تقارير

الهواتف المحمولة .. عبء وتهمة تقود المسافرين إلى سجون الحوثيين في تعز

19/01/2022, 08:15:10
المصدر : خاص - هشام سرحان

الهواتف المحمولة باتت عبئا ثقيلا ومصدرا للخوف والقلق والمخاطرة، بل وتهمة تطارد الكثيرين من المسافرين من أبناء تعز باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي. 

اصطحاب الجوالات، في تلك الطرق الطويلة والوعرة والخطرة والبديلة للمنافذ الرئيسية المغلقة من قِبل مليشيا الحوثيين منذ العام 2015 للتواصل بها مع الأهل وغيرهم وتطمينهم طوال الطريق، قد يُعرض حاملها للمساءلة والتهجّم والضرب والتعسف والاحتجاز والاختطاف والإخفاء القسري والاعتقال والزّج في سجون مليشيا الحوثيين.

تسيطر وتغلق مليشيا الحوثيين معظم منافذ المدينة الرئيسية، وتنشر العديد من النقاط في الطرق البديلة، التي يسلكها المسافرون بسيارات رباعية الدفع، رغم وعورتها وضيقها وبُعد مسافتها، يجتازون ما يفوق 130 كيلو مترا خلال قرابة 8 ساعات، وذلك خلافاً للطرق الرئيسية المغلقة التي تقدّر مساحتها بعدة كيلو مترات، ويمكن اجتيازها في بضع دقائق.

تُخضع نقاط المليشيا هواتف المسافرين للتفتيش الدقيق، وتتصفح جهات الاتصال وقائمة المكالمات الصادرة والواردة والرسائل النّصية والصور والفيديوهات والصوتيات والتسجيلات والمحادثات في الواتساب والماسنجر، وغيرها من برامج التواصل، يقول مسافرون لموقع "بلقيس".

تبحث في محتوياتها عن أبسط مبرر لتقييد حركة تنقل المدنيين، ومصادرة حرياتهم، وارتكاب المزيد من الانتهاكات في حقهم، وتتخذ من هذا الأسلوب ذريعة لابتزازهم وترويعهم، وإيداعهم زنازن "مدينة الصالح" المظلمة وعديمة التهوية. 

الشاب هاشم عبدالله (30 عاما)، يعمل مباشرا في أحد مطاعم مدينة تعز، يتملّكه الخوف كلّما همَّ بالسفر إلى قريته الواقعة في إحدى المديريات الريفية الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي. 

-عبء المسافر  

تعرّض عبدالله -خلال زياراته المتكررة لمسقط رأسه في مديرية "شرعب الرونة"- للعديد من الممارسات، تمثلت في: التفتيش الدقيق، والتوقيف لساعات، مما جعله يأنف السفر، ويزور أسرته مرّة واحدة في العام، وتحديداً في عيد الأضحى، ووصل إلى قناعة تامة بأن السفر بصحبة الهواتف مغامرة غير مأمونة العواقب، ومخاطرة كبيرة.

يضيف: "تتصيّد نقاط مليشيا الحوثيين المارّين بها من خلال هواتفهم، والتي تقع فيها الكثير من الأشياء من مجموعات في الواتساب وغيرها، وهو ما تستغله تلك النقاط، وترتكب العديد من الانتهاكات بحق المسافرين، وتلصق بهم التُّهم، وتحتجزهم، ثم تطلقهم مقابل مبالغ مالية، أو تودعهم في سجونها".

بثّت تلك الممارسات الرُّعب في قلوب البعض، وجعلتهم يتوخون الوقوع في مصيدة نقاط المليشيا، إذ يلتزمون البقاء داخل المدينة، ويمتنعون عن السفر إلى خارجها لزيارة أهاليهم وأصدقائهم، ومشاطرتهم أفراحهم ومآتمهم، وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على موتاهم، حسب روايات متطابقة.  

الموظف في القطاع الخاص أحمد حميد ( 32 عاماً) أقدم، أواخر أكتوبر الماضي، على زيارة والدته المسنّة والمريضة في أحد الأرياف المجاورة لمدينة تعز، وأثناء مروره بنقاط المليشيا تم إنزاله من السيارة التي تقلّه، وإخضاعه لتفتيش دقيق طال هاتفه المحمول، وأنحاء متفرّقة من جسده، وكيس ملابسه، والأشياء التي اشتراها لوالدته المقعدة.

يقول حميد لموقع "بلقيس": "تصفحوا هواتف جميع الركاب، وعثر أحد عناصر النقطة في الواتساب الخاص بي على محادثة عادية مع شخص بسيط، ولا علاقة له بخصوم الحوثيين، فتهجم عليّ أفراد النقطة، واحتجزوني لأكثر من نصف ساعة، وتوعّدني أحدهم بإيداعي سجن الصالح، مقسماً بأنّي لن أرى فيه الشمس".

حاول التبرير لأفراد النقطة، وأثبت لهم أنه محاسب في إحدى المنشآت التجارية، ولا علاقة له بالجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وما يدور في الجبهات، لكنه لم ينجُ من أساليبهم الهمجية، ولم يفلت من الإعتقال إلا بأُعجوبة، وبعد أن تدخل سائق السيارة لدى أحد معارفه في النقطة، وكفله، واستطاع أن يخلي سبيله مقابل 30 ألف ريال.

