تقارير

مليشيا الحوثيين.. بين التدليل وإمكانية الانتصار عليها

19/05/2022, 13:54:21
المصدر : قناة بلقيس - خاص - عبد السلام قائد

في الوقت الذي يتراجع فيه حلفاء إيران في لبنان والعراق، وفق نتائج الانتخابات الأخيرة في كلا البلدين، إلا أن ذراعها في اليمن، مليشيا الحوثيين، ما زالت تحافظ على المكاسب التي حققتها منذ العام 2015 وحتى اليوم، ليس بفضل قوتها وإنما نتيجة غياب الطرف الآخر، التحالف السعودي - الإماراتي والحكومة اليمنية الشرعية. وفي الوقت الذي يتعثر فيه مسار مفاوضات فيينا بشأن برنامج إيران النووي، وتراجع حظوظ التوصل إلى اتفاق بسبب انشغال الولايات المتحدة والقوى الأوروبية بالحرب الروسية على أوكرانيا، فإن السعودية تواصل فتح خطوط التواصل مع إيران من حين لآخر، وهي مجردة من أوراق القوة التي من شأنها أن تقوي موقفها التفاوضي في حوارها مع طهران.

ما سبق يمثل العنوان الرئيسي لفشل كلٍّ من السعودية والإمارات في إدارة الأزمة مع إيران وحلفائها، وخصوصا في اليمن، بل فالأمر لا يقف عند حدود الفشل، لأن هناك تنازلات مجانية تُقدم لإيران وحلفائها، وتُقابِل إيران وأدواتها تلك التنازلات بمزيد من الإجراءات العدوانية، كما هو ملاحظ بشأن تعاطي مليشيا الحوثيين مع الهدنة الأخيرة وتكرار خرقها، في حين عجز مجلس القيادة الرئاسي والتحالف عن اتخاذ الإجراءات المناسبة إزاء الخروقات الحوثية المتكررة للهدنة بدلا من مطالبة المجتمع الدولي بإدانة تلك الخروقات، كما عجز المجلس الرئاسي عن اتخاذ إجراءات تفضي إلى إجبار المليشيا على إنهاء الحصار على مدينة تعز، ومع ذلك، ما زالت الهدنة مستمرة من طرف واحد (الحكومة الشرعية)، في حين حولتها المليشيا الحوثية إلى فرصة لتجنيد مزيد من المقاتلين في صفوفها والدفع بهم إلى جبهات القتال.

- تدليل مبالغ فيه

تستند مليشيا الحوثيين في استمرار أعمالها العدوانية إلى التدليل الذي تحظى به ويتجاوز حدود المنطق من قِبَل مختلف الأطراف المحلية والأجنبية المناوئة لها، مما مكنها من حصد المكاسب تباعا وترسيخ سيطرتها على الأرض، ولعل آخر مكسب حققته هو اعتراف الحكومة الشرعية بجوازات السفر الصادرة عن سلطات المليشيا في صنعاء، تزامنا مع استئناف الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء بعد توقف دام ست سنوات، وفي المقابل رفضت مليشيا الحوثيين رفع الحصار الذي تفرضه على مدينة تعز منذ نحو سبع سنوات، رغم أن ذلك أحد بنود الهدنة التي بدأت في مطلع أبريل الماضي، وستنتهي في أواخر مايو الجاري، وهي هدنة مستمرة من طرف واحد (الحكومة الشرعية)، في حين واصلت المليشيا الحوثية الخروقات والأعمال العدائية في جبهات تعز والضالع ومأرب وغيرها، وراح ضحيتها عدد من المدنيين بينهم نساء وأطفال.

صحيح أن التدليل المبالغ فيه لمليشيا الحوثيين من قِبَل السعودية والإمارات أهدافه واضحة، وهي باختصار إيجاد المبررات لإطالة مدة الحرب وتمرير أجندتهما في البلاد، لكن مهما كان بقاء مليشيا الحوثيين سيترتب عليه مصالح فإنها لا يمكن أن ترقى إلى مستوى الخسائر والأخطار التي يشكلها بقاء تلك المليشيا تسيطر على مناطق الكثافة السكانية في البلاد، واستمرارها في حشد المزيد من المقاتلين، وتفخيخ الجيل الجديد بأفكار العنف والقتل والإرهاب والكراهية عبر تغيير مناهج التعليم وتطييفها، والاستمرار في تهريب السلاح، ولعل النتيجة الكارثية لإطالة مدة الحرب واضحة وهي: حشد وتدريب المزيد من المقاتلين في صفوف المليشيا، وتهريب المزيد من السلاح، ويجر ذلك إلى المزيد من العنف وسفك الدماء وتهديد أمن الإقليم وطريق التجارة الدولية عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

