تقارير

الحرب حين تُفقد الناس نكهة العِيد ومذاقه

22/07/2021, 10:34:01
المصدر : خاص - عبدالله الدبعي

على مدى ثلاثة أعوام متتالية، وستة أعياد مرّت، لم يتمكّن فيها عبدالكريم الحمادي (48 عاماً) من السفر إلى قريته، لزيارة أهله وأقربائه في تعز، فضلاً عن مشاركتهم أفراحهم ومناسباتهم، ليكتفي بما منحته التكنولوجيا من بدائل تمكِّنه من التواصل معهم، في ظل الظروف الصعبة التي يمرّ بها أغلب اليمنيين، ومنهم الحمادي. 

هي صُورة تعكس واقعاً جديداً خلقته الحرب،  التي جعلت من اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم، وفرضت حضورها في كل بيت، وغيَّرت حياة ملايين اليمنيين بفعل التدهور الاقتصادي، وفقدان ما يزيد عن مليوني موظف حكومي رواتبهم، وازدياد نسبة البطالة، وفقدان الملايين مصادر دخلهم الرئيسي، ليتحول اليمنيون من السعي للرفاهية والكماليات إلى البحث عن الغذاء وغيره من مقوِّمات الحياة الأساسية، وتصبح بهجة العيد وعاداته، التي اعتادها اليمنيون سابقاً، شيئاً من الرفاهية وذكريات يُمَنّون أنفسهم بعودتها، ليعيشوا حياة طبيعية يستحقونها، لا حياة تسحقهم مصاعبها، وأعياد باهتة بلا طعم وبلا بهجة، تعود عليهم بحال يزداد سُوءاً كل عام. 

العيد: عادات وطقوس 

خلال 30 عاماً، هي عُمر إقامته الطويلة في صنعاء، حرص الحمادي (موظف حكومي) على قضاء إجازة العِيد في قريته، واستغلالها في زيارة والديه، لكنّه -مؤخراً- تخلّى اضطراراً عن هذه العادة، التي باتت هاجساً وحقاً يُشبه الأحلام.  

ويشكِّل السفر للسياحة الداخلية أو للزيارات العائلية جانباً مهماً من طقوس العِيد بالنسبة لغالبية اليمنيين، الذين تخلّوا عنها، كما اضطرتهم الظروف إلى التخلِّي عن كثيرٍ من عاداتهم وطقوسهم العِيدية الخاصة، مثل: شراء الأضاحي، والتجمّعات العائلية، والعسب، والتنزّه، والخروج إلى المطاعم، وشراء الملابس خلال موسم العِيد، وتبادل الهدايا، وتغيير الأثاث، وغيرها من الطقوس والعادات. 

صعوبات 

"كان للعيد نكهته الخاصة، فرح يجمع الكل، ومساحة للابتهاج، قبل أن تفقده الحرب نكهته وبهجته، وتقفل في وجوهنا أي باب للحياة"، بهذه الكلمات يعبّر المواطن هاني حسن (36 عاماً) عن حال العِيد، الذي يمرّ باليمنيين كسابقيه.

"سعادة منقوصة، وفرح لا يكتمل"، يقول حسن، الذي اعتاد سابقاً قضاء العِيد في السياحة الداخلية، وزيارة المُدن اليمنية، مثل: عدن، والحديدة، والمكلا، وإب، قبل أن تصعِّبها الحرب، وتدهور الأوضاع الأمنية، والمخاوف في ظل تحكّم الأطراف المتحاربة في مناطق نفوذها، وتطبيق أجندتها الخاصة على نطاق سيطرتها. 

من جانبه، يعدد الحمادي المصاعب، التي يواجهها اليمنيون خلال الحرب، وتعيق حياتهم الطبيعة طوال العام، فضلاً عن الأعياد: "فقدان الرواتب، ومصادر الدخل، وارتفاع الأسعار، وانعدام المشتقات النفطية، والتكاليف الباهظة للسفر".

