تقارير

أحداث شبوة.. هندسة الانفصال بالدم والنار

11/08/2022, 07:13:05

ليست الاشتباكات والتوترات التي تشهدها محافظة شبوة هذه الأيام جديدة على المشهد السياسي والأمني في اليمن، خصوصا ما يتعلق منها بتدخل الإمارات عسكريا وشنها غارات بواسطة الطائرات المسيّرة على مواقع للقوات الحكومية لفرض توازن معمد بالدم والنار لترجيح كفة مليشيا المجلس الانتقالي وتمكينها من السيطرة على المحافظة في إطار مشروع تمزيق البلاد، فمثل تلك الاعتداءات على سيادة البلاد سبق أن تكررت خلال أحداث أغسطس 2019 في العاصمة المؤقتة عدن، وتكررت في أوقات وأماكن متفرقة لإيقاف تقدم الجيش الوطني نحو مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين، وتوصف بـ"الغارات الخاطئة".

وما تكشفه الأحداث الأخيرة في محافظة شبوة هو أن السعودية والإمارات ماضيتان في تقطيع أوصال اليمن وإشعال الحرائق فيه، ومحاولة فرض انفصال جنوب البلاد وهندسته بالدم والنار والتدخل العسكري في حال اقتضت الحاجة ذلك، وبالتالي فإن ما حدث ويحدث في محافظة شبوة مجرد نموذج سيتكرر حدوثه في مختلف محافظات جنوب اليمن بتخطيط من التحالف وتنفيذ أيدٍ محلية متواطئة، كما سبق أن حدث ذلك من قبل في العاصمة المؤقتة عدن خلال أحداث أغسطس 2019.

- شبوة ليست عدن

عندما سيطرت مليشيا المجلس الانتقالي على العاصمة المؤقتة عدن بإسناد من الطيران الحربي الإماراتي، في أغسطس 2019، فتح ذلك شهية "الانتقالي" للسيطرة على المحافظات الجنوبية ومحاولة قضمها الواحدة تلو الأخرى تمهيدا لإعلان الانفصال وفرض حكم مناطقي استبدادي، لكنه اصطدم بممانعة شعبية وتوازنات عسكرية وقبلية في المحافظات الجنوبية الأخرى لم تكن موجودة في مدينة عدن، ففي عدن يعيش مجتمع مدني مفكك بلا عصبيات صلبة ومغلقة، ولذلك فهو مجتمع هش غير قادر على فرض معادلات قوية رغم نفور أبناء المدينة ممن يسمونهم "عيال القرية"، ويقصدون بذلك مليشيا المجلس الانتقالي القادمة من مناطق في محافظتي الضالع ولحج.

أما محافظة شبوة، فحتى وإن سيطرت مليشيا المجلس الانتقالي على مركزها وبعض مديرياتها، فهي محكومة بتوازنات قبلية دقيقة ومغلقة تجعل من مسألة اختراقها والتأثير على نسيجها الاجتماعي وتطويعه للانقياد للمجلس الانتقالي ودولة الإمارات مهمة شاقة وعسيرة، وزاد من حساسية الأمر استدعاء ثارات الماضي القريب التي ما زالت ترسم الخطوط العامة للعلاقة بين الحكام والمحكومين في جنوب البلاد لاعتبارات مناطقية وقبلية، غرست بذورها صراعات الرفاق قبل الوحدة، ورسختها أحداث 13 يناير 1986 المشؤومة، ولعل ذلك هو ما جعل مطالب الانفصال تتراجع وتنزوي بعد أن لاحت أشباح الماضي القريب من فوهات بنادق مليشيا "الانتقالي" المدعومة إماراتيا وبمباركة سعودية غير معلنة.

وبالرغم من الدعم غير المحدود بالمال والسلاح الذي تتلقاه مليشيا المجلس الانتقالي وتشكيلات عسكرية أخرى موالية للإمارات، والتي قد تمكنها من السيطرة على أجزاء واسعة من محافظة شبوة بإسناد من الطيران الحربي الإماراتي، إلا أن تلك المحافظة ما زالت تفرض معادلات صعبة في الصراع الدائر بين القوى اليمنية الوطنية من جهة والتحالف السعودي - الإماراتي وأدواته ومليشياته من جهة أخرى، ومن المحتمل أن تشهد المحافظة مستقبلا دورات عنف دموية تعيد رسم المشهد من جديد وقد يتطاير شررها إلى محافظات أو مناطق مجاورة لها. 

وكانت محاولات محافظ شبوة الموالي للإمارات، عوض بن الوزير العولقي، لإعادة ترتيب البيت الداخلي في المحافظة قد تسببت بالتوتر واندلاع الاشتباكات مما أجبره على مغادرة مقر إقامته في مركز المحافظة، بينما قرارات المجلس الرئاسي بإقالة قيادات عسكرية وأمنية موالية للحكومة اليمنية وإحلال قيادات أخرى مكانها موالية للإمارات، ثم تدخل الطيران الحربي الإماراتي وشنه غارات على مواقع القوات الحكومية لترجيح كفة مليشيا المجلس الانتقالي، كل ذلك تسبب بغليان وسخط شعبي داخل المحافظة وفي عموم المحافظات اليمنية، ولا يُستبعد أن يصل ذلك الغليان إلى مرحلة الانفجار في حال استمرت وتيرة التعيينات والإقالات وإشعال الحرائق على ما هي عليه في شبوة وغيرها.

