تقارير

المهمشون في تعز.. ضحايا الحرب المنسيون

27/01/2021, 10:45:14
المصدر : قناة بلقيس - هشام سرحان

يتساقط المهمّشون في تعز كأوراق الخريف من غير أن يصدروا صوتاً، أو يثيروا تعاطفاً، أو يحركوا ساكناً، إنهم منسيون ولا صدى يتردد لأنينهم سوى في أكواخ مهترئة، ومثخنة بالبؤس، والشقاء والفقر المدقع، وتردي الأوضاع الإنسانية والمعيشية والصحية والتعليمية، والحرمان من الخدمات والمساعدات الإغاثية، والضمان الاجتماعي، والتعليم والتوظيف والتمثيل الحكومي.

تتفاقم مأساتهم كل يوم جراء الحرب، التي أخذوا نصيبهم من ويلاتها وعذاباتها، إذ سقط الكثيرون منهم قتلى وجرحى، وتعرضت مساكنهم للدمار، فنزحوا ومعهم أحزانهم على ما حل بهم. 

يشاركون في القتال وينخرطون في الجبهات  تحت مسمّيات قد تروق لبعضهم، لكنها تودي بهم إلى التهلكة، وحينها يدفنون بصمت، دون جنائز لائقة، أو مراسم دفن مشابهة لسواهم من  العسكريين. 

يلقى المدنيون حتوفهم في تجمعاتهم البدائية، وتمر مآتمهم دون مجالس عزاء، فمنازلهم لا تتسع سوى للنحيب، إذ يأنف الآخرون زيارتها، وتأدية واجب العزاء، كما أن فقرهم لا يمنحهم فرصة للعيش، وإحياء مآتمهم وأفراحهم. 

  يعانون النظرة المجتمعية الدونيّة، والتمييز حتى في أجور الأعمال، التي لا تُوكل إليهم إلا الشاقة منها، وأعمال النظافة، أو تلك التي يأنفها الآخرون، ك'الصرف الصحي' و'تنظيف المجاري'.

ويشكل المهمّشون نسبة 12% من إجمالي سكان اليمن، وبما يعادل ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، يتوزعون على عدد من المحافظات، بينهم 7% يقطنون في أكثر من 14 منطقة في ريف ومدينة تعز.

فاتورة الحرب المكلفة

خلّفت الحرب الدائرة في تعز، منذ العام 2015، أكثر من 18 قتيلاً و30 مصاباً مهمّشاً عسكرياً، فيما سقط أكثر من 30 قتيلاً و14 جريحاً مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال، فضلاً عن اعتقال شخص واحد من قبل مليشيا الحوثيين، حسب الناطق باسم المهمّشين في تعز، عبدالغني عقلان الصبري  (38 عاماً).

مؤخراً، سقط من الفئة المهمّشة في قرى 'الحيمة' 9 قتلى وجريحان، معظمهم نساء،  على يد مليشيا الحوثيين، التي تقود حملة عسكرية ضد المنطقة التابعة لمديرية 'التعزية'، شرقي تعز. 

وتوزّع قتلاهم وجرحاهم المدنيون على نحو: 

10 في المدينة السكنية بحي "البعرارة"، و3 في حي 'الضربة'، و2 في حي مستشفى 'الثورة' و2 في 'حذران' و1 في 'البيرين' مديرية 'المعافر'، و2 في 'باب موسي'، و5 في جبهتي 'الدفاع الجوي' و'صالة'، فضلاً عن 4 في حي 'المفتش' و1 في 'الحوبان'، كما يقول الصبري.

بالإضافة إلى تدمير تجمعين سكنيين في منطقة 'الضباب' و60 منزلا في 'الكدحة' و12 منزلا شعبيا في عدد من المناطق الأخرى، طبقاً للصبري، الذي يرى أن اهتمام الحكومة الشرعية والمنظمات الإنسانية بالمهمّشين ضعيف جداً، مرجعاً ذلك إلى تدنّي مستوى وعي أسر الضحايا بحقوقهم وعدم متابعتهم، ومطالبة الجهات الرسمية والمنظمات، إلى جانب نظرة الكوادر اليمنية العنصرية، وعدم اهتمامهم بهذه الشريحة.

