تقارير

جنوب اليمن.. من نظريات ماركس إلى فتاوى بن بريك

23/07/2021, 06:06:47

قناة بلقيس - عبد السلام قائد

تختصر الفتاوى التي يصدرها السلفي المتشدد هاني بن بريك، نائب رئيس ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، بجواز قتال القوات الحكومية وسفك دماء الجنود الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة الشرعية، واقع الأمر الذي تسعى دولة الإمارات إلى تشكيله في جنوب اليمن، الذي شهد أول تجربة ماركسية عربية، وهي الوحيدة حتى الآن، والتي كانت تعد حينها أكثر فكرة تقدمية، وانتهى المآل بأن تلك البقعة الجغرافية، التي كانت تهتم بنظريات ماركس ولينين، وتبنتها رسميا كأيديولوجية ونظام سياسي ونمط تحالفات دولي وإقليمي، أصبحت اليوم تتلقى فتاوى القتل والتكفير من أبوظبي بلسان السلفي المتشدد هاني بن بريك، الأمر الذي يعكس رداءة الزمن الإماراتي في عدن ورداءة مخرجاته المتمثلة في النخبة السياسية والعسكرية التي أصبحت اليوم تسيطر على مدينة عدن ومدن أخرى في جنوب اليمن.

وقبل أيام، أطل بن بريك، الذي يقيم في أبو ظبي، بفتوى جديدة بجواز قتال القوات الحكومية في جنوب اليمن، تزامنا مع توتر الأوضاع الأمنية بمحافظة أبين، وتصعيد المجلس الانتقالي ضد الحكومة الشرعية للبلاد. وقال بن بريك -في تغريدة على تويتر- إن "من أعظم الأعمال الصالحة أيام العشر من ذي الحجة هو الدفاع عن الوطن، والرباط في ثغوره". وأفتى بمواجهة القوات الحكومية في جنوب البلاد، معللا ذلك بأنه "دين وعبادة"، وأضاف أنه إذا كان لدى القوات الحكومية "فتوى إخوانية" فلدى جماعته "فتوى ربانية"، حسب زعمه.

استغلال هاني بن بريك للعشر من ذي الحجة ليصدر فتواه المذكورة، يشبه استغلاله لشهر رمضان من العام الماضي، عندما أصدر فتوى مشابهة عبر تويتر، تزامنت مع معارك في أبين أيضا، قائلا: "أفتيت كل جنوبي في جبهات القتال بأن له الفطر يشرب ويأكل وله الأجر وعليه القضاء بعدها، وأفتيت أن كل إخوانجي وذيله من قاعدي وداعشي وغيرهم من المرتزقة المشاركين في العدوان على الجنوب دمهم دم حنش إلا المستسلم، والمقتول منهم إلى جهنم، والمقتول منا مدافع عن وطنه وعرضه وبيته وماله فهو شهيد".

- التصوف السياسي وميراث الحقد على اليمن

تدخلت دولة الإمارات عسكريا في اليمن وهي مثقلة بميراث كبير من الحقد الأسود على اليمن واليمنيين، وكذلك السعودية أيضا، ولو أن الدولتين تدخلتا عسكريا، وما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي كان قائما وليس من صنيعهما، وكان يمثل حركة انفصالية قوية تعمل على استعادة دولة الجنوب التي كانت تهدد باكتساح دول الخليج وإسقاط ما تصفها بـ"الأنظمة الرجعية" فيها، وإقامة أنظمة حكم "تقدمية" مكانها، فإن الدولتين كانتا ستحاربان "الانتقالي" أكثر من حربهما على الحوثيين، لكن بما أن "الانتقالي" لا يعدو كونه مجرد أداة للانتقام والتخلي عن سيادة البلاد وإثارة الفتنة وإشعال نيران الحرب بين الجنوبيين أنفسهم، فإنه سيظل يحظى بالدعم، باعتباره أبرز المخرجات الرديئة للزمن الإماراتي الرديء في جنوب اليمن.