ويزيد من قتامة المستقبل أن إيران مستمرة في تقديم الدعم للمليشيات الطائفية الموالية لها في المنطقة، بما في ذلك اليمن، وهو دعم لا يثير قلق المجتمع الدولي الذي لا يضغط على إيران لإيقافه رغم خطورته على أمن الإقليم وأمن مصادر الطاقة، واختزل المجتمع الدولي أزمته مع إيران في برنامجها النووي، بينما تتخذ إيران من برنامجها النووي مظلة للتغطية على سياستها التخريبية في المنطقة وصرف أنظار المجتمع الدولي عنها.

وفيما يتعلق بالشأن اليمني، فقد تراجع الاهتمام الأمريكي بإنهاء الأزمة ولم يعد كما كان عليه خلال العام 2021، ما يعني عودة الإستراتيجية الأمريكية إلى ما كانت عليه في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي أهمل منطقة الشرق الأوسط وحوّل اهتمامات بلاده إلى شرق آسيا مع التركيز على السيطرة على المضائق والبحار، وسيزداد الاهتمام بتلك الإستراتيجية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتنامي قوة الصين عسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا.

وإذا كان المجتمع الدولي والتحالف السعودي - الإماراتي واطراف محلية أخرى تشترك في تدليل مليشيا الحوثيين وتحرص على استمرار بقائها لأجل مصالح خاصة لكل طرف، فعلى الأقل كان يجب تقليص مساحة سيطرة المليشيا إلى أضيق نطاق، ودحرها من بعض مناطق الكثافة السكانية لحرمانها من مخزون بشري تستغله في حشد وتدريب مزيد من المقاتلين في صفوفها، لكن ما يحدث هو توالي التنازلات منذ سنوات عدة، والتغاضي عن الكثير من الإجراءات والممارسات العدائية وجرائم الحرب التي تمارسها المليشيا، وتحويلها مناطق سيطرتها إلى سجن كبير للمواطنين ينتشر فيه الرعب والقلق والاضطراب الاجتماعي جراء ممارساتها القمعية مثل: تكميم الأفواه، والقبضة الأمنية الحديدية، والتجنيد الإجباري، والاستمرار في نهب أموال المواطنين والتجار والمزارعين بذريعة دعم المجهود الحربي.

ومن نماذج تدليل مليشيا الحوثيين: التباطؤ وعدم الجدية في تصنيفها منظمة إرهابية من قِبَل الدول الكبرى، واتخاذ إجراءات بحقها كالإجراءات التي تُتخذ بحق تنظيمات مشابهة مثل تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، والإيقاف الفوري لأي عملية عسكرية تتكبد فيها المليشيا خسائر كبيرة على الأرض، سواء عبر اتفاق، مثل اتفاق ستوكهولم، أو إيقاف المعركة من طرف واحد، وأيضا تركز معظم دعم المنظمات الأجنبية في مناطق سيطرة المليشيا، وهو دعم يقع في أيدي المليشيا فتنهبه وما تصرفه من جزء يسير منه فإنه لا يذهب إلى مستحقيه ولكن إلى أتباع المليشيا وأسر مقاتليها.

يضاف إلى ذلك الإبقاء على موارد وقطاعات هامة تحت سيطرة المليشيا لتجني منها أموالا طائلة تمكنها من تمويل حروبها وتحقيق الثراء الشخصي لقياداتها، فضلا عن المشاورات السرية التي تجريها معها السعودية من حين لآخر والتكتم عليها، والصبر على أذاها في حال شنت هجمات بواسطة صواريخ بالستية أو طائرات مسيرة على أراضي المملكة أو على أراضي حليفتها دولة الإمارات، رغم الأضرار الاقتصادية الناجمة عن ذلك، وأيضا الأضرار المتعلقة بالسمعة والمكانة الإقليمية والاستثمار الأجنبي وأمن المواطنين.

- مؤشرات النصر وتوقف المعارك

لو أن لدى مليشيا الحوثيين القدرات العسكرية والبشرية وغيرها لابتلاع كل اليمن فإنها ستفعل ذلك بلا تردد، لكنها لم تتمكن من تحقيق انتصار عسكري معمد بالدماء والتضحيات منذ بداية الحرب وحتى الآن، أما المحافظات التي تسيطر عليها حاليا فقد كانت السيطرة سلمية، أي أن تلك المحافظات تم تسليمها سلميا للمليشيا من دون قتال، كما أن المليشيا لم تستطع الصمود وتحقيق مكاسب أو تجنب خسائر في حال اندلعت ضدها معارك عنيفة وجدية، وأيضا ليس بإمكانها الصمود والدفاع عن المحافظات والمناطق التي ما زالت تسيطر عليها، في حال اندلعت ضدها عمليات عسكرية متزامنة في عدد من الجبهات، لكن اللافت هو أنه كلما بدأت تلوح بشائر النصر على المليشيا تتوقف المعارك فجأة، وأحيانا تنسحب بعض القوات الممولة خارجيا ليسيطر الحوثيون على المناطق التي كانت تحت سيطرتها.

