تقارير
سجون مليشيا الحوثي.. إسطبلات برسوم مالية
بسبب عدم القدرة على دفع الإيجار، وجد التربوي الخمسيني عبدالعالم نفسه محتجزا في سجن إحدى المحاكم -جنوب العاصمة- المكتظ بعشرات المساجين، في مساحة لا يتجاوز طولها 3 مترات، وعرض مِترين.
لم يحتجز عبدالعالم في أي سجن، أو يتم توقيفه في أماكن احتجاز من قَبل، ولهذا لا يستطع نسيان تجربته المريرة التي استمرت خمسة أيام، وسط سجناء على ذمة تُهم مختلفة، وبطباع إجرامية لدى البعض.
- بلطجة برعاية رسمية
عند دخوله مكان الاحتجاز، فوجئ عبدالعالم بنظام يشبه البلطجة، بدعم ورعاية أمن الحبس والمحكمة ذاتها، تبدأ بتنصيب سجين متسلّط لإدارة المكان، والتحكّم بأسلوب حياة البقية، وأماكن نومهم، وكل التفاصيل الأخرى.
يتذكر عبدالعالم أن هذا المسؤول عن السجن طالبه بدفع ألف ريال رسوم بقائه في الدور الأسفل، أو ثلاثة آلاف ريال إذا أراد الصعود إلى الغرفة العليا، وكيف أثار غضب فتوة الحبس عندما رفض، لتتحول المعاملة إلى تنمّر، ومحاولات اعتداء جسدي متكررة.
يقول عبدالعالم، لـموقع "بلقيس": "لأني لم أكن امتلك الألف الريال، خصص لي مساحة صغيرة أمام الحمام، لم استطع فيها أن أمد رجلي، وبقيت ساهرا بوضع القرفصاء إلى الصبح، حتى زارني أحد الأقارب، وقدّم لي المصاريف، ودفعت له الرسوم".
حاول عبدالعالم تقديم شكوى بأعمال البلطجة، وإجبار الموقوفين على دفع الرسوم للمحكمة؛ لكنهم أخبروه أن هذا صار تقليدا سائدا ومتعارفا عليه، وكرروا عليه نفس حديث السجناء، الذين نصحوه عند دخوله، أن لا يحاول إثارة غضب بلطجي السجن حتى لا يفتعل له المشاكل.
- امتهان وإذلال
التجربة ذاتها عاشها الأربعيني محمد العبسي، في مكان الاحتجاز بقسم "٢٦ سبتمبر" بمنطقة "الجِراف" -شمال العاصمة صنعاء- منتصف العام الماضي، حيث أجبر على دفع أربعة آلاف ريال رسوم السجن، على الرغم أنه احتجز بسبب عدم قدرته دفع دَينه.
يستغرب العبسي كيف لجهة أمنية أن تحتجزك، وتقيَّد حُريتك، وتطلب منك رسوم اعتقالك، خاصة أنها تضعك في مكان يفتقر إلى أبسط مقوِّمات السلامة، والأجواء الصحية.
ويؤكد العبسي لـموقع "بلقيس" أن محتجزات أقسام الشرطة بشكل عام تعاني من اكتظاظ شديد للنزلاء، لدرجة أن ينام بعضهم فوق بعض، وبسببها تنبعث رائحة كريهة، ويتلوث الهواء، ويعاني المحتجزون صعوبة في الوصول إلى الحمام.
ما يحصل في أماكن الاحتجاز -من وجهة نظر العبسي- ليس إلا امتهان وإذلال يمارسه القائمون عليها ضد الموقوفين، دون أي رقابة، أو إحساس بالمسؤولية من مليشيا تمارس مهام الدولة بعقلية العِصابة.
- توسّع في أعداد المعتقلات
منذ اقتحام مليشيا الحوثي العاصمة صنعاء، تضاعفت انتهاكات حقوق الإنسان، وتوقفت عمليات التوسّع في كافة المجالات الحياتية، عدا ازدياد أعداد السجون والمقابر.
وما يظهر من امتهان ومعاملة سيِّئة في المحتجزات الخاصة بالمحاكم والنيابات لا يمثل سوى جزء يسير مما يحدث في المعتقلات والسجون الرسمية والسرية، التي يصل عددها إلى ٦٤١ سجنا، منها ٢٣٧ سجنا رسميا سيطرت عليها مليشيا الحوثي عند دخول صنعاء، بحسب "الشبكة اليمنية للحقوق والحريات".
ويشير التقرير الأخير لخبراء الأمم المتحدة، المعني باليمن، إلى توسع المعتقلات السرية ليشمل بعض المنازل المصادرة، والمدارس وأقبية مقار عسكرية ومؤسسات حكومية، موضحاً أن آلاف المعتقلين تعسفًا في السجون يتعرضون لسوء معاملة، وعنف، وتعذيب نفسي وجسدي، بما في ذلك العنف الجنسي، علاوة على التهديد بإيذاء العائلة، والشتم والحرمان من الرعاية الصحية.
ما تكشَّف، عقب الثورة السورية على نظام بشار الأسد، من جرائم وحشية وانتهاكات جسيمة ضد المعارضين في سجونه أعاد الأنظار إلى جرائم مليشيا الحوثي (حليف النظام السوري المخلوع)، وجعل النشطاء ينظمون حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على معاناة المعتقلين، والمخفيين، إلا أن المليشيا قابلتها بالإنكار، على الرغم من القصص المروِّعة التي رواها بعض الناجين من السجون.