عربي ودولي

العرب لم يقرروا بعد إعادة الأسد إلى الجامعة العربية

01/05/2023, 19:14:12

لفترة طويلة، عومل الرئيس السوري، بشار الأسد باعتباره منبوذا دوليا بسبب وحشية نظامه، لكنه في الفترة الأخيرة يقوم بدور مختلف يتمثل في استضافة كبار الشخصيات العربية.

تشير سلسلة من الزيارات في الأشهر الأخيرة إلى أن عزلة الأسد الإقليمية، التي استمرت اثني عشر عاما، قد تقترب من نهايتها، مع القليل من التكاليف التي سيدفعها جراء الانتهاكات القاسية، التي ارتكبتها قواته أثناء سحق الانتفاضة التي خرجت ضد نظامه، وخوض الحرب الأهلية التي تلت ذلك.

يقول مسؤولون ومحللون في المنطقة إن الجدل يتحول من ما إذا كانت إعادة تأهيل الأسد أمرا معقولا على الإطلاق، إلى التنازلات التي سيطلبها من دمشق.

يقول جوزيف ضاهر، الخبير السوري في معهد الجامعة الأوروبية في إيطاليا، إن التطبيع مع الأسد يبدو حتميا بشكل متزايد ويضيف: "قد تكون هناك بعض الاختلافات بين الدول العربية، لكن هذه الاختلافات بدأت تتضاءل بشكل كبير، بينما تنامت مصلحة هذه الدول المشتركة في ترسيخ شكل من أشكال الاستقرار الاستبدادي الإقليمي".

تقود هذه المجموعة الإمارات والسعودية، اللتان التقى وزير خارجيتهما الأسد في دمشق في أبريل/نيسان، في أول زيارة علنية لمسؤول سعودي، منذ عام 2011، وجاءت هذه الزيارة بعد زيارة نظيره السوري إلى الرياض، لمناقشة "عودة سوريا إلى محيطها العربي ".

وفي الوقت نفسه، يشعر الأسد بالثقة، ففي اجتماع عقد مؤخرا لوزراء الخارجية، ناقشوا فيه إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، قال المسؤولون إنه لم يبد أي اهتمام بالتسوية، وقال مسؤول: "يريد السوريون الاستسلام التام". ويضيف "يمزح البعض حتى إنهم قد يطلبون اعتذارا".

لا تزال بعض الدول العربية مترددة، حيث احجمت قطر والكويت عن دعم الخطط التي تقودها السعودية لدعوة الأسد إلى قمة جامعة الدول العربية هذا الشهر، لكن كبار المسؤولين من العديد من الدول العربية، بما في ذلك السعودية والأردن والعراق ومصر، بدأوا العمل على القضايا التي يجب طرحها مع دمشق وقال أحد الدبلوماسيين إن مثل هذه المفاوضات ستختبر ما إذا كان الأسد "جادا أم لا" بشأن العودة إلى المجموعة الدبلوماسية العربية.

قطعت معظم الدول العربية علاقاتها مع الأسد في عام 2011 عندما بدأ قصف السوريين وتعذيبهم بالغاز كجزء من الجهود المبذولة لهزيمة التمرد الوليد الذي أدى إلى نزوح أكثر من 14 مليون شخص داخليا أو لجأوا إلى الخارج، ولكن تمسك الأسد بالسلطة بدعم عسكري من روسيا وإيران، واستعاد السيطرة في نهاية المطاف على معظم البلاد الممزقة، وسرعان ما تبع ذلك الضغط لإعادة إشراكه، بقيادة الإمارات، التي أعادت فتح سفارتها في دمشق في عام 2018، ثم البحرين.

يقول أندرو تابلر، وهو مسؤول أمريكي سابق وزميل أقدم في السياسة العربية في مركز أبحاث معهد واشنطن، إن الضغط من إدارة ترامب منع الآخرين من المتابعة.

في تلك المرحلة، استهلك التنافس بين إيران والسعودية المنطقة، لذلك لم تكن هناك شهية تذكر لإعادة خطوط الحوار مع الأسد.

دعمت دول الخليج منذ فترة طويلة جماعات المعارضة، وعارضت الوجود المتزايد لإيران في سوريا، لكن المواقف تجاه طهران قد تغيرت، مدفوعة جزئيا بما يقوله المسؤولون الإقليميون هو عدم وجود اتجاه واضح من الولايات المتحدة ورغبة الإمارات والمملكة في تهدئة التوترات مع إيران ووكلائها، ومهد هذا الطريق للانفراج الذي توسطت فيه الصين الشهر الماضي بين إيران والسعودية.

قال أحد كبار المسؤولين السعوديين إنه في حين أن إعادة إشراك سوريا لم تكن "شرطا" للصفقة للتصالح مع ايران إلا أنه "لأحدها تأثير على الآخر"، مضيفا: "لا أعتقد أننا كنا سنتواصل مع سوريا إذا لم نتواصل مع إيران".

