ما هي البنود السرية في الاتفاق السعودي الإيراني؟

بالرغم من الجدل الكبير الذي أثاره الاتفاق السعودي الإيراني وانعكاسات ذلك الاتفاق على أزمات الإقليم، إلا أن الأمر الأخطر في الاتفاق، وهو البنود السرية التي لم يُفصح عنها، لم ينل أي اهتمام، مع أن المسائل الحساسة التي لا يُراد كشف النقاب عنها قد تكون هي المحور الأساسي للاتفاق، ولن ينجح الاتفاق إلا بها، أو قد تكون هي الآليات الرئيسية للمصالحة بين الرياض وطهران، وما تم الكشف عنه من بنود ليست سوى الخطوط العريضة للاتفاق، على أن تبقى التفاصيل طي الكتمان حتى لا تؤثر على نجاح المصالحة بين البلدين.

والسؤال المثير هنا: ما هي البنود السرية في الاتفاق السعودي الإيراني؟ ولماذا تضمن ذلك الاتفاق بنودا سرية؟ وإذا كان الملف اليمني هو أول اختبار صعب لنجاح المصالحة السعودية الإيرانية، فهل البنود السرية تضمنت الإجراءات أو التوافقات الكفيلة بتحقيق ذلك؟ ولحساسية الأمر هل يعني ذلك أن البنود السرية حددت كيفية تقاسم النفوذ في اليمن بين السعودية وإيران مقابل علاقات حسن جوار وتعاون بين السعودية ومليشيا الحوثيين؟ وما هي البدائل في حال أفشل اليمنيون خطط تقسيم بلادهم أو تقاسم النفوذ فيها بين دولتين لا تريدان أي مصلحة للشعب اليمني؟

- بنود سرية أم جرائم سياسية؟

لا شك أن البنود السرية التي تضمنها اتفاق المصالحة السعودية الإيرانية على درجة عالية من الأهمية أو الخطورة وإلا لما كانت سرية أساسا، والكشف عنها سيحرج قيادات السعودية وإيران أمام شعبيهما وأمام حلفائهما والعالم أجمع، وقد يتسبب ذلك بأزمات بين كلتا الدولتين وبين حلفائهما في بلدان الصراعات الطائفية، لأن الاتفاقيات السرية هي في حقيقة الأمر "فضائح سياسية" للأطراف الموقعة عليها، وهي أيضا "جرائم سياسية" في حق شعوب أو حلفاء أو دول أخرى أخفيت عنها تلك الاتفاقيات لتجنب ردة فعلها، لأنها لو علمت بها ستثير ضجة كبيرة وقد يؤدي الأمر إلى أزمات دبلوماسية معقدة وفقدان الثقة بين حكومات وشعوبها أو حلفائها، بل وقد يتطور الأمر إلى اندلاع حروب أو حدوث تحولات جذرية وعميقة في بعض الصراعات وخلط الأوراق وظهور سيناريوهات جديدة لمآلات أزمات سياسية أو صراعات ذات طابع عسكري، أو تشكيل تحالفات جديدة على أنقاض تحالفات قديمة، وغير ذلك.

ليست الاتفاقيات السرية بدعة جديدة في العلاقات الدولية، فهناك ما يقارب 600 معاهدة سرية تفاوضت بشأنها 110 دول وكيانات سياسية مستقلة منذ عام 1521، وكانت المعاهدات السرية تمثل الأداة المركزية لما يعرف بـ"دبلوماسية ميزان القوى" في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بيد أنها نادرة في العصر الحالي، ومن أبرزها اتفاقية سايكس بيكو لتقاسم إرث الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

وفيما يتعلق بالبنود السرية في الاتفاق السعودي الإيراني، فمن المؤكد أنها تتعلق بتقاسم النفوذ في المنطقة وترتيب أوضاع حلفاء الدولتين في البلدان التي تشهد صراعات طائفية، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومن المستبعد أن تكون ثمة بنود خاصة بالدولتين أو لا تتسبب بالضرر لحلفائهما، لسبب بسيط وهو أن السعودية وإيران لا توجد حدود برية مشتركة بينهما ولا يوجد خلاف حدودي بحري ولا توجد ثروات حدودية محل نزاع بينهما لنفترض أنه تم تسويتها سريا حتى لا تثير حفيظة أي شعب من شعبيهما سيشعر أنه المتضرر منها، ولذا فمن المؤكد أن البنود السرية تتعلق بكيفية تقاسم النفوذ في المنطقة والتنازلات التي سيقدمها كل طرف للطرف الآخر، وأيضا الكيفية التي ستدار بها بعض النزاعات لتصل إلى النتيجة المرسومة لها أو المتفق بشأنها.

- لماذا الحديث عن بنود سرية في الاتفاق؟

عندما تُعقد اتفاقية سرية بين طرفين، فإن أول شروط سريتها هو عدم الحديث عن توقيعهما اتفاقية سرية، ليس لأن ذلك سيثير الفضول والتكهنات بشأنها، ولكن لأن الأزمة المحورية بين طرفي الاتفاقية وتصرفاتهما بعد التوقيع عليها ستكون تحت المجهر، وسيتم تفسيرها جميعا بأنها تعكس تنفيذ بنود الاتفاقية السرية، حتى وإن خرجت تطورات الأحداث عن السيطرة أو تراجع الطرفان أو أحدهما عن تلك الاتفاقية.

