مقالات
ماضٍ تذروه الرياح!
تغيرت معطيات الإعلام تمامًا خلال العقود القليلة الماضية.
نحن جيل التسعينيات في الدول النامية والمتخلفة، عشنا في طفولتنا عهداً كان فيه التلفزيون الأبيض والأسود والقناة الواحدة هما المصدر الأساسي للأخبار والمعلومات.
ومع ظهور الستلايت، شهدنا انفجارًا في عدد القنوات التي فتحت نافذة جديدة على العالم، لتأخذنا من واقع محدود إلى فضاء واسع. ثم جاء ما يمكن وصفه بالثورة الكبرى في الإعلام: الإنترنت.
أحدث الإنترنت، ومعه مواقع التواصل الاجتماعي، تحولًا جذريًا في مشهد الإعلام، حتى بات من الممكن لأي فرد أن يكون قناة إعلامية بحد ذاته.
انتقل الإعلام من النموذج المركزي الذي يعتمد على مؤسسات كبرى وميزانيات ضخمة إلى نموذج فردي يتمتع بالمرونة والانتشار الواسع.
اليوم، يستطيع أي شخص، عبر هاتف ذكي واتصال بالإنترنت، أن يبث فكرة أو حدثًا أو حتى يشكل رأيًا عامًا.
ورغم هذا التحول الهائل، ما زال العديد من الساسة وأصحاب المال والفكر، خصوصًا في الدول العربية الفقيرة، غير مدركين لأهمية الإعلام الجديد.
بعضهم لا يزال يرى أن افتتاح قناة تلفزيونية تقليدية هو الوسيلة المثلى لإيصال أفكاره، غير مدرك أن الزمن تجاوز هذا النموذج.
الجمهور اليوم لم يعد ينتظر البرامج الموقوتة أو النشرات الإخبارية المطولة، بل أصبح يبحث عن محتوى سريع، مخصص، وفي متناول يده.
المواقع الإلكترونية، وقنوات اليوتيوب، وصفحات التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر تأثيرًا، لا سيما مع التطور التكنولوجي الذي جعل الهواتف الذكية في متناول الجميع.
لم يعد الناس بحاجة إلى شاشة كبيرة أو جهاز استقبال معقد؛ كل ما يحتاجونه هو هاتف وجيب إنترنت.
لكن هذا التغير الكبير لم يأتِ دون ثمن. فقد أثّر بشكل واضح على حضور الصحفيين أصحاب الأقلام الرصينة، وأفسح المجال أمام ظهور إعلاميين ومشاهير بمهارات مختلفة، بعضها لا يمت للإعلام بصلة.
هذا عمّق الفجوة بين أجيال الإعلام المختلفة، لكنه في الوقت ذاته فتح الباب أمام من يتقنون مواكبة المستجدات ليظلوا حاضرين.
في النهاية، الذكي هو من يتكيف مع هذه التحولات، يجمع بين جوهر الإعلام التقليدي وأدوات الإعلام الجديد، ليبقى مؤثرًا في عالم متغير.
الإعلام القديم، وإن كان له فضل الريادة، أصبح ماضيًا تذروه الرياح، ليترك الساحة لمن يملك القدرة على الابتكار والتجديد.