تقارير
انعكاس للواقع أم خلق صراع معقد.. وسائل التواصل في البيئة اليمنية
في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، بات من الواضح أن هذه الأدوات الرقمية تلعب دورًا محوريًا في تشكيل جوانب عديدة من التواصل الاجتماعي والسياسي في المجتمع اليمني.
ورغم الأهمية البالغة، التي تمثلها في نشر الأخبار والمعلومات وتيسير التواصل بين الأفراد، إلا أن تأثيرها يتراوح بين الإيجابي والسلبي، بناءً على طبيعة استخدامها، وفقًا لباحثين يمنيين.
أصبحت مِنصات التواصل الاجتماعي في اليمن مساحة لتبادل الآراء، لكنها في كثير من الأحيان- تتحول إلى ساحة للانقسامات، التي قد تتطوّر من مجرد خلافات بسيطة إلى صراعات معقّدة، لا سيما في اليمن، حيث يواجه المجتمع تحديات كبيرة في مجالي الوعي الاجتماعي والسياسي.
في نوفمبر الماضي، نشر الصحفي اليمني صلاح الواسعي، على صفحته في "فيسبوك"،؛صورة تجمعه بزوجته؛ الصحفية هبة التبعي، في محافظة تعز اليمنية، مُرفقةً ببعض كلمات الغزل، احتفاءً بمرور شهر على زواجهما.
غير أن هذه الخطوة، التي كان من المفترض أن تعكس لحظة سعادة، قوبلت بتعليقات بذيئة من بعض المعلقين، ما أثار موجة من الجدل والغضب.
تسببت تلك التعليقات المسيئة في استياء كبير لدى أقارب الزوجة، الذين رأوا في المنشور إساءةً تمس كرامتهم، مما دفع شقيق الزوجة إلى تهديد الزوج.
أصدرت نقابة الصحفيين اليمنيين بيانًا طالبت فيه بتوفير الحماية للصحفية هبة التبعي وزوجها صلاح الواسعي، بعد تعرّضهما لتهديدات بالقتل؛ نتيجة نشر هذه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي.
مع التطوّر المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي، أصبح تأثير هذه المِنصات يمتد إلى مختلف جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية والنفسية في اليمن.
ومع التنامي المتزايد لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياة الأفراد والمجتمعات، بات من الضروري استيعاب دور هذه المِنصات في تشكيل ونشر القيم والآراء، لا سيما في المجتمعات التي تواجه تباينات اجتماعية وثقافية.
- مساحة واسعة للصراع
وفي السياق ذاته، تقول الأكاديمية اليمنية فيروز الولي، الحائزة على درجة الدكتوراة في علم الاجتماع السياسي، إن "وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن أصبحت ساحة واسعة لتحويل الخلافات البسيطة إلى صراعات معقّدة، خاصة في المجتمعات العربية، حيث تنخفض نسبة الوعي بشأن دور هذه الوسائل في نشر الحقائق، وتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية".
وأوضحت الولي أنه "في المجتمعات، التي ترتفع فيها نسب الأمية، يفتقر العديد من الأفراد إلى الوعي الكافي بطبيعة وسائل التواصل الاجتماعي وأهدافها الحقيقية".
وأضافت أن "هذا النمط من الاستخدام يُسهم في تصاعد النزاعات على مِنصات التواصل الاجتماعي، حيث ينخرط الأفراد في منافسات لإثبات التفوّق أو القوة، وقد تتفاقم هذه النزاعات لتتحوّل إلى مواجهات حادة، تصل أحيانًا إلى مستويات خطيرة؛ مثل العنف، أو ارتكاب الجرائم".
وفقًا للولي، فإن "تزايد القمع لحرية الرأي والتعبير في بعض المجتمعات، وخاصة في اليمن، يُسهم في تعقيد الأوضاع بشكل أكبر، حيث تُعتبر الأصوات المعارضة تهديدًا يستوجب إسكاته، أو التخلص منه".
وعلى النقيض من ذلك، أشارت إلى أن "المجتمعات الأوروبية والأمريكية، رغم وجود صراعات وأحزاب متنافسة، توفر مساحة أكبر للحوار والاحترام المتبادل بين الأطراف المختلفة، مما يُساهم في تعزيز فرص التغيير الإيجابي، وبناء مجتمعات أكثر استقرارًا وتوازنًا".
وأكدت الولي على "أهمية إدراك المجتمع دور وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أفضل، والتوقف عن تحويل هذه الوسائل إلى ساحة للصراعات العبثية، التي لا تؤدي إلا إلى المزيد من الأزمات".
- سوء الفهم
في ظل الانفتاح الكبير، الذي تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها الواسع في مختلف جوانب الحياة، أصبح من الضروري البحث في كيفية الاستفادة منها بشكل إيجابي.
يقول الدكتور أحمد سالمين سالم منصور- رئيس قسم الإعلام بجامعة حضرموت- في تصريح صحفي، إن "وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة ذات تأثير كبير في العالم المعاصر، لكنها ليست بالضرورة أداة ذات تأثير سلبي".
وأوضح أن "القضية الأساسية، في هذا السياق، لا تتعلق بوسائل التواصل نفسها، بل بكيفية استخدامها".
