مقالات

أحمد قايد الصايدي كعالم ومفكر

05/05/2025, 10:26:17

الدكتور أحمد قايد الصايدي رجلٌ عصامي، بنى نفسَه بناءً مُحكَمًا ومتينًا. منذ الصبا رحل من قريته (البرحي)؛ إحدى قرى عزلة بيت الصايدي بمحافظة إب، التي تلقى فيها تعليمَه الأولي، ثم رحل عنها بداية العام 1954 إلى المستعمرة عدن، ودرس فيها تعليمه الأساسي، الابتدائي والإعدادي، وواصل تعليمَه الثانوي في مصر وسوريا بداية الستينيات.

يكاد أحمد الصايدي في تدوين سيرة حياته وبناءِ نفسه أن يكون نموذجًا للمدنيّة والصدق والتواضع. انتمى باكرًا لحزب البعث، وهو لا يزال طالبًا بمصر تحت تأثير الصداقة، ولم يكن اختيارًا منه أو ثمرةَ دراسةٍ ومعرفة كما يقول. وحقيقةَ الأمر، فإنَّ الانتماءات السياسية في اليمن كانت القرية والجهة والصداقة تلعب الدور الأساسي فيها.

والصايدي - لصراحته ودأبه في الصدق - يُدوِّن أنه حصل على منحتِه الدراسية إلى مصر عن طريق أستاذه علي أحمد ناصر السلامي (أحد مؤسسي فرع حركة القوميين العرب في اليمن)، وتحت تأثير الصداقات - كما ذكرت - كان انتماؤه للبعث، هو وزملاؤه الذين حصلوا على منحهم الدراسية عن طريق الأستاذ السلامي نفسه.

كان نشاط البعث في خمسينيات وستينيات القرن الماضي قويًّا بين الطلاب اليمنيين في مصر. وبسبب سوء ممارسات المخابرات المصرية التي لا يتحدث عنها الصايدي؛ رحل إلى سوريا، وأكمل فيها المرحلة الثانوية والكلية العسكرية، وعمل في الميدان العسكري.

عاد في العام 1966 ليُشكِّل إلى جانب رفاقه في البعث طلائعَ حرب التحرير الشعبية، وأسهم في الكفاح المسلح. ورغم الحرص على عدم الاقتراب من الصراع الدامي بين الجبهتين: القومية والتحرير، إلا أن منظمة البعث دفعت ثمنًا باهظًا لموقفها الرافض لذلك الصراع.

في العام 1972، كُلِّف بإعادة ترتيب أوضاع منظمة البعث في شمال اليمن، مع استمرار دراسته الفلسفية والاجتماعية في دمشق. كان الأول في صنعاء خلال فترة إعادة ترتيب أوضاع المنظمة عام 1972، والثاني في عدن إلى جانب الأستاذ أنيس حسن يحيى (المسؤول الأول في المنظمة).

يتحاشى الدكتور الصايدي كثيرًا الحديث عن نفسه، وقد انغمس حتى أذنيه في العمل الحزبي والعسكري، لكن التعلم والتعليم ظلا الهمَّ الأساس بالنسبة له.

شيئًا فشيئًا بدأ الابتعاد عن النشاط الحزبي، خصوصًا بعد المؤتمر العاشر الاستثنائي في سوريا عام 1970 الذي حضره كممثل لمنظمة جنوب اليمن، ونجا من الاعتقال بأعجوبة، كما نجا علي عقيل (عضو القيادة القومية)، ويحيى الشامي ممثل منظمة شمال اليمن.

رأى الصايدي بنور البصر والبصيرة المآل البائس لتجربةٍ رائدة، واقتتال الرفاق على السلطة، وصراعات الأحزاب في اليمن وخلافاتها، كما قرأ باكرًا النزعة الشمولية في دعوة الجبهة القومية لـ«وحدة أداة الثورة اليمنية»؛ فابتعد عن الحزب دون ضجيج أو إساءة، وحافظ على علاقاته الشخصية مع رفاقه، وظل حتى يومنا هذا يقدِّم الآراء والدراسات والإسهام العملي والفكري، الذي يرى فيه إسهامًا في تطوير الأداء السياسي والتنظيمي للعمل الحزبي، وكأنه في قلب هذا العمل أو واحد من قياداته.

للدكتور الصايدي قراءتُه المائزة الدقيقة والعلمية للثورة اليمنية (سبتمبر، وأكتوبر)، وللثورة العربية الناضجة. فكتابه «حركة المعارضة اليمنية» من أهم الدراسات التاريخية لجذور المعارضة اليمنية؛ درس فيه الباحث الأكاديمي مسار الحركة الوطنية في عهد الإمام يحيى بن محمد حميد الدين من عام 1904 إلى عام 1948. وظل الكتاب مرجعًا لكل الباحثين والدارسين بعد صدوره.