حتى تركيا، وهي دعم رئيسي للمتمردين المناهضين للأسد، أظهرت علامات مؤقتة على أنها يمكن أن تغير موقفها.

في أعقاب زلزال فبراير الهائل الذي ضرب تركيا وسوريا، خففت الولايات المتحدة مؤقتا من قيود العقوبات لتسهيل تدفق المساعدات إلى سوريا، مما خلق لحظة للقادة العرب لاغتنامها، ما تسبب في دهشة المسؤولين الأمريكيين، كما قال تابلر.

على عكس عام 2018، لم يتم مواجهة التحركات الأخيرة بتراجع قوي من واشنطن.

يقول محمد علاء غانم، رئيس المجلس السوري الأمريكي، وهي مجموعة ضغط تعارض الأسد: "لم تكن سوريا أولوية قصوى لإدارة بايدن"، وأضاف غانم: "الولايات المتحدة انتقلت من لا يجب أن تجرؤ على التطبيع مع الأسد إلى إذا طبعت مع الأسد فتأكد من الحصول على شيء منه".

وأشار إلى التصريحات الأخيرة لمسؤول أمريكي كبير قال إنه بينما يجب "معاملة سوريا على أنها مارقة" ، إذا أرادت الدول العربية إعادة إشراك الأسد، فعليها "الحصول على شيء" مقابل ذلك.

في الواقع، حتى الرياض، التي قادت المبادرات الدبلوماسية الأخيرة لدمشق، لم تلتزم بعد بالتطبيع الكامل مع الأسد دون بعض التحرك من الجانب السوري.

وقال المسؤول السعودي الكبير: "فقط لأنك فتحت قناة للنقاش لا يعني ذلك انه يتم فتحه بالكامل، ولكن بدون هذا الانخراط.. لا يمكنك التفاوض بشأن ما تحتاجه".

وقال دبلوماسي عربي آخر: "إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يجب أن تكون نتيجة جهد".

بعد اجتماع الرياض لوزراء الخارجية، قال الدبلوماسي: "إن لجنة من مسؤولين رفيعي المستوى من السعودية والأردن ومصر والعراق اجتمعت للعمل على الخطوات التالية. وأضاف الدبلوماسي العربي: "لقد توصلنا إلى إجماع حول القضايا التي يجب التركيز عليها، بما في ذلك المخدرات والقضايا الإنسانية واللاجئين؛ هذه قضايا نريد من النظام أن ينجزها".

واكتسبت المبادرة زخما يوم الاثنين، عندما التقى وزراء خارجية تلك الدول في عمان لمناقشة تلك القضايا، وهذه المرة مع وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية: "إن الاجتماع يهدف إلى مناقشة مبادرة بلاده للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية".

بعد محادثات يوم الاثنين، قالت وزارة الخارجية الأردنية: "إن دمشق وافقت على العمل على خطوات لإنهاء تهريب المخدرات على الحدود مع الأردن والعراق، ومعالجة اللاجئين والمفقودين والنازحين داخلياً".

قد يكون من الصعب إحراز تقدم كبير ويقول خبراء إن الزعماء العرب لن يضغطوا على الأسد بشأن الانتهاكات في زمن الحرب لتجنب لفت الانتباه إلى سجلاتهم في حقوق الانسان، كما أن ملايين اللاجئين في الخارج، الذين يخشون أن يجبرهم التقارب مع الأسد على العودة إلى سوريا، هي أيضا مشكلة مستعصية حيثُ لا يزال الكثير خائفين من العودة.

لذا فقد تحول التركيز إلى الكبتاغون، وهو عقار الأمفيتامين الذي يسبب الإدمان بشكل كبير والذي أصبحت تجارته شريان الحياة الاقتصادي لدمشق، وقد تأثرت السعودية والإمارات والأردن بشدة بتهريب المخدرات عبر حدودها.

تقول كارولين روز، التي تركز في تجارة الكبتاغون: "لقد صعد الكبتاغون الآن إلى قمة جدول الأعمال في مناقشات التطبيع". وأضافت روز: "لقد استخدم النظام تجارة الكبتاغون كوسيلة ضغط، لكن من الغباء التفكير في أنهم سيوقفونها".

في غضون ذلك، ليس من الواضح ما الذي ستعنيه إعادة تأهيل الأسد للجيوب الخارجة عن سيطرة النظام، بما في ذلك الشمال الغربي، الذي يخضع إما لسيطرة المعارضة أو تركيا، والشمال الشرقي الذي تسيطر عليه القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.

تقول دارين خليفة، محللة شؤون سوريا في مجموعة الازمات: "إعادة العلاقات السياسية مع الأسد تترك الأسئلة الرئيسية دون معالجة"، مضيفة "لقد أثبتت دمشق مرارا وتكرارا أنها غير مستعدة للانخراط في حل سياسي، هذه ليست الطريقة التي يعمل بها الأسد".

المصدر: فايننشال تايمز البريطانية 

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.