مقالات

يبزون الحوثي ويبتزون الشرعية!

02/06/2025, 13:23:07

في تصريح له قبل أيام، أكد السفير البريطاني الأسبق لدى اليمن، إدموند فيتون براون، أن منظمات إنسانية دولية وأممية ساهمت في حرف موقف المجتمع الدولي من الأزمة اليمنية لصالح الحوثيين من خلال ممارسة ضغوط شجّعتهم على ابتزاز العالم.

براون، في مقالة له نشرها 'منتدى الشرق الأوسط'، كشف عن ملابسات وظروف اتفاق 'ستوكهولم'، الذي وصفه بـ"المشين"، وكيف أنه مثّل تراجعًا للموقف الغربي والدولي تجاه الحوثيين.

السفير البريطاني أشار إلى تأثيرات سيطرة الرؤية الإنسانية على السياسات الغربية تجاه اليمن، وكيف أنها مارست نفوذًا فاق أحيانًا تأثير وزارات الخارجية، ودفعت باتجاه الضغط لتقييد العمليات العسكرية ضد الحوثيين.

لم تكتفِ المنظمات الأممية بالعمل لصالح الحوثيين وتلميع صورتهم لدى مؤسسات صنع القرار الدولية، بل وفّرت لهم الدعم المادي واللوجستي تحت ذرائع واهية.

في مايو 2017، سلّمت الأمم المتحدة عبر برنامجها الإنمائي مليشيات الحوثي الإرهابية 20 سيارة رباعية الدفع بحُجة نزع الألغام في محافظة الحديدة.

وفي نوفمبر 2016، موّلت "اليونيسف" طباعة مناهج حوثية طائفية من خلال توفير 1000 طن من الأوراق بجانب الأحبار والنفقات التشغيلية.

ومؤخرًا، كشف رئيس مجلس القيادة الرئاسي في مقابلة تلفزيونية مع "روسيا اليوم" عن حالة التماهي والتواطؤ الغربي مع الحوثيين.

وأكد العليمي تعرّض الشرعية للابتزاز والتهديد بفرض عقوبات من قِبل الدول الغربية والمجتمع الدولي إذا لم يوقفوا تقدّم المقاومة التهامية وقوات العمالقة التي كانت على مشارف ميناء الحديدة.

وتحت ضغط التهديد الغربي، وقعت الشرعية اتفاقية 'ستوكهولم' المشؤومة مع الحوثيين في العام 2018م.

العليمي، في المقابلة، تطرّق إلى ابتزاز آخر من قِبل الحوثيين والتهديد بقصف مطار عدن وبقية المطارات والموانئ في المحافظات المحررة في حال لم يتم إرسال الطائرة الرابعة إلى مطار صنعاء.

وبالفعل، خضعت الشرعية للابتزاز، وأرسلت الطائرة الرابعة، ليتم بعد ذلك قصفها من قِبل المقاتلات الإسرائيلية وتدميرها بعد مرور أيام فقط على تدمير ثلاث طائرات مماثلة في المكان نفسه.

المؤسف في الأمر أن الشرعية باتت هي الحلقة الأضعف لدى المعنيين بالملف اليمني، سواء في التحالف العربي أو المجتمع الدولي.

بل إن ما تتعرّض له الشرعية اليوم من ابتزاز وضغوطات وتهديدات من قِبل الحلفاء أكثر بكثير مما تتلقاه من قِبل الأعداء.

الحليف القوي دائمًا يقويك ويظهرك قويًا، أما الحليف المتلكئ والمتردد، فهو وحده الذي ينال من قوتك وينتقص من هيبتك وسلطاتك، ويعرّضك للابتزاز والتهديد.

استطاع الحوثي أن يُحيّد بعض حلفاء الشرعية، ويُحجّم تواجدهم الفاعل، ويضعف من دورهم المؤثر الداعم لها.

وبصرف النظر عن دوافع ومبررات هذه المصارحة المتأخرة من قِبل العليمي، إلا أن توقيتها يعكس مدى ضعف وهشاشة الموقف الشرعي من المتغيّرات والتطورات الجارية على المشهد المحلي والدولي.

على أن توقيت الكشف عن هذا الابتزاز لا يصنع من العليمي بطلًا يستحق الإشادة، بقدر ما يقدِّمه وزملاءه كعاجزين وفاشلين ومثيرين للشفقة.

ما قاله العليمي، في تصريحه، لا يُعتبر مكاشفة بين الحاكم والشعب كما يراه البعض، وإنما يدل على حالة التكشف والتعرّي والانفضاح للمجلس الرئاسي.

