تقارير

فشل مساعي الحل السياسي.. كيف تعقدت الأزمة اليمنية؟

25/07/2021, 13:26:43

قناة بلقيس - عبد السلام قائد

تزداد الأزمة اليمنية تعقيدا يوما بعد يوم، لدرجة يبدو معها استحالة الحل السياسي، حيث فشلت كل الجهود المبذولة لحل الأزمة سياسيا ووقف إطلاق النار، وآخرها المساعي الأمريكية والأممية والعُمانية المكثفة، خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي عجزت عن تحقيق مجرد اختراق في جدار الأزمة يمكن التسلل من خلاله لإحداث ولو نوع من التقارب والمرونة التي يمكن البناء عليها لتحقيق السلام.

ومثلما أن الحل السياسي يبدو مستحيلا، فإن الحسم العسكري لصالح أي طرف من أطراف الصراع، وفقا للمعطيات الحالية، يبدو أكثر تعقيدا، بسبب أن التدخل الخارجي يعمل على تغذية الحرب وإطالة أمدها، وتصاعد دور العامل الخارجي في البلاد بسبب معضلة رئيسية تتمثل في أن تراجع الدولة في تأدية وظيفتها جعل البلاد مكشوفة أمام التدخل الخارجي وتعدد الفاعلين الأجانب، كما أن هشاشة الدولة أنتجت هشاشة في المجتمع، في حين تعاظم دور المليشيات والجماعات المسلحة وتوطينها في حواضنها الاجتماعية، بينما تصاعد دور العامل الخارجي في الصراع لدرجة أن الفاعلين المحليين صار دورهم ملحقا بدور الفاعلين الأجانب.

- تشابك الانقسامات وتعدد الفاعلين

رغم أن القضية الرئيسية في الأزمة اليمنية تتمثل في الصراع بين السلطة الشرعية للبلاد ومليشيات الحوثي الانقلابية، التي تمثل امتدادا لنظام الإمامة الكهنوتي، وتدعي الحق الإلهي في السلطة والثروة، ومدعومة من إيران، لكن بروز قضايا أخرى، وظهور فاعلين كُثر ليس من أولوياتهم القضاء على الانقلاب الحوثي، أثّر على طبيعة المعركة، وأرهق السلطة الشرعية والمقاومة الشعبية المساندة لها في معارك جانبية، فضلا عن أن القرار السياسي والعسكري للسلطة الشرعية أصبح مختطفا من قِبَل الرياض وأبوظبي، مع اختلاق عراقيل تمنع تواجدها في المحافظات المحررة، وإبعاد أي مسؤول فيها يعترض على الدور السلبي للتحالف السعودي الإماراتي في البلاد، والإبقاء على الشخصيات الفاسدة فيها.

اتسمت الأزمة اليمنية في بدايتها بكونها أزمة سياسية بحتة، لكنها مرت بتحولات سريعة، لا يتسع المجال لسردها جميعا، وأفضت تلك التحولات إلى ظهور خلافات وعداوات كانت كامنة، وتفرع الخلاف السياسي على السلطة والثروة ورفض مشروع التوريث والتأبيد في السلطة، إلى عدوات مذهبية وطائفية ومناطقية فجرها التحالف النفعي بين الرئيس السابق علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر ومليشيات الحوثي الموالية لإيران، وتشابكت خطوط الانقسام، فهناك انقسام سياسي حزبي، وانقسام عقائدي وطائفي، وانقسام جغرافي ومناطقي، وانقسام اجتماعي وقبلي، وكل طرف يخوض الحرب من منظور انتمائه الأولي، حتى ظهرت مختلف أنماط الصراعات، وباتت الحرب بمثابة حروب عدة داخل حرب، فهي حرب طائفية ومذهبية، وحرب مناطقية وجغرافية، وحرب قبلية واجتماعية، مع عدم إغفال أبعادها السياسية ذات الطابع الثأري.

كما أن التدخل الأجنبي زاد من تغذية الحرب الأهلية، وأدى تعدد الفاعلين الأجانب في الأزمة اليمنية إلى تعدد الفاعلين المحليين كنتيجة لظهور تحالفات عابرة للدول والقوميات، وتدفق المال والسلاح إلى أيدي مليشيات تنتمي إلى زمن ما قبل الدولة. ويطيل من أمد الصراع وتوغل دور الفاعلين الأجانب أن كلفة التدخل قليلة، بسبب ضعف الدولة اليمنية وهشاشتها، وتوازن الضعف لدى الفاعلين المحليين.

