تقارير
بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار.. الأضاحي خارج متناول الفقراء في اليمن
وقف أحمد عبدالرحمن، رب أسرة مكونة من سبعة أفراد، أمام أحد أسواق المواشي في مدينة تعز، يحدق في قطيع الأغنام بحسرة. يقول: “بحثت في كل مكان عن أضحية تناسب وضعي، لكن أسعارها وصلت لأرقام لا أستطيع حتى تخيلها. معي 250 ألف ريال فقط، وأرخص خروف وجدته كان بـ400 ألف!”
هكذا يبدأ أحمد حكاية آلاف الأسر في تعز التي باتت تقف عاجزة عن تلبية طقوس عيد الأضحى في ظل انهيار اقتصادي خانق، وجنون الأسعار الذي يطارد حتى شعيرة الأضحية.
ارتفاع قياسي
وتشهد مدينة تعز هذا العام موجة غير مسبوقة في أسعار الأضاحي، وسط حالة من الركود وضعف الإقبال في الأسواق، ما دفع كثيرًا من المواطنين للعزوف عن الشراء أو البحث عن حلول بديلة.
يقول الشاب وضاح يوسف، وهو بائع خضروات حديث الزواج: “كنت أريد أن أشتري أضحية وأسافر القرية، لكن الأسعار صادمة، حتى أن بعض التجار باتوا يسعرون الأضاحي بالريال السعودي بسبب انهيار الريال اليمني”، مضيفًا أنه اضطر لتغيير خطته وسيقضي العيد في المدينة مبررًا الأمر لأسرته بأعذار اجتماعية.
أما فيصل حميد، الذي اعتاد كل عام المشاركة مع أقاربه في شراء ثور، فيقول إن سعر الثور هذا العام ارتفع إلى ما بين 2.5 و4 ملايين ريال يمني، مقارنة بـ1.8 مليون العام الماضي، مؤكدًا أن هذه الزيادة أخرجت فكرة الأضحية الجماعية من الحسبان.
بحسب إفادات تجار مواشي لـ”بلقيس نت”، فإن سعر الخروف أو الماعز هذا الموسم يتراوح بين 250 إلى 400 ألف ريال يمني، فيما يبلغ سعر الثور بين 4 إلى 6 آلاف ريال سعودي، أي ما يعادل ملايين الريالات اليمنية في ظل سعر صرف متدهور بلغ هذا الأسبوع 2535 ريالًا للدولار الواحد و666 ريالًا للريال السعودي.
التاجر وليد فتحي، أوضح أن “عملية استيراد المواشي أصبحت مرهقة وتتم بالدولار، إضافة إلى تكاليف النقل والعلف، لذلك يضطر التاجر لإضافة الأرباح التي تتراوح ما بين 30 إلى 100 ألف ريال على السعر النهائي”.
فوضي وغياب رقابة
من جانبه، قال عبدالكريم الحاج، رئيس قسم الأسعار في مكتب الصناعة والتجارة بتعز، إن الجهات الرسمية حددت سعر الكيلو من لحم الأغنام بـ15 إلى 18 ألف ريال، ولحم الأبقار الكبيرة بـ10 آلاف ريال، لكنه أقر بعدم وجود تسعيرة محددة لسوق الأضاحي حتى الآن، ما يفتح المجال للفوضى السعرية.
لم تعد الأضاحي وحدها الهم الأكبر للأسر، بل تتراكم التزامات العيد من ملابس الأطفال و”الجعالة” والمواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها هي الأخرى.
المعلم عبدالحكيم سعيد يقول: “راتبي 100 ألف ريال، وهناك من يتقاضى أقل، هذا المبلغ لا يكفي حتى لسد احتياجاتنا الأساسية، فكيف يمكن أن أشتري أضحية أو ملابس للعيد؟”
ويضيف أن فكرة التضحية باتت مرتبطة بالقدرة على البقاء لا بالشعائر، مؤكدًا أن كثيرًا من الموظفين لم يعودوا يفكرون في الأضاحي أصلًا بسبب انعدام المكافآت أو الحوافز الحكومية.
في ظل غياب أي تدخلات حكومية لضبط السوق أو دعم الشرائح الفقيرة، يعيش المواطنون في تعز كما هو الحال في بقية المدن عيدًا باهتًا يملؤه القلق. فالقدرة الشرائية تتآكل، والتجار يحمّلون المواطنين نتائج الانهيار الاقتصادي.
ويقول المواطنون الذين تحدثوا لموقع “بلقيس نت” على أن الأضحية تحولت من شعيرة دينية إلى رفاهية موسمية لا يقدر عليها إلا الميسورون، في وقت تتفاقم فيه أزمات الوقود والغذاء والصحة والمرتبات.