إذن، لو أن تدليل مليشيا الحوثيين المبالغ فيه من قِبَل خصومها، أو لنقل عدم الجدية في إنهاء الانقلاب، نابع من موقف ضعف، لكن الأمر مبررا، غير أن الحقيقة عكس ذلك تماما، فبرغم القوة الظاهرية التي تبدو عليها المليشيا الحوثية، إلا أنها تظل قوة محدودة، قياسا بالقدرات التسليحية الهائلة للسعودية والإمارات، باعتبارهما من بين أكثر دول العالم إنفاقا على التسليح خلال الأعوام الأخيرة، في حين يقتصر تسليح مليشيا الحوثيين على ما بقي من مخازن سلاح كانت تتبع الألوية العسكرية الموالية للرئيس الأسبق علي صالح، بالإضافة إلى الأسلحة المهربة من إيران، وهي أسلحة تمكن المليشيا من القدرة على الإيذاء ولا تمنحها القدرة على تحقيق نصر نهائي لصالحها.

ومهما يكن، فمسار العمليات العسكرية، منذ بداية الحرب، ينبئ عن واقع مشوه وأجندة للتحالف لا الوضع الحالي يساعد على تمريرها وتثبيتها ولا وضع ما بعد الحرب بأي صيغة كانت سيوفر بيئة ملائمة لتمريرها، ذلك أن تعقيدات الواقع اليمني، سلما أو حربا، ستظل تحاصر التحالف أو أي فاعل أجنبي يحاول الحصول على مصالح بالقوة، ولن توفر له البيئة المناسبة لتمرير أجندته. وإذا أقدم أي طرف أجنبي على محاولة فرض أمر واقع في البلاد، فإن ذلك سيثير حفيظة المواطنين اليمنيين، وربما يتسبب باندلاع اضطرابات أو اندلاع ثورة شعبية ضده.

كما أن الإبقاء على الأوضاع المضطربة السائدة لمدة زمنية طويلة سينعكس سلبا على أمن الإقليم أيضا، أي أن كل مبررات وخيارات إطالة مدة الحرب ستظل نتائجها السلبية قائمة كنتيجة طبيعية للعبث في مثل هكذا ملفات أمنية حساسة، وتزداد الخطورة بسبب الامتدادات الإقليمية للصراع، وتعدد الفاعلين المحليين والأجانب وتعدد أجندتهم أو أهدافهم، ولا يوجد أي حل بديل للتعاطي مع الأزمة سوى إنهاء الانقلاب الحوثي تحت سطوة القوة، أو جعل المليشيا تهرول بحثا عن الحل السياسي تحت سطوة القوة أيضا.

تقارير

مخيمات النزوح في مأرب.. إهمال حكومي وكوارث متكررة

يعيش ملايين النازحين في محافظة مأرب ظروفا إنسانية كارثية تتفاقم مع مرور الوقت، وتهدد حياتهم بشكل مباشر، ومن أوجه المعاناة أن العديد من الأسر النازحة تضطر إلى العيش في خيام متلاصقة، مما يشكّل بيئة خصبة لانتشار الحرائق والأوبئة.

تقارير

ما مستقبل الأزمة اليمنية بعد 10 أعوام من محاولة جلب الحل السياسي الشامل؟

الأمم المتحدة، وعبر مبعوثيها المرسلين إلى اليمن، لم تستطع، حتى الآن، إيجاد خريطة طريق للحل، ووقف إطلاق النار، وجعل مسار المفاوضات ممكنا، وسط تقارير تشير إلى تخاذلها وغض الطرف عن تصرفات مليشيا الحوثي العابثة منذ سنوات.

تقارير

" أهالي وأسر المختطفين في سجون الحوثي".. عِيد بأجواء حزينة

لحظات عِيدية كئيبة تمتزج بنوبات البكاء ومرارة التغييب، خالية من أي مظاهر احتفاء رمزيه بالمناسبة البهيجة، تقضيها أسر وأبناء وأقارب المعتقلين، حسرةً على أحبائهم الذين يقبعون في زنازين مليشيا الحوثي الكهنوتية دون وجه حق.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.