مقالات

"القضية التهامية عبر التاريخ"

15/06/2022, 17:04:36
المصدر : خاص

على مدى عقود متتالية، تتعامل الحكومات المتعاقبة مع مدينة الحديدة باعتبارها ورقة مضمونة في جيب الولاء والتبعيّة، ومخزنا اقتصاديا وبشريا كبيرا، تدلو منه الأنظمة السياسية كل شيءٍ ثم تتصدّق عليه بالفتات. 

تاريخيًا، كانت قبائل الزرانيق في تهامة من أوائل القبائل اليمنية التي أعلنت رفضها لحكم الإمامة، الذي كان ينظر إلى تهامة بعين الدونية والطبقية، حيث أشعلت ضده انتفاضات تحررية مسلحة استمرت لأعوامٍ قبل أن ينتفض الجمهوريون في ثورة سبتمبر 62 ويسقط حكم الإمامة.

تنفست تهامة الصعداء، وتأملت في الجمهورية خيرا، لكنها الطبقية والعقائدية للأنظمة السياسية المتسلقة على ظهر الثوار وأحلامهم قد ركبت على رداء النظام الجمهوري اليمني مذ وهلة ولادته الأولى، فكانت جمهورية عرجاء من الميلاد وحتى اليوم. 

تهامة المرمية على رفوف النسان والإهمال، رئةٌ تمد البلد بهواء العالم الخارجي، فيجازيها بدخان الحرمان والتسلّط، واحدة من أهم المناطق التي تدر دخلاً كبيراً على اليمن، بحكم موقعها الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر غرب البلد، وفيها ميناء الحديدة ثاني أكبر الموانئ اليمنية بعد ميناء عدن، الذي تعاظم دوره بشكل كبير مع الحرب الأخيرة التي تسببت في تقسيم اليمن، حيث أصبح ميناء الحديدة المنفذ الوحيد للمناطق الشمالية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.

كما تعتبر مدينة الحديدة مخزوناً هائلاً يحتوي على ثروة سمكية وحيوانية كبيرة تغطي السوق اليمني والعربي أيضاً، بالإضافة إلى أنها تتمتع بخط بري دولي هام، يربط اليمن بالمملكة العربية السعودية قبل أن يتوقّف قبل سنوات جراء الحرب. 

ومن التناقضات العجيبة أن منطقة حيوية كتهامة تنعش البلد وتحافظ على بقائه واقفاً، يتم تهميشها بهذا الشكل المخجل. 

يعمل أبناء تهامة في مختلف الجوانب الحرفية، كتربية المواشي وصيد الأسماك والخياطة والزراعة وغيرها، ثم يتم إقصاؤهم من الوظائف الحكومية والإدارية بشكل غريب، ولأسباب ليس لها تفسير منطقي إلا أنها نظرة دونية وطبقية تُمارس على تهامة وأبنائها. 

والأشد سوءاً ومرارة من هذا كله أن الإقصاء للمواطن التهامي من توليه مشاغل، ومناصب إدارية في الدولة قد تجاوز حدوده حتى وصل إلى حرمانه من المناصب العليا في جغرافية تهامة نفسها، فمن حيث الوظائف والمناصب الإدارية في تهامة، تقوم الدولة بتعيين أشخاص من خارج تهامة لإدارتها، ليظل المواطن التهامي مهمشاً ومقصياً حتى في عقر منطقته، وتتشكّل بهذا المنطق واحدة من أفظع الممارسات الطبقية التي تظهر بشكل جلي للجميع. 

بعد اندلاع ثورة الحادي عشر من فبراير 2011 -التي أسقطت النظام السابق- اجتمعت كافة مكوّنات وفئات الشعب على طاولة واحدة، وهو ما ظهر للشعب باسم الحوار الوطني الشامل، تُقدِّم فيه كل فئة مظلوميتها ورؤيتها للحل وخيارها للعيش، وكانت القضية التهامية واحدة من القضايا الأكثر والأقوى حضوراً واهتماماً في الحوار، ليتمخّض هذا الأخير برؤية أقلمة اليمن إلى ستة أقاليم من بينها إقليم تهامة، وكل إقليم يتمتع بإدارة شبه ذاتية لموارده وثرواته.

توسّم أبناء تهامة في رؤية الأقاليم هذه خيراً، ورأوا فيها أداة توفّر لهم فرص عملٍ متساوية، وخطة مثلى لاستغلال جزء من ثروات الإقليم في صالح تهامة وأبنائها، والأهم من هذا وذاك أنها رؤية ستنفض من على صدورهم غبار التهميش والإقصاء الذي تجرعوه لعقودٍ متتالية. 

لم يعِش هذا الحلم طويلًا، فقد حالت الحرب -التي اندلعت بعد سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة في ديسمبر 2014- دون تحقيق الحلم، حرب وَأَدَتْ أحلام الجميع، وقضت على كل شيء، ليعود بعدها المواطن التهامي أكثر غرقا من ذي قبل، في وحل المعاناة والحرمان والتهميش. 

الآن وبعد مرور 7 سنوات منذ بدء الحرب؛ تعيش تهامة واحدة من أسوأ الأزمات والكوارث الإنسانية في العالم، وقد تم إعلان الحديدة -أكثر من مرة- على أنها محافظة منكوبة تستدعي الالتفات والمساعدات الإنسانية العاجلة، خاصة بعد الحرب التي شهدتها المحافظة عام 2017، والحصار المطبق الذي استمر لأكثر من أربع سنوات قبل أن تنسحب قوات الشرعية من أطراف المدينة في أواخر العام الماضي، ليستمر بذلك مشهد معاناة المواطن التهامي، التي تمتد بآثارها إلى كافة مناحي الحياة. 

ووفق ما بأيدينا من معطيات ومؤشرات حيّة، فإن أجل الانفراجة والخلاص لهذه الأزمة على ما يبدو ليس بقريب.

مقالات

وماذا بعد أيّها اليمن العنقاء!

لم تَعُدْ كلُّ الكتابات السياسية، والتحليلات، والتنبؤات، ونشرات الأخبار، والتقارير، وهلمَّ جرًّا، تعني شيئًا لليمن المتشظِّي، المفتَّت، والمقسَّم، والممزَّق بين ميليشيات باغية في كل زواياه، وجباله، وسواحله الممتدّة.

مقالات

"أسوأ من الموت بغارة جوية"

"الجائحة الحوثية باقية وتتمدد"، هذا ما صرَّح به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضمنيا حول وقف الغارات الجوية على مواقعهم مقابل عدم استهدافهم السفن في البحر الأحمر.

مقالات

عندما ترتجف المليشيا من فنان!

لا شيء يُرعب الطغاة كصوت الفن، ولا شيء يُعري القبح السلطوي كجمال النغمة الصادقة. الفن ليس ترفًا، ولا مجرد وسيلة للتسلية في حياة الشعوب. الفن، بمعناه الحقيقي، وعيٌ جمالي عميق، وحسٌّ تاريخي يتجلّى في أوضح صوره حين تُعزف الحقيقة في وجه الكذب. ينبثق كثورةٍ معنوية عندما تُغنّى الحرية في مسرح السلاسل. الفن، بمجمله، هو حين يُرتّل الوطن في زمن الملكية السلالية!

مقالات

أبو الروتي (33)

كانت غرفتي في سقف الفُرن تضم مكتبتي الصغيرة، وكان أجمل ما فيها راديو كروي الشكل لم أعد أذكر كيف حصلت عليه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.