منوعات

انتصار.. صوت جريح يحاول التشبث بالحياة

08/11/2021, 16:53:17

 

-       بلقيس -  حسان محمد

خلف الابتسامة، والصوت العذب، وأغنيات الفرح والزغاريد، تخفي العشرينية "انتصار" حياة قاسية، وسنوات من مكابدة الوجع، وتجعل من صوتها في المناسبات الاجتماعية حاجزاً ودرعاً لمواجهة قسوة الزمن والخذلان.
فبعد حياة ريفية متواضعة في إحدى قرى محافظة 'ريمة"، مع أبويها وأخواتها الثلاث، تحوّلت حياتها إلى مأساة إنسانية منذ زواجها من أحد الأقارب الذين يعيشون في مدينة صنعاء.

لم تكن انتصار تعرف أن الحياة الزوجية السعيدة، التي تحلم بها، ستتلاشى كالسراب، عند اكتشاف أن شريك حياتها يعاني من حالة نفسية، وسيحيل أيامها إلى سواد دائم، وتجد نفسها وأولادها عالقين في ليل ليس له نهاية.
عاشت انتصار بعد الزواج ما يقارب عامين في منزل والدها بريف "ريمة"، لكن المشاكل بين الزوج والأب وصلت إلى مرحلة اضطرتها إلى السفر إلى صنعاء، لتبدأ حياة جديدة في منزل متواضع لخال زوجها.

 وبعيداً عن التفكير بالاستقلالية، وجدت انتصار نفسها تعيش مع أسرة تعاني ظروفا معيشية ليست أفضل حالاً منها بكثير، الشيء الذي جعلها تشعر بأنها أضافت عبئا ثقيلا للمنزل.
تقول انتصار، في حديثها لـ"بلقيس": "أشعر بالخجل عندما أتناول الطعام بمنزل الخال، وأقاسم الأسرة لقمتها، خاصة أني أعرف ظروفهم، وقد حاولت كثيرا البحث عن عمل لمساعدة الأسرة، لكنّي لم أفلح".

طوق النّجاة

انتصار، التي توقّفت عن الدراسة في الصف الرابع الابتدائي، لا تمتلك أي مؤهلات سوى صوت جميل وموهبة إنشاد، بدأت تظهر منذ طفولتها، فشاركت بالغناء في مناسبات القرية بمقابل رمزي، وامتدح الناس صوتها.
مع سفرها إلى صنعاء مثّل صوتها بارقة أمل، وطوق نجاة من حياة الفقر والحاجة، وشرعت تبحث عن وسيلة توصلها إلى النّاس، فالتحقت بدورة إنشادية في المساحة الآمنة التابعة لاتحاد نساء اليمن في صنعاء، لتطوير نفسها، والحصول على أدوات الموسيقى.

وسعت انتصار جاهدة للتعريف بنفسها، لكنّها تخطو ببطء نحو الشُّهرة، لأنها لا تمتلك الدعم، وأساليب الترويج، وعادة ما تشارك في إحياء مناسبات بمبالغ زهيدة لا تتجاوز العشرة آلاف ريال.
 تفضّل انتصار المقابل البسيط عن إنشادها ما يقارب ست ساعات، بدلاً من أن تبقى بلا عمل، تقول: "أخشى أن أطلب مبلغا أكبر فيتوقّف الناس عن استدعائي في مناسباتهم".

اعتداء جسدي متكرر

الحياة مع زوج يعاني من حالة نفسية ليست بالأمر السَّهل، وعندما يدخل المنزل يخيِّم على المكان الخوف والرُّعب، ويُطبق الصمت على الجميع، لكنّه لا يهدأ، ويقوم بضربها وطفليها اللذين تتراوح أعمارهما ما بين السنة والثلاث سنوات، بحسب ما تؤكده انتصار.

تقول انتصار: "يغيب زوجي كثيراً خارج المنزل، لكنه عندما يعود يقوم بالاعتداء الجسدي على الأطفال والصراخ، وأقف صامتة أمامه لا أستطيع ردعه، حتى لا أثير غضبه، ويضربهم أكثر، وأحس بخوف على أطفالي أكثر من خوفي على نفسي".
وتضيف بصوت منكسر: "الخوف على الأطفال، ومصيرهم المجهول، جعلني استبعد فكرة طلب الطلاق، وأقرر العيش بجانب أولادي مهما كلَّفني من ثمَن، على الرُّغم من أنّي فكرت مرات عديدة بالانتحار، والهروب من هذا الواقع المُر".

التمسّك بالحلم

ترى انتصار أنها ما تزال في بداية الطريق، وعليها أن تبذل جهدا أكبر، وتبحث عن وسائل توصلها إلى الناس، لتحقق شهرتها، وتصنع اسمها، ولا تكتفي بالمشاركة بحفلتين أو ثلاث في الشهر، وبالمقابل الزهيد، كما هو حالها الآن.
وتتمنّى أن تحصل على فرصتها، وتثبت نفسها كي تستطيع إعالة أسرتها، ويكون لها منزل مستقل.

صعوبات كثيرة تقف حائلا بين انتصار، وتحقيق حلمها بالشُّهرة في مجال الإنشاد، وتجعلها تغيب عن حفلات دُعيت إليها، لا تتمثل في عدم وجود من يرعى الأطفال في غيابها، أو منع زوجها لها من الخروج أحياناً، وإنما تصل في بعض الأوقات إلى عدم قدرتها على دفع مواصلات الوصول إلى القاعة، إلا أنها لا تيأس، وتتمسّك دائما بحقها في الحلم، والعمل على الوصول إليه.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.