تقارير

الحوثيون يلعبون بالنار.. فمن الذي يحترق؟ (ترجمة خاصة)

28/11/2023, 16:02:41
المصدر : المصدر: ريسبونسيبل كرافت/ مايكل هورتون/ ترجمة: عبدالله قائد

مذ واقعة اختطاف سفينة الشحن "غالاكسي ليدر" في البحر الأحمر، الأسبوع الماضي، أفادت التقارير أن الحوثيين أطلقوا صواريخ باليستية سقطت على بُعد عشرة أميال بحرية من المدمِّرة الأمريكية "ميسون"، يوم الأحد.

وجاء إطلاق الصواريخ بعد تدخل المدمِّرة التابعة للبحرية الأمريكية في محاولة للحيلولة دون اختطاف سفينة أخرى، وهي ناقلة تُدعى "سنترال بارك"، في خليج عدن.

ونفى الحوثيون مسؤوليتهم عن عملية الاختطاف هذه، التي يبدو أن القراصنة الصوماليين هم من قاموا بتنفيذها.

كما يواصل الحوثيون، الذين يسيطرون على معظم شمال غرب اليمن، إطلاق صواريخ كروز وطائرات مسيَّرة مسلحة باتجاه إسرائيل.

هناك بضعة خيارات جيّدة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الحوثيين. إنها منظمة كبيرة شبه حكومية تطوّرت واختبرت مرارا وتكرارا خلال ما يقرب من عقدين من الحرب.

منذ عام 2014، عندما سيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء، قام الحوثيون بشكل منهجي بالتدقيق نحو عديد من أفضل المهندسين والفنيين والضباط اليمنيين من الجيش اليمني، وأجهزة المخابرات، ودمجوهم في تنظيمهم الخاص.

وقد حوّل هذا الدمج، إلى جانب المساعدة من إيران، الحوثيين من قوة حرب عصابات صلبة إلى جماعة متطورة عسكريا، حيث أصبحت الآن، على الأقل، على مستوى متدنٍ، لاعبا إقليميا مهما.

وتعرف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان شنتا تدخلا في اليمن في عام 2015، مدى إصرار الحوثيين وتصميمهم كعدو.

بعد التوغلات الحدودية المتكررة من قِبل الحوثيين، وكذلك الضربات الصاروخية والطائرات المسيَّرة على أراضيها، تحوّلت المملكة العربية السعودية من الحرب إلى المفاوضات.

وبدلا من الاستمرار في اتّباع سياسة على غرار النهج الأمريكي المتحرّك، عاد السعوديون إلى اتّباع السياسة الخارجية الحذِرة والمدروسة، التي خدمتهم بشكل جيِّد لعقود.

فمنذ أواخر عام 2022، انخرط السعوديون في محادثات أحادية الجانب مع الحوثيين، كجزء من جهود جيِّدة الإعداد لتهدئة التوترات ،وتحقيق الاستقرار في المناطق على طول الحدود السعودية - اليمنية، التي يزيد طولها عن 800 ميل.

وكانت هذه المحادثات، التي أتت بمساعدة الصين وإيران، تقترب من نهايتها قبل أن يعلن الحوثيون الحرب فعليا على إسرائيل.

والآن، تواجه الأعمال الاستفزازية، التي يقوم بها الحوثيون، خطر إخراج تلك المحادثات عن مسارها.

وأشارت الولايات المتحدة إلى أن إدارة بايدن تدرس إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية.

وكانت إدارة ترامب قد صنّفت الحوثيين سابقا كمنظمة إرهابية أجنبية في يناير 2021، وهو ما ألغته إدارة بايدن لاحقا.

وفي حين أن التصنيف له ما يبرره الآن أكثر مما كان عليه عندما فرض لأول مرّة، غير أنه لن يكون له تأثير يُذكر أو معدوم على الحوثيين أو قيادتهم.

لا يُغادر كبار أعضاء الحوثيين اليمن، وليس لديهم أصول أجنبية يمكن أن تخضع للمصادرة.

في الواقع، سيتم الاحتفاء بهذا التصنيف في صنعاء كإثبات على أن الحوثيين "ينتصرون". ومع ذلك، فإن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية سيؤثر سلبا على المنظمات غير الحكومية، التي تقدم المساعدات الإنسانية، التي يجب أن تتعامل مع الحوثيين.