فمثلا، خسائر إيران في تغذيتها للحرب في اليمن لا تُعد شيئا يذكر قياسا بخسائرها المادية والبشرية نظير تدخلها في سوريا، كما أن خسائر الإمارات والسعودية جراء تدخلهما في اليمن وتغذيتهما لإطالة أمد الصراع تُعد قليلة ولا تُذكر قياسا بثرواتهما الطائلة ونفقاتهما الكبيرة في مجالات أخرى مثل التسليح والإنشاءات وغيرها، بينما اليمن يبدو متضررا كثيرا لأن بنيته التحتية ضعيفة، والحرب تستخدم فيها غالبا الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، لانعدام الحاجة إلى أسلحة ثقيلة لا يوجد بنك أهداف يوازي كلفتها.

كما أن اندلاع المواجهات في تضاريس صعبة، والمواجهات داخل المدن أو بالقرب منها، تجعل الحرب الأهلية منضبطة، وهذا الانضباط يطيل من أمد الحرب ولا يحسمها، بعكس الانفلات، الذي يجعل المواجهات مستمرة على أشدها في مختلف الجبهات حتى فناء طرف أو انتصار طرف آخر.

- دورة صراع شاملة

في الحقيقة، جميع الأزمات الراهنة التي تشهدها اليمن ليست جديدة، وإنما هي امتداد لصراعات قديمة، فالحرب ضد الحوثيين هي امتداد لحروب وأزمات قديمة بين اليمنيين وأتباع ما توصف بـ"الهاشمية السياسية" الذين قدموا من خارج البلاد بمزاعم النسب النبوي والحق الإلهي في السلطة والثروة.

والأزمة حول الوحدة اليمنية هي امتداد لأزمة تحقيق الوحدة في زمن التشطير وأزمة الانفصال بعد إعادة تحقيقها عام 1990. وبقية الأزمات تتفرع من الأزمات المذكورة، وتتعلق بالتهميش المناطقي من قِبَل الأنظمة الحاكمة في الشطرين سابقا وبعد الوحدة، يضاف إلى ذلك الحروب بين الشطرين قبل الوحدة، والحروب داخل كل شطر، وما أسفرت عنه من تهميش مناطقي ومظالم اجتماعية ما زالت آثارها قائمة إلى اليوم وتلقي بظلالها على مجمل مجريات الصراع.

فمثلا، تعارض محافظات جنوبية عدة، مثل أبين وشبوة وحضرموت والمهرة، مشروع الانفصال خوفا من عودة التهميش الذي طالها من قبل نظام الحكم في عدن قبل الوحدة، وترفض محافظتا تعز ومأرب الانقلاب الحوثي بشدة والحكم المناطقي أو السلالي والعائلي بسبب ما تعرضتا له من مظالم وتهميش في زمن الإمامة الكهنوتية وفي عهد الرئيس السابق علي صالح.

وبما أن الأزمات الراهنة هي امتداد لأزمات قديمة أُعيد إنتاجها أو تدويرها، لكن الجديد هذه المرة هو أنه انفجرت دورة صراع شاملة، حضرت فيها الصراعات القديمة دفعة واحدة، بعد أن كانت تنفجر كل منها منفردة، وتصاعد دور العامل الخارجي، وزاد الطين بلة الامتداد الإقليمي للصراع بصبغته الطائفية، وتعددت الأهداف بتعدُّد الأطراف الفاعلة في الصراع محليا وأجنبيا، فطرف يريد عودة الإمامة الكهنوتية، وطرف يريد عودة الانفصال، وطرف يريد ترميم نظام علي صالح وتأهيله وإعادة إنتاجه.