- تعسّفات

الحظ الذي حالف حميد لم يحالف الشاب أكرم سعيد (25 عاماً)، الذي لم يتمكّن من العودة إلى أهله في أحد الأرياف المحيطة، التي غادرها مطلع نوفمبر الماضي نحو المدينة، لاستخراج جواز سفر، وهناك التقى بالعديد من أصدقائه الجنود في الجيش الوطني، الذين استضافوه، وتجولوا معه، وأخذوا العديد من الصور التذكارية.

أثناء عودته، في أواخر الشهر ذاته، خضع لتفتيش دقيق وشامل من قِبل إحدى نقاط المليشيا، حيث تصفّح أحد عناصرها هاتفه، وعثر فيه على تلك الصور، التي اتخذها أفراد النقطة ذريعة، وألقوا القبض عليه بتهمة الانتساب للجيش، والعمالة مع دول التحالف، حسب ما ذكره أحد أقاربه لموقع "بلقيس". 

قاد والده مساعي لإطلاق سراحه، واستعان بوسطاء محليين، ومشرفين حوثيين من أبناء المنطقة، لكنه لم يفلح في تبرئة نجله من التُّهم المنسوبة إليه، وإقناع المسؤولين عن سجن "مدينة الصالح" بذلك. 

يقول والده لموقع "بلقيس": "يعمل ابني أكرم في القرية سائق دراجة نارية، وينقل بها الركاب، وكان يتأهب للسفر إلى السعودية، ولا علاقة له بخصوم مليشيا الحوثيين من قريب أو بعيد، والأشياء التي عُثر عليها في هاتفه، واعتقل بسببها عابرة".

 

وأوضح: "حوى جواله على صور له وهو بجوار أصدقاء له وهم بالزي العسكري، وأخرى وهو معهم على متن أحد الأطقم، إلى جانب فيديوهات قصيرة تتضمن تقارير تلفزيونية حول ما يدور في الجبهات".

الطريق المؤدي إلى زنازن "مدينة الصالح" أقصر مما يتخيّله البعض، فالعشرات منهم اُقتيدوا منذ بدء الحرب إلى ذلك السجن المشؤوم لأسباب متعددة، أبرزها محتويات هواتفهم، كما يقول ناشطون حقوقيون ومواطنون في أحاديث متفرّقة لموقع "بلقيس".

تعد أرقام الهواتف والصُّوَر الجماعية أو الشخصية للمسؤولين والقيادات الأمنية والعسكرية والشخصيات المعروفة في مناهضتها لمليشيا الحوثيين والناشطين والإعلاميين المحسوبين على خصومها، إلى جانب التواصل معهم بأي شكل أو وسيلة، قرينة تُلقي بصاحبها في غياهب السجن، وتعرّضه للضرب المبرح، والتعذيب.

-محظورات

كما أن المحادثات، التي ترد فيها إشارة أو تلميح أو انتقاد للمليشيا أو قادتها ولو كانت مع مواطنين عاديين وغير مؤثرين ولا صلة لهم بالمشهد السياسي والعسكري، قد تعرّض المسافر 

للعديد من الممارسات التعسفية، التي لا تنتهي عند السجن فقط.

تعتقل مليشيا الحوثيين المسافرين بحُجة احتواء جوالاتهم على صور وأرقام الشخصيات السياسية والقيادات الحزبية المناوئة لها والمسؤولين الحكوميين وقيادة السلطة الشرعية وغيرها من الأشياء التي تعدها دليلاً على تأييد خصومها.

وتُعد الفيديوهات المتعلقة بالجبهات والمواجهات الدائرة فيها، والمحادثات التي تتطرّق لها وتنتقد المليشيا وقادتها، فضلاً عن التسجيلات الصوتية والأغاني والأناشيد المناهضة والمسيئة لها والمؤيدة لخصومها، مبررات لسجن من يُوجد ذلك في هاتفه. 

تتحقق أيضاً من ملامح الركاب، وتحَقق مع كل واحد منهم، وتطرح عليهم الكثير من الأسئلة، أبرزها: متى سافر إلى المدينة؟ وما الغرض من ذلك؟ وما العمل الذي يزاوله؟ 

وتطلب منه ما يثبت صحة كلامه، ما لم فإنه مُدان في نظرها، يستحق العقاب والسجن، تقول مصادر متطابقة لموقع "بلقيس".

تقارير

مخيمات النزوح في مأرب.. إهمال حكومي وكوارث متكررة

يعيش ملايين النازحين في محافظة مأرب ظروفا إنسانية كارثية تتفاقم مع مرور الوقت، وتهدد حياتهم بشكل مباشر، ومن أوجه المعاناة أن العديد من الأسر النازحة تضطر إلى العيش في خيام متلاصقة، مما يشكّل بيئة خصبة لانتشار الحرائق والأوبئة.

تقارير

ما مستقبل الأزمة اليمنية بعد 10 أعوام من محاولة جلب الحل السياسي الشامل؟

الأمم المتحدة، وعبر مبعوثيها المرسلين إلى اليمن، لم تستطع، حتى الآن، إيجاد خريطة طريق للحل، ووقف إطلاق النار، وجعل مسار المفاوضات ممكنا، وسط تقارير تشير إلى تخاذلها وغض الطرف عن تصرفات مليشيا الحوثي العابثة منذ سنوات.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.