وتعكس التوليفة المتناقضة التي تشكلت منها مليشيات المجلس الانتقالي، من سلفيين وبقايا الاشتراكيين وقبليين مستقلين، سوء نوايا الإمارات إزاء جنوب اليمن، وهذه التشكيلة المتناقضة وصلت إلى القيادات العليا للمجلس الانتقالي، التي تجمع بين اشتراكيين وسلفيين متشددين، وبدت مؤشرات سوء النوايا خلال الأسابيع القليلة الماضية، إذ برزت خلافات بينية في أوساط مليشيات "الانتقالي" السلفية من جانب والاشتراكية/القبلية من جانب آخر، مما دفع برئيس "الانتقالي" عيدروس الزبيدي إلى محاولة إعادة هيكلتها من خلال تعيين قيادات لبعضها، لكن تلك المحاولة مصيرها الفشل ولن تغير من واقع الحال شيئا.

والسؤال هنا: هل تعمل دولة الإمارات حاليا على تفجير الوضع بين مليشيات المجلس الانتقالي بعد عجزها عن تمديد توسعها في جنوب اليمن وإعلان الانفصال؟ وهل سيطل هاني بن بريك بفتوى جديدة لتصفية رفاقه في "الانتقالي" الشيوعيين بإيعاز من الإمارات التي يقيم في أراضيها ويعد الأكثر تدليلا من قِبَلها بخلاف القيادات الأخرى لـ"الانتقالي"؟

لقد قَدِم هاني بن بريك من "السلفية العلمية"، وهي النقيض الموضوعي لـ"الاشتراكية العلمية" التي كانت تحكم جنوب اليمن قبل إعادة تحقيق الوحدة الوطنية، وكانت "السلفية العلمية" لهاني بن بريك، الذي درس في مركز دماج السلفي بصعدة على يد مقبل الوادعي، تتسم بالعنف اللفظي ضد حركة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية التي خرجت من عباءتها، ثم تحول إلى السلفية الجهادية، وسُجِن في عهد الرئيس السابق علي صالح بتهم تتعلق بالإرهاب، وتفيد مصادر إعلامية بأنه انضم في عام 2010 إلى تنظيم أنصار الشريعة (فرع تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن)، وأخيرا انضم إلى شبكة التصوف السياسي التي ترعاها وتمولها دولة الإمارات، لتكون ذراعها الديني في إطار صراعها على النفوذ مع السعودية، ولتكون شبكة التصوف السياسي رأس حربة لمواجهة السلفية الوهابية، الذراع الديني للعائلة الحاكمة في السعودية.

يبدو هاني بن بريك بمثابة رجل الإمارات الأول في جنوب اليمن، وسيترأس المجلس الانتقالي في حال تعرض عيدروس الزبيدي للاغتيال أو الوفاة (قد تغتاله دولة الإمارات لأجل خلط الأوراق والتحريض على الانفصال كما حدث مع "أبو اليمامة"). وكون العقيدة الدينية لهاني بن بريك خليط من "السلفية العلمية" و"السلفية الجهادية" وشبكة التصوف السياسي التابعة لأبو ظبي، فإن ذلك سيوسع من دائرة خصومه، وبالتالي فإن حكام الإمارات سيمررون من خلاله الكثير من عمليات الاغتيال، والتي ستطال جميع الرافضين للهيمنة الإماراتية في جنوب البلاد من اشتراكيين وسلفيين وإصلاحيين وغيرهم، علما بأن بن بريك متهم بتدبير مختلف عمليات الاغتيال التي طالت دعاة وعلماء من التيار السلفي وقادة إصلاحيين في العاصمة المؤقتة عدن وغيرها خلال السنوات الماضية.

