تقارير
شبح الحوادث المرورية يطارد أرواح المغتربين اليمنيين في السعودية
"كالمستجير من الرمضاء بالنار"، مثل شعبي يضرب على شخص يعدل عن أمر فيه مشقة عليه أو خطر إلى ما هو أسوأ، وهو يكاد يلخص حالة اليمني الذي هاجر بلاده إلى بلد الاغتراب بحثاً عن فرصة عيش أفضل ويتمكن من إعالة أسرته التي غادرها مُكرهًا، ليلقى حتفه ويفارق الحياة بـ"حادث مروري" وتحيل حياة أسرته إلى "جحيم" بفقدان المعيل.
وتضطر العديد من الأسر اليمنية إلى بيع مدخراتها أو أراض أو عقار من أجل الحصول على "فيزة عمل" لأبنائها خاصة من هم في سن الشباب للعمل في الخارج، وعلى وجه التحديد لدى الجارة الأقرب إليهم المملكة العربية السعودية، لتبعث فيهم الأمل وتعيد إليهم الروح بعد أن تضاعفت معاناتهم جراء سنوات الصراع التي طال أمدها وغابت فرص العمل داخل البلاد.
لكن الحلم الذي يفر إليه اليمنيون في المملكة هربًا من جحيم الصراع في بلادهم، يصطدم أحيانا بـ"لحظات" مفزعة تودي بحياتهم وذلك بسبب الحوادث المرورية التي يتعرضونها لها في المملكة العربية السعودية.
ويُقدر عدد اليمنيين المغتربين في السعودية -وفقًا لأحدث التقديرات الرسمية والدراسات المتخصصة في العام 2024- حوالي 2.5 مليون، مقارنة مع حوالي 2 مليون في عام 2020.
ويتوزع اليمنيون على مختلف المناطق والمدن السعودية ويتركزون بشكل كبير في؛ جدة التي تستضيف حوالي 30% من إجمالي اليمنيين في السعودية، وتأتي الرياض في المرتبة الثانية بنسبة 25%، وتضم مكة المكرمة حوالي 15% من اليمنيين، في حين تستقطب المدينة المنورة 10% من الجالية اليمنية، وتتوزع النسبة المتبقية على باقي مدن المملكة، وفق موقع "وجهات" الالكتروني.
ووفق إحصائية خاصة رصدها "بلقيس نت" لقي 83 مغتربًا يمنيًا بينهم نساء وأطفال حتفهم وأصيب 26 آخرين خلال العامين 2023 و2024 على التوالي.
وشهد العام 2024 وفاة 34 مغتربا يمنيًا وإصابة 25 آخرين 11 منهم أطفال، وصفت حالة معظمها بالـ"حرجة" وتم إدخالها إلى العناية المركزة.
في حين شهد العام 2023 وفق الاحصائية الخاصة بـ"بلقيس نت" شهد وفاة 49 مغتربًا يمنيًا وأكثر من 15 إصابة بينهم نساء وأطفال ضمنها حالات حرجة أدخلت العناية المركزة.
وتصدرت محافظة إب عدد ضحايا الحوادث المرورية بعدد 27 حالة وفاة، تليها محافظات؛ عمران، تعز، وشبوة، في حين توزع بقية الضحايا على محافظات؛ لحج، أبين، المحويت، صنعاء.
وتعود أبرز الحوادث المرورية التي تم رصدها إلى 25 يناير 2024 حيث تعرض طبيب يمني يدعى جاعم محمد صالح الشبحي من ابناء يافع بمحافظة لحج، الذي فارق الحياة مع سبعة من أفراد أسرته بعد أن اصطدمت سيارته بشاحنة كبيرة في منطقة "المزاحمية" التي تبعد عن العاصمة الرياض بـ50 كيلو متر.
ويعمل الطبيب اليمني الشبحي الذي ينتمي لمنطقة "يهر" بمديرية يافع بمحافظة لحج جنوب اليمن، استشاري الأورام في مدينة فهد الطبية بالمملكة، ويعد من أبرز الأطباء اليمنيين في الأورام السرطانية.
وبحسب الاحصائية التي وثقها "بلقيس نت" سجلت عديد من الحوادث المرورية أثناء ذهاب مغتربين يمنيين لأداء أو الانتهاء من مناسك العمرة.
وتعتبر الحوادث المرورية في السعودية من أبرز القضايا في المملكة حيث سجلت خسائر جراء الحوادث المرورية في العام 2023 التي بلغت 3 آلاف و555 حادثة، ما يُقارب 30 مليار ريال سعودي، بحسب إحصاءات رسمية صادرة عن "إدارة المرور".
