تقارير

رمضان في سوق "الشنيني" بتعز.. روحانية عمرها مئات السنين

06/05/2021, 19:49:36

قناة بلقيس - هشام سرحان

بمجرد أن تدلف قدما الزائر -في شهر رمضان- إلى سوق "الشنيني" الشعبي والتاريخي القديم، يستشعر في نفسه إحساساً مغايراً قلّما يحسّ به في أي سوق آخر، فالحياة الرمضانية في هذا السوق تمضي بإيقاع  مختلف، ينظِّمه المكان وأصوات الباعة وخُطى الزوّار الذين يتنفسون رائحة ماضٍ ممتدٍ عبر مئات السنين في أروقة عادةً ما تستقبلهم بفرط بساطتها ورحابة صدرها وروحانيتها الفريدة.

يجد نفسه وسط نقيضين، ويتذوق نكهة الماضي والحاضر معاً، كما تتسع حدقتا عينيه وهي تتمعن في تفاصيل لوحة فنية بديعة، امتزجت فيها السلع الرمضانية الشعبية والعريقة، ذات الطابع المحلي، بالحديثة ومتعددة المصادر، لتشكلان باقة متنوعة لها شكلها ومضمونها الخاص، الذي يتسلل إلى الأعماق مستثيراً شجناً كبيراً للحوانيت والممرات والمحلات وتفرّعات السوق وممراته، التي تُحيي في نفس الزائر تلك الأُلفة الكامنة لدفء التفاصيل، التي اعتاد عليها، والأجواء الرمضانية التي لطالما عاشها واستساغها في مكان يبدو كمن قطع عهداً بأن يظل محافظاً على روحه وهويّته وطابعه التقليدي،  وتفاصيله الدقيقة التي تعطي لرمضان شكلاً ولوناً مغايراً لأمكنة وأزمنة أخرى.

يستلقي سوق "الشنيني" في أحضان التاريخ، متوسطاً مدينة تعز القديمة وبابي "موسى" و"الكبير" الأثريين منذ مئات السنين. ويبدو في شهر رمضان بحُلة جديدة ومختلفة عن بقية أشهر السنة، ففي حين يكتظ بالسلع التقليدية القديمة يفسح -أيضاً- مجالاً للسلع والمستلزمات ومأكولات ومشروبات وحلويات وعصائر رمضان الحديثة.
يكثر في شهر رمضان إقبال الزوّار عليه، من مختلف قُرى وشوارع مدينة تعز ونواحيها البعيدة والقريبة، فيخيّم عليه التنوّع، وتتجسّد فيه أبهى صور التعايش ويتحوّل إلى متنفَّس للزوّار وملتقى شعبي يجمع بين دفتيه لفيفا واسعا من الباعة والزبائن والباحثين عن الفُرجة والنزهة.
   
رغم توفّر المتطلبات  الرمضانية المستوردة إلا أن الطابع التقليدي يطغى عليه، كما يسجل حضوراً قوياً في ثناياه ومحتوياته وأنشطته ودكاكينه وحركة البيع والشراء وطريقة عرض البضائع، التي تعبق بعضها بروائح متعددة، تعود بشجون الزائر إلى حياة الأرياف وأجوائها الرمضانية، المُفعمة برائحة الفطير و'الجُبن البلدي' و'اللحوح' و'البهارات' و'اللبن' و'البُن' اليمني.

* مظاهر رمضانية

يعجّ سوق "الشنيني"، طيلة شهر رمضان، بالسلع والبضائع والأدوات الرمضانية والعربيات والبسطات والباعة والزبائن، الذين يتوافدون إليه من أنحاء متفرّقة، تفصح عنها الأزياء الشعبية التي يرتدونها، ما يجعل منه، في كل موسم رمضاني، معرضاً كرنفاليا حافلاً بالتنوّع والحياة.


 
ثمّة أُلفة مُزمنة تكوَّنت عبر قرون بين الإنسان وسوق "الشنيني"، الذي يتميّز عن غيره من الأسواق داخل مدينة تعز بعراقته وأصالته والبضائع المعروضة فيه، التي لا تكاد تتوفّر في غيره من الأسواق، حسب عاقل السوق (بسام الفضلي)، الذي قال لموقع "بلقيس":
"هذا السوق معروف منذ القدم، وعهد الآباء والأجداد، وهو متنفَّس وحيد لأهالي تعز في الأرياف والمدينة". مضيفاً "يتوافد عليه الكثيرون من مختلف القرى والشوارع والأحياء، بمن فيهم كبار السن، الذين يحرصون على زيارته طوال رمضان ليأخذوا منه احتياجاتهم".
يتفرّد سوق "الشنيني"، في رمضان عن غيره من الأسواق، بتوفّر مختلف السلع والبضائع والمستلزمات الرمضانية، بما فيها 'البهارات' و'الفطير البلدي' و'اللحوح' وغيرها، ويتوافد إليه الباعة والتجار وأصحاب البضائع والسلع والمنتجات من مختلف المناطق، لعرض ما لديهم للزبائن، الذين يقبلون عليه لتوفّر جميع احتياجاتهم فيه.  
يتوافد الناس، في رمضان، إلى "الشنيني" بكثرة، وبصورة مختلفة عن بقية أشهر السنة، طبقاً "للفضلي"، الذي يُرجع ذلك إلى الروحانية الفريدة التي يعيشونها في هذا السوق، خلافاً عن غيره من الأسواق.