على وقع السخط اليمني، خرج العليمي ليبرئ ساحته من هذا الإخفاق الكبير، ويخلي طرفه ويتبرأ من مسؤولية تعريض 4 طائرات للاستهداف والتدمير من قِبل العدو الحوثي/الإسرائيلي.

منطق ضعيف، ولغة ركيكة، وخطاب مهزوز، وتبرير غبي، وعذر أقبح من ذنب، لا يعكس هيبة الدولة، ولا حجم رجالاتها، ولا يُعبِّر عن قيمة الشرعية ورمزيتها.

لكل زمان دولة ورجال كما يقولون، غير أننا في زمان لا يبدو أن ثمة دولة تبقت فيه لليمنيين أو حتى رجالا.

مصادر قوة الشرعية، التي يمكنها أن تسند عليها ظهرها كثيرة، من أبرزها: وجود جيش وطني قوي، رغم محاولات إضعافه، وتمتلك حاضنة شعبية صلبة ومتماسكة، ومعها حلفاء أقوياء، وتحظى باعتراف إقليمي ودولي.

وفي المقابل، نقاط ضعف الحوثي كثيرة، فهو مصنّف ك'جماعة إرهابية'، لا حاضنة شعبية حقيقية لديه، سلطاته غير معترف بها دوليًا، حلفاؤه في وضع سيّئ لا يُحسدون عليه.

فما الذي حدث حتى يصبح الحوثي في موقف القوي الذي يهدد ويبتز ويمارس الضغوط ويعقد الاتفاقيات؟

لا شك أن ثمة مساعيَ ومحاولات غربية لشرعنة الحوثي والاعتراف به كسلطة أمر واقع بعد أن عملت عبر منظماتها المشبوهة، طيلة السنوات الماضية، على بزّايته وتغذيته وتسمينه.

إن غض الطرف عن الحوثي، والسماح له بتهريب السلاح وتطوير القدرات، طيلة السنوات الماضية، نتيجة حسابات خاطئة، دفع الجميع ثمنه ولا زالوا يدفعونه غاليًا.

يستخدم الحوثي الابتزاز كسلاح لتركيع اليمنيين ومساومتهم بحياتهم وأعراضهم وأموالهم، وهو سلوك حقير ودنيء يوظّفه بشكل دائم.

لم يترك مجالًا إلا وابتز اليمنيين وساومهم عليه، وهددهم بتدميره وتخريبه إن عجز عن السيطرة عليه ومصادرته بالقوّة.

أمام الحكومة الشرعية الكثير من الأعمال للقيام بها تجنبًا لاستمرار الابتزاز الحوثي، ويأتي في مقدّمة ذلك إعادة صياغة التحالفات السابقة، والبحث عن تحالفات جديدة من شأنها تقوية موقفها وإضعاف الموقف الحوثي.

وتُعتبر الزيارة الأخيرة لموسكو من قِبل الرئيس العليمي خطوة مهمّة في سبيل تحريك الملف اليمني، وإعادة تصديره وفق المتغيّرات في المنطقة.

كما أن على قيادة المجلس الرئاسي الانفتاح أكثر على بقية الدِّول المؤثرة والمعنية بالملف اليمني، والعمل على فتح قنوات تواصل لإعادة العلاقات الدبلوماسية في إطار من الندية والاحترام المتبادل، وبما يُساهم في التخلّص من الانقلاب الحوثي.

وقبل كل ذلك، عليها أن تتخلّص من الوصاية المفروضة على القضية اليمنية، وتعمل على استعادة وتحرير الملف اليمني من حقائب الدبلوماسية المجاورة، وتحمل همّ قضيتها بنفسها، فالنائحة الثكلى ليست كالمستأجرة، وما حك جلدك مثل ظفرك.

مقالات

عن الرئيس ونائبه وتصوراتهم الدولية

تعطي متابعة خطاب رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، وعضو المجلس الأقوى منه، عيدروس الزبيدي، الانطباع بأننا أمام مبعوثين أو ممثلين وسفراء إقليميين ودوليين، تتركز أولوياتهم على الاهتمامات ذات الأبعاد الجيوسياسية التي تمس المصالح الدولية. وغالبًا لا يعرف المبعوثون والممثلون والخبراء الدوليون عن بلدنا سوى البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وخليج عدن، وقربه من المملكة العربية السعودية (أحد أهم مراكز الطاقة العالمية)، بينما يجهلون إلى حدٍّ كبير طبيعة الصراعات المحلية المعقدة والمتداخلة، وصراع اليمنيين مع الإمامة، والبنية السياسية والاجتماعية للقوى والمكونات المحلية. ومن امتلك منهم معرفة محدودة بقضايانا وصراعاتنا ومآسينا، فإنه لا يتفاعل معها ولا يشعر بها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.