ويوكد اتساع رِقعة المعاناة، لتشمل عادات وطقوس العِيد ومختلف جوانب الاحتفال به، يقول لـ'بلقيس': "عجزنا، هذا العام، عن شراء أضحية للعِيد، التي تجاوزت أسعارها ما نحصل عليه من نصف الراتب خلال عام كامل، حيث تتفاوت أسعار الأضاحي بين 100 - 150 دولاراً للرأس الواحد، تبعاً للوزن والنّوع".

أولويات وبدائل 

بينما تخلّى الحمادي وحسن، بمرارة، عن السفر والزيارات خلال العِيد، كان العِيد أكثر صعوبة بالنسبة لأم عزيز، حيث استقبلته بالحيرة ذاتها والسؤال الذي يواجهها كل عِيد:  "كيف أكسو الأولاد هذه المرّة؟"، لتبدو فكرة السفر والتنزّه إفراطاً في الرفاهية، التي اعتادت فقدانها مثل كثير من اليمنيين. 

عاماً بعد عام، يزداد الأمر صعوبة على أم عزيز، وهي أرملة عاشت وأبناؤها على راتب زوجها المتوفى قبل أن يقطع الحوثيون رواتب المتقاعدين العسكريين بشكل نهائي، قبل خمسة أعوام، تقول:  "في كل مرّة كُنت أبحث عن بدائل تسهِّل الأمر عليَّ، خصوصاً أنني بلا دخل، وأعتمد على مساعدات بعض الأهل بشكل رئيسي". وتوضّح آليتها في مواجهة متطلبات العِيد ورغبة أبنائها: "ارتفعت أسعار الملابس الجاهزة في البداية، فاتجهت للخياطة المحلية، قبل أن ترتفع هي الأخرى، ولم يعد أمامي من خيار سوى اللجوء للحراج، والملابس المستعملة، أغسلها وأحاول أن أرتّبها لتبدو جديدة وأنيقة". 

أطفال بلا بهجة 

في كل عِيد، يحرص عصام الحرازي (55 عاماً) على تخصيص مبلغ مُعيّن كعِيدية لأطفال الأقارب والجيران، حيث اعتاد زيارتهم له صباح العِيد، طلباً للعِيدية أو "العسب"، كما يُسمّى محلياً، ويشكّل مظهراً من مظاهر العِيد وجوانب الاحتفاء به في صنعاء، لكنّه لم يستطع الاستمرار في عادته المألوفة منذ سنين. 

"استغنى الكبار عن حاجاتهم ورغباتهم، نتيجة الفقر الذي تتسّع رقعته يوماً بعد يوم، لكن يبدو أن الحرب لن تُبقي على شيء"، يقول الحرازي.

ويضيف: "يوماً بعد يوم، نفقد شيئاً من ملامح الحياة في بلادنا، حتى الصِّغار سلبتهم الحرب بهجتهم وفرحتهم في يوم ينتظرونه طوال العام، التقليل في الملابس والاكتفاء باللعب في الحارات، عوضاً عن الحدائق، وأخيراً العسب، ولا نعلم ما الذين ستسلبه بعد من حاضرنا، ومستقبلهم".

تقارير

"غرفة الرحمة".. عرض لملابس مجانية للفئات الفقيرة في المكلا

"كانت بدايتها هو عشق وحب للخير من خلال جمع بعض من الدعم الضئيل، الذي كان فريقها التطوّعي يتحصل عليه، والذهاب إلى منازل الفقراء والمحتاجين، وتوزيع ملابس الأعياد على الفقراء والمحتاجين في مدينة المكلا شرق اليمن"، بهذه الكلمات بدأت إسراء الدّيني -رئيسة مؤسسة "الناس للناس"

تقارير

"مصيرهم الموت".. مخرجات المراكز الصيفية الحوثية وطبيعة عملها

"معظم من يتخرجون من المراكز الصيفية الحوثية مصيرهم الموت"، هذا الاعتراف جاء على لسان القيادي لدى مليشيا الحوثي، قاسم آل حمران، رئيس ما يُسمى ببرنامج الصمود الوطني، أدلى به لمتابعيه والناس، وليس تنكيلا من الخصوم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.