وأما الدليل على أن دولة الإمارات، وحليفتها السعودية، تدخلتا عسكريا في اليمن وهما محملتان بإرث كبير من الحقد الأسود على البلاد، خصوصا الجنوب، أن أول عملية اغتيال سياسي من العيار الثقيل جرت في مدينة عدن، استهدفت محافظ عدن الأسبق جعفر محمد سعد، القيادي والضابط الاشتراكي المخضرم الذي درس العلوم العسكرية في الاتحاد السوفيتي، وتشبع بالثقافة الاشتراكية، وهو من بقايا نظام الحزب الاشتراكي قبل الوحدة، الذي كان كلما اجتمعت لجنته المركزية في عدن يشعر حكام ممالك الخليج بـ"القلق"، وينتظرون ما الذي سيسفر عنه الاجتماع، بسبب ثورية الحزب وتهديده باكتساح ممالك الخليج وإسقاط أنظمتها "الرجعية" واستبدالها بأنظمة اشتراكية "تقدمية" حسب زعمه، وبدأ بدعم جبهة ظفار اليسارية في سلطنة عمان. وعلى النقيض من ذلك، يشعر قادة المجلس الانتقالي اليوم بـ"القلق" كلما تأخرت الرواتب القادمة من أبو ظبي أكثر من أسبوع، خوفا من أن يكون قد اتُّخِذ قرار بإيقافها.

وكانت عملية اغتيال الاشتراكي جعفر محمد سعد، محافظ عدن الأسبق، في 6 ديسمبر 2015، قد نفذت قبل محاولة اغتيال أنصاف مايو، رئيس فرع حزب الإصلاح في عدن، والتي نفذت في 29 ديسمبر 2015، بواسطة مرتزقة أمريكيين استقدمتهم الإمارات، بحسب ما كشف عنه موقع "بزفيد" الأمريكي في تحقيق له مدعم بالوثائق والفيديوهات، وهو ما يعني أن هدف دولة الإمارات بتصفية ميراث دولة جنوب اليمن قبل الوحدة مقدم على هدفها بتصفية حزب الإصلاح، ودعمها لانفصال جنوب اليمن ليس لأجل عودة دولة ما قبل الوحدة، ولكن لأجل تنصيب "طرف محدد" يكون بمثابة غطاء للعبث والتخريب الإماراتي في جنوب البلاد والتنازل عن السيادة الوطنية.

- الموقف من القضية الفلسطينية

بما أن المال السياسي، السعودي والإماراتي، صار هو "اللاعب الرئيسي" في مسار الأزمة اليمنية وتحولاتها، فإن ذلك المال أوصل بعض الأطراف اليمنية إلى مهاوٍ سحيقة، ومثال ذلك حديث قادة في ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي عن استعدادهم للتطبيع مع إسرائيل في حال تحقق مشروع الانفصال، بينما هاني بن بريك أبدى استعداده لزيارة إسرائيل، ولم ينقصه إلا أن يصدر فتوى بجواز ذلك أو وجوبه.

وهنا يتجلى فرق آخر بين موقف نظام حكم جنوب اليمن من القضية الفلسطينية في زمن نظريات ماركس ولينين، وموقف ما يسمى المجلس الانتقالي من ذات القضية في زمن الإمارات الرديء في عدن وفتاوى القتل والتكفير، رغم أن "الانتقالي" يحاول تقديم نفسه كوريث لدولة الجنوب قبل إعادة تحقيق الوحدة الوطنية.

ففي زمن النظريات الماركسية واللينينية، قدمت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الدعم للفصائل الفلسطينية المقاومة للاحتلال الصهيوني، خصوصا الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين بزعامة كل من جورج حبش ونايف حواتمة على التوالي، ليس بسبب التوجهات اليسارية للجبتهين، ولكن أيضا للعلاقات الشخصية التي ربطت عددا من زعماء الجبهة القومية والذين خرجوا من رحم "حركة القوميين العرب" التي ضمت أيضا حبش وحواتمة وغيرهما من رموز اليسار الفلسطيني، واستمر هذا الموقف الداعم للقضية الفلسطينية منذ استقلال جنوب اليمن عام 1967 وحتى الوحدة عام 1990. وفي زمن الإمارات الرديء في جنوب اليمن وفتاوى هاني بن بريك، هناك هرولة مخجلة للتطبيع مع إسرائيل، فقط لأن "الممول" طلب ذلك.