الضربات العسكرية، التي هي -بلا شك- في مرحلة تخطيط متقدِّمة، هي خيار ضعيف بالقدر نفسه للتعامل مع الحوثيين.

لم تنجُ الجماعة المسلحة من مرور سنوات من الضربات، التي نفذتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، خلال تدخلهما في اليمن فحسب، بل ازدهرت عسكريا وسياسيا.

أثارت الغارات الجوية، التي تقودها السعودية والإمارات، غضبا شعبيا، وكانت بمثابة غراء أبقى جماعة الحوثيين بكاملها متماسكة.

وخلال هذه المدّة، صقلت الجماعة قدراتها على إخفاء الأسلحة والتسهيلات داخل متاهة الجبال والوديان الضيِّقة في شمال غرب اليمن، وداخل المناطق الحضرية المكتظة بالسكان.

وفي الوقت نفسه، استمروا في شن هجمات عبر الحدود بالرجال والطائرات المسيَّرة والصواريخ في عُمق الأراضي السعودية.

وعلى غرار فرض تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، سينظر الكثيرون داخل قيادة الحوثيين إلى الهجمات، التي تشنها الولايات المتحدة أو إسرائيل على أهداف في اليمن، على أنها انتصار.

هذا هو الحال بشكل خاص مع المتشددين الصاعدين. ومن المرجح أيضا أن تعزز الضربات الدعم للحوثيين بين اليمنيين.

إن الضربات العسكرية، التي من المرجّح أن تكون محدودة في طبيعتها، لن تفعل الكثير لإضعاف قدرة الحوثيين على تنفيذ ضربات في البحر الأحمر، أو في أي مكان آخر.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن مثل هذه الضربات الأمريكية أو الإسرائيلية، حتى لو كانت محدودة، من المرجّح أن تشعل دوامة تصعيدية يمكن أن تكون لها تداعيات إقليمية وحتى عالمية.

لدى الحوثيين القدرة على عرقلة الشحن في البحر الأحمر، على الأقل لفترات قصيرة. كما يمكنهم استهداف البنية التحتية الحيوية المنتجة للطاقة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومثل هذه الهجمات، حتى لو كانت ناجحة بشكل متواضع، من الممكن أن تحرك فعليا أسعار الطاقة العالمية.

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الحوثيين ما زالوا يسيطرون على الناقلة البديلة لصافر الراسية بالقرب من ميناء الحديدة على البحر الأحمر.

نجحت الأمم المتحدة في نقل أكثر من مليون برميل من النفط الخام المتحلل من الناقلة الصدئة إلى ناقلة جديدة، "موست اليمن"، في أغسطس من هذا العام.

لدى قيادة الحوثيين فهم مكتسب للحرب غير المتكافئة، وإذا ما حوصروا، فقد يلحقون الضرر بالناقلة، أو يفجرونها لإحداث فوضى في البحر الأحمر.

وفي حين تم اعتراض صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيَّرة، ينظر الكثير في اليمن والعالم الإسلامي الأوسع إلى الحوثيين على أنهم "يقاتلون" ضد العدوان الإسرائيلي المفتعل.

كما أظهرت الهجمات، بما في ذلك اختطاف سفينة "جالاكسي ليدر" التي يملكها جزئيا الملياردير الإسرائيلي، أبراهام أونغار، الامتداد العسكري للجماعة.

والأهم من ذلك بالنسبة للحوثيين، الهجمات على أهداف مرتبطة بإسرائيل عادت تماما بما كان مفترضا أن تعزز الدعم لهم بين العديد من اليمنيين.

قبل بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، كان الحوثيون يواجهون رياحا معاكسة فيما يتعلق بالدعم الداخلي.

بدأت البطالة، والنقص العميق في الفرص الاقتصادية، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، والقمع الوحشي للحوثيين للمعارضة، تتسبب بتآكل الدعم للجماعة، خاصة في أوساط بعض القبائل المهمة.

هذا لا يعني أن الحوثيين كانوا في خطر فقدان السيطرة على شمال غرب اليمن. لا، لم يكن الأمر كذلك، بل إن الشقوق كانت في طور التوسُّع.

غير أنه في الوقت الراهن، حتى أعداء الحوثيين القدامى يشيرون إلى دعمهم لهجماتهم ضد إسرائيل. التقى مؤخرا أعضاء بارزون في حزب الإصلاح، الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين، المتحالفة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، مع مسؤولين حوثيين في صنعاء.

