: "هذه المليشيات -في نهاية المطاف- هي عبارة عن فِرق مركزة للدفاع عن المجال الحيوي الإيراني، وأحد مصدات الدفاع عن إيران، ومن ضمنها الحركة الحوثية".
ويرى أنه "عندما يتم بحث هذه الملفات لا يمكن أن يتم بحثها بمعزل عن طبيعة العلاقات الثنائية، والوصول إلى مقاربة مبنية على التعاون، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى".
واعتبر أن "ما حدث في غزة وما حدث في لبنان، وخشية إيران من خسارة العمق الإستراتيجي سوف يؤثر على إيران، وعلى دورها المهم في المنطقه؛ باعتبار أن حزب الله اللبناني هو رأس الحربة في المشروع الإيراني، خصوصا بعد مقتل قاسم سليماني في يناير من العام 2020".
وأكد أن "هذا أضعف الدور الإيراني، وجعل إيران تنقل جزءا كبيرا من المهام، التي كان يتولاها سليماني، إلى حزب الله البناني، وحزب الله بات هو عبارة عن غرفة عمليات يوجّه أذرع إيران والمليشيات الموجودة عبر الحريق الإقليمي، ومن ضمنها مليشيات الحركة الحوثية".
وأوضح: "هذا التدمير لوكلاء إيران سوف يجعل الإيرانيين يفكرون بطريقة مختلفة عبر محاولة إحياء ودعم وتجييش مليشيات جديدة في المنطقة وتقويتها عسكريا واستخباراتيا؛ لتعويض ما حدث من خسارة كبيرة".
وتابع: "هذا التعويل سوف يكون مشروطا بدور أكبر لمليشيا الحركة الحوثية؛ على اعتبار أنها غير منضبطة وغير محكومة بديناميات الساحة اليمنية الداخلية؛ الأمر الآخر والإستراتيجية المهمة لتوظيف الحركة الحوثية للرد الاقتصادي والتجاري عبر محاولات طهران تعطيل تدفق النفط والغاز والتجارة عبر البحر الأحمر وعبر الخليج العربي، وغيرها".