كان له رؤيتُه الصائبة لدخول أنصار الله إلى صنعاء، وقدَّم رؤية من خلال المناقشات التي دارت في اللجنة الشعبية للتقريب بين المكونات السياسية، برئاسة الدكتور عبد العزيز المقالح، التي شهدت لقاءات ونقاشات متواصلة مع كل المكونات السياسية، وأفضت إلى وضع وثيقةٍ تاريخية وقَّع عليها كل ممثلي الأحزاب السياسية.

أسَّس الدكتور إلى جانب مجموعةٍ من المناضلين المدنيين والعسكريين «التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية»، وكان على رأس التأسيس لجماعة «نداء السلام» التي تعرضت دعوتها للسلام للتشكيك والاتهامات.

درس العلاقات اليمنية - الألمانية اعتمادًا على وثائق الأرشيف السياسي الألماني التي استخدم منها في كتابه 412 وثيقة. كما درس بعمقٍ رحلة نيبور، من النواحي التاريخية والسياسية والاجتماعية، مركزًا في دراسته على المادة التاريخية التي وردت في سياق وصف نيبور لتفاصيل الرحلة في مجلداته التي نشرها في سبعينيات القرن الثامن عشر، والتي من شأنها أن تفيد المؤرخين والباحثين في تدوين تاريخ تلك الفترة.

إسهاماته في الترجمة والبحث والتحقيق وافرة. وتتسم قراءتُه بالرصانة والدقة والأمانة التاريخية، وهو يدرس الوقائع والمصطلحات دراسةً علميةً بعيدةً عن الدوغمائية والاستعارة والإسقاط.

قليلون أولئك المفكرون والقادة والسياسيون الذين يتمتعون بموهبة الجمع بين العلم والعمل، والدكتور أحمد قايد الصايدي واحدٌ منهم. فهو مؤرخٌ، وواحد من أبرز المؤرخين العرب، والعلماء الأكاديميين الرفيعين.

له باعٌ طويل في التأسيس للعمل الحزبي، وفي التنظير السياسي، وفي الكفاح المسلح، وفي التأسيس للبحث العلمي كعميد ومؤسس لعمادة الدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة صنعاء، ومستشار لجامعتي صنعاء وعدن، وتبوأ مواقعَ مهمة في اتحاد المؤرخين العرب، وعميدًا علميًّا لمعهد التاريخ العربي للدراسات العليا التابع للاتحاد.

الدكتور أحمد متعدد المواهب والقدرات، وفي صدارة التأسيس للعمل الحزبي: القومي، واليساري. وهو واسع الاطلاع والمعرفة والثقافة، مسكونٌ بالهم الوطني والقومي، مع جانب عظيم من النزاهة، ونقاء الضمير، وطهارة القلب، وذكاء العقل، والاتزان، والاعتدال في الحكم على الأشياء.

وهو، بالإضافة إلى ذلك، ناقدٌ عميقٌ ومتبصِّرٌ في قراءة الواقع، وشاعرٌ مهمٌّ رفيع المستوى، يكتب القصيدة العمودية كواحدٍ من الشعراء العرب واليمنيين الكبار.

لن أطيل فأحرم القارئ متعة الاستمتاع بإجابات العالم الجليل، مع هذا النزر اليسير من عطائه العلمي والكفاح القومي.

مقالات

صوت أمل.. لا يُطفئه الزمن

تختزل الفنانة أمل كعدل الفكرة الأعمق حول الفن بكلمات بسيطة وتلقائية. لا تترك لك شيئاً لتقوله ، أكثر مما لمسته بخفة أنيقة، وكأنها تلخص جوهر الفن وفكرته الرفيعة:

مقالات

مجلس القيادة الرئاسي والأسئلة التاريخية (3/2)

السبب الثالث: نستطيع القول إنه إذا كان مجلس القيادة الرئاسي قد تشكل من أغلبية أعضاء كانوا يقفون في الواقع على رأس تشكيلات عسكرية في المناطق المحسوبة على الشرعية، ضف إلى ذلك أنه احتوى مجلس القيادة على عضوية طارق وعيدروس، اللذين كانا يمارسان فعلهما السياسي والعسكري خارج سلطة الرئيس هادي، ثم أصبحا - على إثر مؤتمر الرياض - عضوين في مجلس القيادة الرئاسي، الذي أصبح رأس سلطة الشرعية المعترف بها دوليًا.

مقالات

حقوق المرأة في الولاية بين قادة السلف وبناتهم

في المطلب الثاني: انتهاكات وإهانة الأمم المتحدة للمرأة، يتناول الدكتور بعض قرارات الأمم المتحدة، ويعتبرها انتهاكًا لأعراض النساء في العالم، وجنايةً على البشرية من فرض الزنا والفاحشة، وانتهاك السيادة الوطنية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.