وهذا أمر جدير بالملاحظة، بالنظر إلى أن الإصلاح يخوض قتالا فتاكا مع الحوثيين منذ عام 2015. إن الهجمات على الحوثيين، حتى لو كانت مبررة، فلن تؤدي إلا إلى تعزيز هذا الاتجاه، وتعزيز الدعم للجماعة، إلا أن هذا الدعم لن يدم طويلا.

فبسبب اختطاف الحوثيين سفينة "غالاكسي ليدر"، وتهديداتهم المستمرة، ارتفعت أسعار التأمين على السفن، التي تعبر البحر الأحمر، وخاصة على أي سفن ترسو في ميناء الحديدة، الذي يسيطر عليه الحوثيون.

هناك مؤشرات على أن بعض السفن، التي كان من المقرر أن ترسو في الحديدة، قد غيَّرت مسارها؛ نتيجة سلوك الحوثيين. إذا حدثت المزيد من الاستفزازات من قِبلهم، فمن الممكن أن يتم إغلاق الميناء، الذي يتدفق عبره معظم الغذاء في اليمن، أمام الشحن الدولي.

وهذا سيضع ضغطا هائلا على الشعب اليمني، الذي يعاني بالفعل من مستويات متزايدة من انعدام الأمن الغذائي.

لا توجد خيارات جيِّدة للتعامل مع الحوثيين، إلا أن الحقيقة البسيطة هي أنهم لن يذهبوا إلى أي مكان في أي وقت قريب، ولن يُهزموا بالوسائل العسكرية وحدها.

المملكة العربية السعودية، التي أعادت نصب نفسها كوسيط مفيد في عدد من الصراعات، بما في ذلك اليمن، هي في وضع أفضل لمحاولة تخفيف سلوك الحوثيين من خلال استمرار المفاوضات الصعبة.

يدرك المسؤولون السعوديون أن هناك معتدلين داخل قيادة الحوثيين لديهم اهتمام أكبر بالأعمال والتنمية أكثر من اهتمامهم بالحرب. حتى المتشددون الحوثيون لديهم الآن ثروات ومكاسب يريدون حمايتها ونقلها.

هناك أيضا تكنوقراط داخل جماعة الحوثيين يفهمون أن سيطرة الحوثيين على شمال غرب اليمن لا يمكن له أن يصمد بسهولة أمام التدهور الاقتصادي المستمر.

يراهن المسؤولون السعوديون على أن النهج، الذي يعزز المعتدلين من خلال جهود التنمية وإعادة الإعمار، سيكون أكثر نجاحا على المدى المتوسط والطويل من العودة إلى الحرب.

يزدهر الحوثيون بالحرب، لكن السلام يمثل تحديا أكبر بكثير بالنسبة لهم. ومع ذلك، فإن استفزازات الحوثيين المتصاعدة تستدعي ردا حركيا من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها. ومثل هكذا رد له ما يبرره، إلا أنه سيعطي الحوثيين، أو على الأقل المتشددين من بينهم، ما يريدونه بالضبط؛ وهي الحرب!

* مايكل هورتون هو زميل في مؤسسة جيمستاون ومؤسس مشارك لشركة البحر الأحمر للتحليلات الدولية (RSAI).

لقراءة المادة من موقعها الأصلي: ريسبونسيبل كرافت

تقارير

"قصر حبشوش".. أبرز مَعَالم الحيَّ اليهودي في صنعاء يتحوّل إلى خرابة

على مقربة من البوابة الشرقية لحيّ اليهود، تظل مظاهر الخراب شاهدةً على انهيار وزوال قصر المؤرخ اليهودي اليمني "حاييم" حبشوش، تاجر الذهب والفضة الشهير، الذي عاش في الفترة ما بين 1833 ـ 1899م، وباعتباره شخصية مثقفة ومقرباً من السلطة آنذاك.

تقارير

كيف عملت السعودية على تقديم اليمن بلا ثمن لإيران وأدواتها؟

منذ ليلة السابع من أبريل من العام 2022م، لم يعد المشهد السياسي اليمني واضح المعالم، بل تدرّج نحو اندثار الصَّف الوطني، وخفوت صوت السيادة اليمنية، وذلك عبر وثيقة صدرت في القصر الملكي السعودي، مُبطلة معها عمل الدستور اليمني، ومشكلة مجلس العَار -كما يسميه الشعب اليمني هذه الأيام.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.