ولا يُكشف عن المعاهدات والاتفاقيات السرية إلا إذا تغير نظام الحكم في أحد طرفي المعاهدة وكان النظام الجديد غير راض عنها، أو أن أحد طرفيها أخل بها، مما يدفع الطرف الآخر للكشف عنها، وأبرز مثال على ذلك أن اتفاقية سايكس بيكو، 1916، التي كانت سرا بين فرنسا والمملكة المتحدة، بمصادقة من روسيا وإيطاليا، لتقسيم إرث الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، كان أن كشف عنها البلاشفة في أعقاب الثورة البلشفية عندما رُفِضت مطالب الروس بأراضٍ من الدولة العثمانية، وكشفوا عن نصوصها كاملة في نوفمبر 1917، مما تسبب بالحرج الشديد للحلفاء، وانعدام الثقة بينهم وبين العرب، وحينها رفض الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون جميع الاتفاقيات السرية التي تم التوصل إليها بين الحلفاء.

وفيما يتعلق بالبنود السرية في الاتفاق السعودي الإيراني، كان يفترض ألا يكشف أي طرف عن وجود بنود سرية في الاتفاق، ووصفها بأنها الأهم، وكما هو واضح أن الحديث عن البنود السرية كان مصدره وسائل إعلام غربية نقلا عن مسؤولين سعوديين، وقد يثير ذلك استياء إيران، ولعل تلك التسريبات بشأن البنود السرية في الاتفاق تعكس عدم رضا قيادات في المملكة عن تلك البنود لخطورتها على السعودية وعلى حلفائها، وأما الإشارة إليها دون الخوض في تفاصيلها قد تكون وسيلة ضغط للتراجع عنها، وهذا يعني أنها على درجة عالية من الخطورة، لاسيما إذا كانت مرفوضة أمريكيا، لأن المخابرات الأمريكية ستسربها لوسائل الإعلام، وسيضر ذلك بقيادات السعودية وبعلاقاتها مع شعبها ومع حلفائها.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قد نقلت تصريحات لمسؤول سعودي، ونشرتها وسائل إعلام سعودية بينها قناة "العربية"، أكد فيها وجود بنود سرية "مهمة لا يمكن الإفصاح عنها" في الاتفاق الذي تم بين السعودية وإيران في بكين برعاية صينية. ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مصادر سعودية وأمريكية أن الاجتماعات التي جرت بين الجانبين السعودي والإيراني في بكين استمرت 5 أيام، وتناولت 3 نقاط رئيسية وبنودا سرية، فضلا عن تضمنها موافقة إيرانية على وقف شحنات الأسلحة السرية إلى مليشيا الحوثيين، لدفعها للقبول بحل ينهي الحرب في اليمن.

- هل ملف اليمن ضمن البنود السرية؟

إذا كان الملف اليمني الاختبار الأصعب للاتفاق السعودي الإيراني، فمن المتوقع أن ذلك الملف يعد المحور الأهم في البنود السرية للاتفاق، والقضية الخلافية بين السعودية وإيران بشأن اليمن تكمن في النفوذ والسيطرة على الأرض والثروات وترتيب وضع الحلفاء لكل طرف، وفي المجمل فذلك يعني أن السعودية ستوافق على منح الحوثيين مكاسب إضافية، مثل السيطرة على ثروات النفط والغاز في مأرب، مقابل أن تمنع إيران المليشيات الموالية لها في العراق من تهديد السعودية أو شن هجمات على منشآتها النفطية، خصوصا أن المليشيات العراقية كانت قد هددت بنقل المعركة إلى "بلاد الحرمين"، وبدأت بشراء أراض بالقرب من الحدود العراقية السعودية.

والأمر الأخطر في التوافق السري بين السعودية وإيران، هو هندسة انفصال جنوب اليمن ليكون ساحة للنفوذ السعودي، وتمكين الحوثيين من حكم شمال اليمن، وتمكينهم من السيطرة على محافظة مأرب، مقابل موافقتهم على ترسيم اتفاقية حدودية جديدة مع السعودية تؤول بموجبها معظم أراضي محافظة الجوف للسعودية، لأن للسعودية أطماع قديمة بالسيطرة على محافظة الجوف، وبعد عملية "عاصفة الحزم" تقدمت القوات السعودية إلى داخل تلك المحافظة بذريعة حمايتها من مليشيا الحوثيين، والهدف احتلالها وضمها لأراضي المملكة، والحوثيون قد يوافقون على عرض مغري يمكنهم من حكم شمال البلاد، باعتبار ذلك أفضل من شن عملية عسكرية واسعة للقضاء عليهم.

ما سبق من توقعات فهي مبنية على المعطيات الحالية على الأرض، وقد تكون ثمة توافقات أكثر خطورة، والأيام كفيلة بكشف كل ما يحاك ضد اليمن واليمنيين، وقد تتوافق السعودية وإيران على تسوية سياسية في اليمن مبنية على محاصصات طائفية. ومهما كانت طريقة تقاسم النفوذ، سواء بإعادة تشطير البلاد أو المحاصصات الطائفية، ستكون عملية "عاصفة الحزم" قد جلبت إيران إلى اليمن، وإلى جنوب السعودية، بدلا من مزاعم قطع يدها في البلاد، ويبقى السؤال: ما موقف مختلف المكونات اليمنية من الاتفاقيات السرية بين السعودية وإيران لتقاسم النفوذ في اليمن وخطورة ذلك على مصير البلاد؟