يحتل هذا السوق مكانة في نفوس اليمنيين، ويترسّخ في الذاكرة الجمعية، التي ما إن تُذكر تعز إلا وُذكر معها سوق "الشنيني، الذي  تجمعه بشهر رمضان علاقة ودٍّ وتبادل أزليّة، فكلاهما يمنح الآخر الحضور والألق والبهاء. ويوضح الفضلي: "يكمَّل كل منهما الآخر، ويُضفي عليه مزايا معيَّنة، إذ يحيك 'الشنيني' تفاصيل مختلفة للحياة الرمضانية، ويوفِّر جميع حاجيات رمضان، وبأسعار متواضعة، ومناسبة، تُراعي الأوضاع المادية والمعيشية للسكان" .

* أسرار الجذب

زيارة "الشنيني" أضحت من العادات والتقاليد الرمضانية، التي يحييها الكثيرون في تعز، ومن لم يزرْ "الشنيني"، في هذا الشهر، فلن يحسّ بروحانيّته وأجوائه، ما يجعل ارتياده طقساً من الطقوس الرمضانية، التي يمارسها الناس ليستشعروا مدى روحانيّته ويعيشوا أجواءه.
تتواجد فيه دون غيره أدوات 'السنبوسة' ورقائقها، و'السنبوسة' الجاهزة و'اللحوح'، التي تتوافد بائعاتها من عدّة مناطق، فضلاً عن 'المشاقر'، التي تحتلُّ مكانة لدى كبار السنّ، الذين لا يحلو لهم رمضان إلا بشرائها والتزيّن بها من وقت العصر وحتى بعد المغرب.

تتوفّر فيه، أيضاً، جميع السلع الشعبية بما فيها الأواني الفخارية، التي تُستخدم في حفظ الماء وتنقيته وتبريده، و'البهارات' وغيرها من الأشياء التي تتواجد فيه خلال شهر رمضان، فيما تختفي في بقية أيام السَّنة.
يحظى السوق بإعجاب الكثيرين بمن فيهم  السبعيني سعيد علي المُحيا، الذي يأتي إلى "الشنيني" من إحدى القُرى البعيدة، أُسوة بغيره من المواطنين، الذين يترددون على السوق بشكل شبه يومي للتنزّه، وشراء كل ما يلزمهم.
ويؤكد: "يتوافد إلى هنا معظم أبناء تعز ليعيشوا أجواء رمضان، ويتذوقون حلاوتها إلى جانب شراء جميع احتياجاتهم الرمضانية، التي تتوفّر فيه دون غيره من الأسواق".
 
يتمعّن المُحيا في زوايا السوق، وكأنّه يزوره للمرّة  الأولى، إذ يحرص في زياراته المتكررة على إشباع نهمِه وأشواقه ومطالعة جميع ملامحه وتفاصيله، في مشهد وديٍّ يبدو فيه الرجل كمن يبحث عن السرّ الذي يخفيه المكان، ويقف وراء هذا الحضور والكمِّ الكبير من البشر.

تقارير

مخيمات النزوح في مأرب.. إهمال حكومي وكوارث متكررة

يعيش ملايين النازحين في محافظة مأرب ظروفا إنسانية كارثية تتفاقم مع مرور الوقت، وتهدد حياتهم بشكل مباشر، ومن أوجه المعاناة أن العديد من الأسر النازحة تضطر إلى العيش في خيام متلاصقة، مما يشكّل بيئة خصبة لانتشار الحرائق والأوبئة.

تقارير

ما مستقبل الأزمة اليمنية بعد 10 أعوام من محاولة جلب الحل السياسي الشامل؟

الأمم المتحدة، وعبر مبعوثيها المرسلين إلى اليمن، لم تستطع، حتى الآن، إيجاد خريطة طريق للحل، ووقف إطلاق النار، وجعل مسار المفاوضات ممكنا، وسط تقارير تشير إلى تخاذلها وغض الطرف عن تصرفات مليشيا الحوثي العابثة منذ سنوات.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.