إقصاء وتمييز 

لم تنفذ الحكومات المتعاقبة، منذ العام 2011، مخرجات 'الحوار الوطني' الخاصة بالمهمّشين، ولم تدعم اتحادهم الوطني، ولم تهتم بعمّال النظافة وأسر الضحايا، فضلاً عن تغييبهم عن التمثيل الحكومي، وعدم استيعاب 86 خريجا وخريجة من مختلف التخصصات في تعز بالوظيفة العامة.

ثمة تمييز وبؤس آخر تصنعه المنظمات الإغاثية، التي توزّع عليهم المواد التالفة، وهي معونات خارج احتياجهم الحقيقي، ولا تشمل الجميع، بل تركز على مجموعات معيّنة لغرض التوثيق والتكسب بأسمائهم، حسب روايات متطابقة.

الاتحاد الوطني للمهمّشين يؤكد أن حجم ضحايا المهمّشين في تعز كبير جداً، والأرقام المتوفرة تقريبية، إذ سقط الكثيرون منهم بغارات طيران التحالف ونيران مليشيا الحوثيين وغيرهم.

ويجزم رئيس الاتحاد، نعمان الحذيفي،  بسوداوية المشهد الإنساني في أوساطهم، ويعتبرهم الفئة الأكثر تضرراً والأشد فقراً وبطالة وأميّة وتشرداً، بفعل الأوضاع الراهنة. 

ويعرج على نزوح وتشرد آلاف الأسر المهمّشة من مساكنها في تعز، التي يعيش فيها معظم المهمّشين أوضاعاً بالغة الخطورة في مخيمات متهالكة ومتناثرة في عدة أرياف. 

دمج في المقابر

المهمّشون لم يجدوا الإنصاف كغيرهم من ضحايا الحرب في عموم البلاد، وفقاً للحذيفي، الذي يقرّ بوجود تجاهل كبير لضحاياهم، بتجاهل وسائل الإعلام وضعف دور المنظمات الحقوقية المعنية برصد الانتهاكات. 

ويقفون على أعتاب مأساة حقيقية لم يقسها الحذيفي بحجم النازحين والضحايا، بل بمدى استغلال شباب وأطفال المهمّشين والزج بهم من قبل المليشيا إلى جبهات الموت، وتحت مسمى "أحفاد بلال"، وهو برنامج أطلقه زعيمهم، ولا يهدف إلى دمج المهمّشين بالمجتمع، وإنما "دمج المئات منهم بالمقابر"، كما يقول الحذيفي، مشيراً إلى أن الكارثة تتمثل في آلاف الأرامل والأيتام، الذين فقدوا آباءهم ومعيليهم في الجبهات.

وتمتد مأساتهم في اليمن متجاوزة كل التوقعات، والاجتهادات، ومحاولات الإلمام بواقعهم المزري، وظروفهم القاسية، وحياتهم المريرة، في ظل استمرار سياسة التجاهل والإقصاء الممنهج.

تقارير

معادلة السلام والحرب.. عودة للمسار السياسي وخفض التصعيد في البحر

يشير الواقع إلى أن مليشيا الحوثي، التي عطلت مسار جهود الحلول الأممية، خلال السنوات الماضية، وفق تصريحات الحكومة المتكررة، لا تمانع الآن من الدخول في تسوية محدودة مع السعودية، تسد حاجتها المالية والاقتصادية، وتخفف من أزمتها الداخلية.

تقارير

صفقة سعودية حوثية.. ترتيبات متقدمة وتحذيرات من النتائج

تتسارع الخطى نحو وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الأممية، التي تحمل في مضمونها تفاهما وتقاربا حوثيا - سعوديا، لم يكن يتوقعه أحد، لا سيما إن استعدنا شريط الذكريات للعام الذي انطلقت فيه عاصفة الحزم، وتهديد الطرفين بالقضاء على الآخر، إذ تعهد الأول بإعادة الشرعية إلى صنعاء، فيما توعد الآخر بالحج ببندقيته في مكة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.