- عزلة شعبية للمجلس الرئاسي

قد تنجح إجراءات (قرارات) مجلس القيادة الرئاسي في إزاحة بعض القيادات الأمنية والعسكرية من مناصبها في محافظة شبوة، كمحاولة لترتيب البيت الداخلي في المحافظة من الأعلى، لكن ثمن ذلك أن المجلس الرئاسي جعل نفسه في موقف حرج أمام الجماهير، وأصبح يعاني من عزلة شعبية، وتلاحقه الاتهامات بالخيانة والتواطؤ مع مؤامرات الخارج لتقطيع أوصال البلاد وإشعال النار فيها، ومن المحتمل تفكك المجلس الرئاسي جراء تواطؤ بعض أعضائه مع مشاريع تمزيق البلاد، وربما تفكك حكومة المناصفة في مرحلة لاحقة، وبالتالي تدخل البلاد في متاهة جديدة، وليس مستبعدا أن تبدأ اللعبة بالخروج تدريجيا من أيدي السعودية والإمارات وأدواتهما في حال برزت "الشرعية الشعبية" كبديل عن "السلطة الشرعية" التي فككها التحالف وقضى عليها.  

لا شك أن حالة الانقسام وسيطرة مليشيا الحوثيين على مناطق الكثافة السكانية في البلاد حيّدت وأسكتت صوتا قويا سيكون له صخبه الهادر ضد مؤامرات تمزيق وتفكيك البلاد، لكن حالة الغليان الشعبي لن تظل تراوح مكانها إلى ما لا نهاية، وتحتاج فقط إلى طرف قوي ومنظم يشعل شراراتها ويقود وجهتها. وإذا كان المال السياسي القادم من وراء الحدود يغير قناعات الطبقة السياسية التي آلت إليها السلطة أو يجبرها على الصمت، لكن من الصعوبة التأثير على قناعات المواطنين والجنود الشرفاء ومواقفهم من خلال قرارات رئاسية أو من خلال "بيزينس سياسي" يذهب لصالح طبقة سياسية فاسدة.

- صب الزيت على النار

وإذا واصل مجلس القيادة الرئاسي إصدار قرارات لتغيير القيادات العسكرية والأمنية لصالح المجلس الانتقالي وخدمة مشاريع تفكيك البلاد، سواء في محافظة شبوة أو غيرها، فمن شأن ذلك صب الزيت على النار، ودفع البلاد نحو مزيد من الفوضى ونشوب حروب داخل حروب، وقد يتمرد الجنود على القادة، وتعود مرة أخرى ظاهرة تمرد الجنود التي برزت في أعقاب ثورة 11 فبراير 2011، أثناء الهيكلة الشكلية للجيش، وعندما برزت مطالب فئوية وما تسمى ثورات المؤسسات الحكومية، فكل السيناريوهات محتملة، وقد تحدث مفاجآت تعيد خلط الأوراق وتربك كل الحسابات، لأنه لكل فعل رد فعل، ولن تمضي الأمور دوما كما تريد الرياض وأبو ظبي والأطراف الطارئة على المشهد السياسي والعسكري.

الخلاصة، ما نستنتجه من أحداث شبوة أن الوضع الحالي في اليمن مهيأ لإشعال الحرائق والحروب على امتداد أنحاء البلاد كافة، وبإمكان التحالف السعودي - الإماراتي اختيار أي بقعة لإشعال المواجهات فيها، وهذا هو الخيار الرئيسي الذي يجر التحالف البلاد إليه، لكنه -أي التحالف- غير قادر على إخماد الحرائق إذا اشتعلت في مكان ما بقوة وتطايرت شظاياها إلى أماكن أخرى، لأن حالة الرفض والممانعة ضد المجلس الانتقالي وضد مؤامرات التحالف تشمل جميع محافظات البلاد شمالا وجنوبا، بما فيها محافظات تمثل العمق القبلي والمناطقي لمليشيا "الانتقالي"، وهو ما يجعل كل خيارات تمزيق البلاد مكلفة من دون تحقيق النتيجة المرجوة.

قناة بلقيس - عبد السلام قائد - خاص
تقارير

معادلة السلام والحرب.. عودة للمسار السياسي وخفض التصعيد في البحر

يشير الواقع إلى أن مليشيا الحوثي، التي عطلت مسار جهود الحلول الأممية، خلال السنوات الماضية، وفق تصريحات الحكومة المتكررة، لا تمانع الآن من الدخول في تسوية محدودة مع السعودية، تسد حاجتها المالية والاقتصادية، وتخفف من أزمتها الداخلية.

تقارير

صفقة سعودية حوثية.. ترتيبات متقدمة وتحذيرات من النتائج

تتسارع الخطى نحو وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الأممية، التي تحمل في مضمونها تفاهما وتقاربا حوثيا - سعوديا، لم يكن يتوقعه أحد، لا سيما إن استعدنا شريط الذكريات للعام الذي انطلقت فيه عاصفة الحزم، وتهديد الطرفين بالقضاء على الآخر، إذ تعهد الأول بإعادة الشرعية إلى صنعاء، فيما توعد الآخر بالحج ببندقيته في مكة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.