وفيما يتعلق بتسليم المجلس الانتقالي الجزر والموانئ اليمنية الحيوية لدولة الإمارات وتركها تعبث بها كما تريد، لدرجة استقدام جنود إسرائيليين إلى جزيرة سقطرى لإقامة مراكز استخباراتية مشتركة فيها، دون أن يعترض "الانتقالي" على ذلك، فقد كانت دولة جنوب اليمن قبل الوحدة تتبنى مواقف قوية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ووظفت الموقع الجغرافي للبلاد لاتخاذ إجراءات عملية مناهضة لإسرائيل، كما حدث خلال حرب أكتوبر 1973، حيث أدت دولة جنوب اليمن دورا فعالا ومؤثرا من خلال التنسيق مع مصر تحديدا، حيث تم الترتيب بأن تغلق القطع البحرية العسكرية المصرية مضيق باب المندب خلال الحرب أمام السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، كعامل ضغط على إسرائيل وحلفائها.

وفي وقت لاحق، انضمت دولة جنوب اليمن إلى ما عرف بـ"جبهة الصمود والتصدي"، التي تشكلت من كل من الجزائر وليبيا وسوريا واليمن الديمقراطية الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية، احتجاجا على زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس في نوفمبر 1977، في ما عرف بـ"مبادرة السلام"، وقد أدانت دولة جنوب اليمن تلك الزيارة واتهمت السادات ونظامه بأفظع اتهامات الخيانة والتآمر ضد الأمة العربية.

وأخيرا، ليس الهدف مما سبق إجراء مقارنة بين جنوب اليمن قبل الوحدة وبين المجلس الانتقالي الذي تنصبه دولة الإمارات ليكون وريث تلك الفترة، كان النظام الحاكم، له أيضا أخطاؤه التي لا تعد، ولكن الهدف هو التأكيد بأن "الانتقالي" ليس مؤهلا لتحقيق مشروع الانفصال، خصوصا أنه منذ بدء مساعيه لاحتكار مطالب الانفصال واحتكار تمثيل الجنوب، بدعم إماراتي سخي، تراجعت مطالب انفصال جنوب اليمن، وأصبح معظم أبناء الجنوب يؤيدون الوحدة الفيدرالية، وتهدد بعض المحافظات، خصوصا حضرموت والمهرة، بأنه إذا تحقق مشروع الانفصال فإنها ستنفصل هي الأخرى عن الجنوب، وهكذا تتجلى رداءة النفوذ الإماراتي في جنوب اليمن ورداءة مخرجاته.

تقارير

الكاتب والصحفي الراحل محمد المساح.. استوقف الزمان وغادره بصمت

الكاتب والصحفي اليمني محمد المسّاح، صاحب عمود "لحظة يا زمن"، الذي أطل به على قرائه من على صحيفة "الثورة" الرسمية، لسنوات طويلة؛ يودع الحياة ويترك خلفه إرثا ثقافيا ومعرفيا ملهما للأجيال الصحفية والأدبية، التي جاءت من بعده.

تقارير

وعود برحلات وهدايا وسلال غذائية.. هكذا تستقطب مليشيا الحوثي الطلاب لتجنيدهم في مراكزها الصيفية

دشّنت مليشيا الحوثي معسكراتها الصيفية لطلبة المدارس في مناطق سيطرتها، بعد إنهائها العام الدراسي مبكراً وتنفيذ حملات ترويجية، تضمنت وعوداً بجوائز وسلال غذائية، وسط الاهتمام الشديد من زعيم المليشيا بهذه المعسكرات، وتحذير الحكومة من خطرها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.