وأشار إلى أن "سوء استخدام هذه الوسائل هو العامل الذي يؤدي إلى تصعيد الخلافات البسيطة، وتحويلها إلى صراعات معقدة، مما يعكس أهمية تعزيز الوعي بكيفية الاستفادة منها بطريقة إيجابية وبنّاءة".
ويرى أن "وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن ليست هي السبب الرئيسي في تفاقم المشاكل، بل تكمن المشكلة في طريقة استخدامها".
وأكد أن "الانفتاح الكبير، الذي توفره هذه الوسائل على مِنصات إعلامية متنوّعة، سواء كانت كتابية أو صوتية أو مرئية، يُمكن أن يُسهم في تعزيز التواصل، وتبادل الآراء بشكل إيجابي إذا استُخدمت بشكل واعٍ".
ومع ذلك، فإن سوء الاستخدام قد يؤدي إلى تصعيد التوترات، وتحويل القضايا البسيطة إلى نزاعات معقدة.
وأضاف منصور: "وسائل التواصل الاجتماعي تتيح للجميع فرصة لنشر المعلومات والمشاركة في الحوارات، مما يعزز من تبادل الآراء والأفكار".
ومع ذلك، بسبب سهولة الوصول إلى هذه الوسائل واستخدامها، قد يحدث سُوء فهم من قِبل بعض المستخدمين لمحتوياتها، إذ أن سُوء الفهم قد يؤدي إلى نشر صور أو معلومات غير دقيقة، مما يُسهم في زيادة حِدة الخلافات وتفاقم النزاعات.
وأشار منصور إلى أن "مسألة التوعية بكيفية الاستخدام السليم لوسائل التواصل الاجتماعي باتت ضرورة مُلحة، خاصة في المجتمعات التي تعاني من الأمية، أو الجهل في كيفية التعامل مع هذه الوسائل بشكل إيجابي، لكي لا تتحول هذه الوسائل إلى أداة لتأجيج الصراعات والانقسامات داخل المجتمع".
- انعكاس للواقع
من جهته، يقول الباحث في مجال الصحافة والاتصال عبدالله باخريصة: "وسائل التواصل الاجتماعي ليست السبب المباشر في تحويل الخلافات البسيطة إلى صراعات معقّدة، بل هي انعكاس لما يحدث في الواقع الاجتماعي والسياسي".
وأوضح: "هذه الوسائل تعرض الآراء المختلفة، التي كانت موجودة بالفعل، ولكن على نطاق ضيق، وتبرزها بشكل علني، مما يجعلها تبدو أكثر تأثيرًا بفضل التفاعل المستمر بين المستخدمين".
وأضاف: "الخلافات على وسائل التواصل الاجتماعي عادة ما تقتصر على تبادل الآراء، وقد تنشأ ردود فعل متنوّعة، بعضها مؤيد والآخر معارض، ومع ذلك، تبقى هذه الردود في حدود الرأي الشخصي، ولا تتطور إلى صراعات حقيقية، أو مواجهات عنيفة على أرض الواقع".
وأشار باخريصة إلى أنه "يمكن تفسير هذه الظاهرة، من خلال سببين رئيسيين: الأول هو الوعي الذي يمتلكه المستخدمون بأن ما يُقال ويُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي يبقى في إطار الرأي الشخصي، ولا يتحول إلى صراع معقد".
وتابع: "السبب الثاني هو الانشغال الكبير للمواطنين اليمنيين بتلبية احتياجاتهم الأساسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، مما يجعلهم يتجاهلون الخلافات البسيطة، ولا يسمحون لها بالتطور إلى صراعات معقدة".
- تأجيج الصراع
تناول الدكتور المصطفى شكدالي، المتخصص في علم النفس الاجتماعي في المغرب، في تصريح خاص لموقع "بلقيس"، الدور الكبير للرقمنة في تغيير أنماط التفاعل الإنساني مع العالم الرقمي، وخصوصًا تأثيرها على تأجيج الصراعات عبر مِنصات التواصل الاجتماعي.
وقال: "وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون عاملًا أساسيًا في تصعيد الخلافات البسيطة، وتحويلها إلى صراعات معقدة، حيث إن الرقمنة شهدت تطورات نوعية أحدثت تغييرات جذرية في طريقة تفاعل الأفراد مع هذه المِنصات".
وأوضح شكدالي "الفرق بين مفهومي "الرقمي" و"المرقمن": الرقمي هو الفرد الذي يستخدم التقنيات الرقمية لتحقيق أهدافه الشخصية، بينما المرقمن هو الشخص الذي تخضع تحركاته الرقمية وتحليلاته الشخصية للتحكم من خلال الخوارزميات، مما يجعله موجهًا أو متحكمًا به في اتجاهات محددة".
ويضيف: "وسائل التواصل الاجتماعي تعمل على الإثارة والتشويق، وتدفع المستخدمين نحو خلق الصراع وتعقيده، وذلك بسبب تصميمها الذي يهدف إلى جذب الحشود، وجعلهم يتابعون كل ما هو مثير، أو متنازع عليه".
ويتابع: "وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة لخلق الصراعات وجذب المتابعين، وهو ما جعلها تشكل تهديداً حقيقياً؛ كونها تحوّل الخلافات البسيطة إلى صراعات معقّدة يمكن أن تؤثِّر على الحياة الاجتماعية والنفسية للأفراد".