وخارجيا، هناك طرف يريد السيطرة على موانئ البلاد وجزرها ومناطق ثرواتها وتخريب بيئتها الطبيعية الفريدة، وطرف يريدها حرب استنزاف طويلة الأمد يكون وقودها الإصلاحيون والسلطة الشرعية والحوثيون، ليتسنى له تنصيب الحاكم الذي يريد، كما تحولت اليمن إلى ساحة صراع إقليمي وورقة تفاوضية. وهكذا توالدت دورات العنف وتعقدت الأزمة بسبب انفجار دورة صراع شاملة، تعدد معها الفاعلون المحليون والأجانب، وتصاعد دور العامل الخارجي على حساب دور العامل المحلي، وأصبح الدور الخارجي يعمل على تغذية الحرب وإطالة أمدها لاستغلال الوقت لأجل تمرير أهدافه.

- ما بعد استعصاء الأزمة

رغم حالة الاستعصاء التي تبدو عليها الأزمة اليمنية، إلا أنها لا يمكن أن تدوم إلى ما لا نهاية. ونظرا لأن الأزمات الحالية هي أزمات قديمة سبق أن حسمت ثم انفجرت مرة أخرى بسبب أخطاء متراكمة هيأت الأسباب لعودة انفجارها، فإن طريقة حلها يمكن استنباطها من طريقة حلها السابقة، فصراع اليمنيين مع الإمامة كاد أن يحسم عسكريا بعد الحرب التي تلت ثورة 26 سبتمبر 1962، إلا أن السعودية فخخت العهد الجمهوري بما سمي "المصالحة الوطنية" بين الجمهوريين والملكيين عام 1970، وهي المصالحة التي أفضت إلى إشراك الملكيين الإماميين في السلطة مقابل اعترافهم بالجمهورية، وقد استغل الملكيون ذلك لنخر الجمهورية من داخلها، في غفلة من الصف الجمهوري، حتى حانت اللحظة المناسبة للانقلاب.

وكذلك الأمر بالنسبة للوحدة الوطنية، فبعد الخلافات حول أيديولوجية الدولة الجديدة التي أخرت إعادة تحقيقها سنوات عدة، فقد تحققت سلميا، عام 1990، نتيجة لظروف محلية ودولية جعلت التسريع بها بمثابة هروب لحكام الشطرين من أزمات داخلية يواجهونها كلٌّ على حدة، ثم حسم الخلاف حولها بعد ذلك عسكريا إثر حرب صيف 1994، ما يعني أن الأزمات الحالية، كسابقاتها، لن تحل إلا بالحسم العسكري، ووضع حلول مستدامة للحد من أي أخطاء تعيد إنتاجها.

أما الحلول السياسية، فهي مجرد ترحيل مؤقت للأزمات. وإذا كان التدخل الأجنبي يعيق الحسم العسكري ويغذي الحرب، فالبداية تكمن في إما إعادة هيكلة العلاقة بين السلطة الشرعية والتحالف السعودي الإماراتي الداعم لها، أو إعلان الاستغناء عن تدخلهما لانحرافهما عن الأهداف المعلنة من ذلك التدخل، وبالتالي قيادة المعركة بعيدا عن إملاءات الخارج التآمرية.

تقارير

مخيمات النزوح في مأرب.. إهمال حكومي وكوارث متكررة

يعيش ملايين النازحين في محافظة مأرب ظروفا إنسانية كارثية تتفاقم مع مرور الوقت، وتهدد حياتهم بشكل مباشر، ومن أوجه المعاناة أن العديد من الأسر النازحة تضطر إلى العيش في خيام متلاصقة، مما يشكّل بيئة خصبة لانتشار الحرائق والأوبئة.

تقارير

ما مستقبل الأزمة اليمنية بعد 10 أعوام من محاولة جلب الحل السياسي الشامل؟

الأمم المتحدة، وعبر مبعوثيها المرسلين إلى اليمن، لم تستطع، حتى الآن، إيجاد خريطة طريق للحل، ووقف إطلاق النار، وجعل مسار المفاوضات ممكنا، وسط تقارير تشير إلى تخاذلها وغض الطرف عن تصرفات مليشيا الحوثي العابثة منذ سنوات.

تقارير

" أهالي وأسر المختطفين في سجون الحوثي".. عِيد بأجواء حزينة

لحظات عِيدية كئيبة تمتزج بنوبات البكاء ومرارة التغييب، خالية من أي مظاهر احتفاء رمزيه بالمناسبة البهيجة، تقضيها أسر وأبناء وأقارب المعتقلين، حسرةً على أحبائهم الذين يقبعون في زنازين مليشيا الحوثي الكهنوتية دون وجه حق.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.