وذكرت البيانات الرسمية السعودية أن وفيات الذكور جراء الحوادث المرورية في المملكة يشكلون 87%، بينما الإناث يشكلن 13% فقط، وتمثل الفئة العمرية من 18 إلى 30 عامًا الأكثر تعرضًا للحوادث، حيث تمثل 35 % من إجمالي الحوادث.
وترجع إدارة المرور السعودية الحوادث المرورية إلى ثلاثة أسباب رئيسية، هي استخدام الجوال أثناء القيادة، وخلل فني في المركبة والانحراف عن خط السير.
ولا تكشف السلطات السعودية في الغالب تفاصيل مايتم اتخاذه بعد وقوع الحادث المروري خاصة للمغتربين من الجنسيات المختلفة في المملكة العربية السعودية، وما اذا كانوا يحصلون على تعويضات أم يتم الاكتفاء بمتابعة ذويهم إن تم التوصل إليهم، أو تنتهي بدفن الضحايا دون استكمال أي إجراءات قانونية أو جبر ضرر من قبل مرتكبيها.
وتنص المادة التاسعة والخمسين من "نظام المرور" السعودي على أن "الحوادث المرورية تنقسم إلى قسمين؛ الحادث المروري البسيط، والحادث المروري الجسيم والأخير هو ما ينتج عنه حالة وفاة أو اكثر، إصابة بليغة، أو تلفيات جسيمة".
ووفق المادة الثانية والستين من نفس النظام فان "كل من ارتكب حادثاً مروريا متعديا أو مفرطاً ونتجت عنه وفاة أو زوال عضو أو تعطيل منفعته أو جزء منهما؛ يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على أربع سنوات وبغرامة مالية لا تزيد على مائتي ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون إخلال بما يتقرر للحق الخاص".
كما تنص المادة على أن "كل من ارتكب حادثاً مرورياً متعدياً أو مفرطاً ونتجت عنه وفاة أو زوال عضو أو تعطيل منفعته أو جزء منهما؛ يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على أربع سنوات وبغرامة مالية لا تزيد على مائتي ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين ، وذلك دون إخلال بما يتقرر للحق الخاص".
وتنص المادة أيضا على أن "كل من ارتكب حادثاً مرورياً متعدياً أو مفرطاً ونتجت عنه إصابة تزيد مدة الشفاء منها على خمسة عشر يوماً يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة مالية لا تزيد على مائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون إخلال بما يتقرر للحق الخاص".
وفي هذا الصدد يقول مصدر في السفارة اليمنية لدى الرياض - طلب عدم ذكر اسمه- في تصريح خاص لـ"بلقيس نت" إن "السفارة لا علاقة بهذا الأمر فالجهات المعنية في السعودية وتحديدا إدارة المرور هي من تقوم تبت في الأمر وفقا للقوانين والأنظمة في المملكة".
وأضاف المصدر: "لا تأتي أي حالات متعلقة بالحوادث المرورية إلى السفارة إلا بشكل نادر وفي حال كان المتوفي مجهولاً أو ليس له أي أقارب يمكن التواصل معهم إما لاستيفاء حقوقه أو إشعاره إن كان عليه الخطأ بما يجب القيام به"."
وأكد المصدر أنه "يتم استيفاء الاجراءات بشأن الحوادث المرورية وفقا للقوانين والانظمة السعودية ولا يتم الرجوع إلى السفارة إلا إذا كان هناك اشكالية او من يطالب بحقوق الضحية من اليمن".
وأوضح المصدر في تصريحه لـ"بلقيس نت" أن "هناك رجال أعمال يتعرضون لحوادث مرورية ولا يتم اشعار السفارة بذلك، وأن إدارة المرور هي من تبت في هذا الأمر خاصة ان هناك قوانين وانظمة في المملكة يتم التعامل بموجبها".
وقال المصدر: "من بين ألف حادث يصل حادث واحد فقط إلينا ويندرج ضمن الحالات الطارئة؛ لأن هذه الامور تتابعها الجهات التنفيذية السعودية والسفارة ليس لها علاقة".
ورداً على سؤال حول ما اذا كان هناك احصائية عن عدد المتوفين من اليمنين جراء الحوادث المرورية في المملكة أكد المصدر أنه "ليس هناك احصائية"، مشيراً إلى أن "السفارات الأخرى غير معنية أيضًا طالما وأن الجهات المختصة في المملكة تقوم بتنفيذ القوانين والانظمة السائدة في المملكة".