تقارير
مواقف وتصريحات متضاربة.. ما صيغة السلام القادمة في اليمن؟
حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من التعامل مع مليشيا الحوثي كسلطة أمر واقع، واتهمها بسحق منجزات عقود من التنمية في اليمن، منذ انقلابها على الدولة، في سبتمبر 2014م.
الرئيس العليمي أكد أن حكومته لن تقدِّم المزيد من التنازلات، لكن هناك من يتساءل: ما الذي قدّمه المجلس الرئاسي، منذ تشكيله، غير التنازلات حتى يصدُق هذه المرة؟
وكان الرئيس العليمي قد اصطحب معه عيدروس الزبيدي في زيارته إلى نيويورك للمشاركة في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي استغلها الأخير، كفرصة للترويج لمشروعه الانفصالي، وسعيه للقاء قادة وسياسيين، بطريقة تتعارض مع المرجعيات، التي ظل الرئيس العليمي يؤكد على التمسك بها في كل لقاءاته وخطاباته.
- اضطراب وتصريحات متناقضة
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء، الدكتور ناصر الطويل: "إن علاقة مجلس القيادة الرئاسي مع مليشيا الحوثي سلما أو حربا تعاني من ضبابية عالية، وحالة من الاضطراب، وتصريحات متناقضة إلى حد كبير:.
وأضاف: "حالة الضبابية والتصريحات المتناقضة لعلاقة المجلس الرئاسي مع مليشيا الحوثي ناتجة عن طبيعة العلاقة بين المجلس الرئاسي ودولتي التحالف، القائمة على التبعية شبه الكاملة، والتسليم للدولتين؛ لوضع التصورات الكبرى فيما يتعلق بالعلاقة مع مليشيا الحوثي، والتي تتضح من خلال التصريحات المتناقضة".
وتابع: "هذا التناقض في التصريحات، التي تختلف عندما يكون هناك تصعيد، عن التصربحات في حالة التقارب، يشير إلى أن ليس هناك رؤية متماسكة وواضحة يمتلكها المجلس الرئاسي، بحكم أنه لا يمتلك الاستقلالية الكاملة".
وزاد: "المكونات الموجودة داخل المجلس الرئاسي مع أنها تعاني من الاضطراب والتناقض، لكن إذا أرادت دولتا التحالف، فمن الممكن ضبط ذلك، إلا أنه على ما يبدو أن من يرسم المشهد يريد هكذا".
وأردف: "ليس هناك قدرة لأي طرف من أطراف الحكومة على الخروج عن إرادة السعودية والإمارات، لكن ربما هناك خلاف بين السعودية والإمارات، وأنا لا أؤمن بهذا الأمر، وأرى أن المسألة تكاملية وتبادل أدوار بين الدولتين".
وأكد أن "مجلس القيادة الرئاسي ليس لديه رؤية، ولا يستطيع أن يبني رؤية، في ظل الاتكالية على دولتي التحالف، ولا يمكنه فعل ذلك إلا في حالة واحدة، عندما تنسحب السعودية من المشهد العسكري، أو في حال وجد نفسه أمام مخاطر كبيرة".
وأشار إلى أن "المجلس الرئاسي حاليا يعيش حالة من الاتكالية والتسليم والتبعية، وليس معنيا ببناء رؤية، ما عليه هو تنفيذ ما يطلب منه من دولتي التحالف إلى حد كبير".
وقال: "من أدار المشهد اليمني أوصلنا إلى حالة من اللا سلم واللا حرب، حيث لم تتوفر متطلبات الحسم العسكري، ولم تتوفر أيضا متطلبات السلام، لذا نحن في حالة من التَّيهان، وأكثر من يُعاني من هذه الحالة هو مجلس القيادة الرئاسي".
وأضاف: "خروج الوفد السعودي من الجمعية العمومية للأمم المتحدة حادث عرضي، وليس هناك ما يستدعي ذلك، فرشاد العليمي، محسوب على السعودية ويمثل التوجُّهات السعودية، ولا يمكن أن يخرج عنها، ولكن هذا التصرُّف فيه إشارة إلى عدم التقدير اللائق من قِبل الوفد السعودي للعليمي وللمجلس الرئاسي، وإن كانت عرضية وغير مخطط لها".
وتابع: "الواقع يشير إلى أن ليس هناك أي تسوية سياسية قادمة، حيث لا نجد ما يدفع أو ما يعطي ليسهل لتسوية سياسية، وكأنه يُراد لليمن أن توضع في هذه الحالة، وأن يستمر الأمر على هذا النَّحو، كما هو حال الهدنة المستمرة إلى اليوم دون أن تفضي إلى محادثات جدِّية، أو إلى تسوية سياسية".
وأردف: "المرحلة القادمة ستكون امتدادا للمرحلة السابقة، حيث لا سلام ناجز ولا حرب حاسمة، وتظل الأمور هكذا، وكل ذلك على حساب الشعب اليمني، الذي يعيش معاناة إنسانية واقتصادية، إلى جانب أن هناك ترهلا في السلطة الشرعية، وهذا أمر خطير، وفي المقابل ولي العهد محمد بن سلمان يريد أن يبني السعودية، ويريد أن يمضي، ويخفف التصعيد في المنطقة كلها بما فيها الملف اليمني، لينشغل بمشروعه ورؤيته".
وزاد: "كل الأطراف تعمل لحساب بلدانها، فيما الشعب المنسي والقضية المنسية والدولة التي تدفع ثمن هذا الوضع هي اليمن -للأسف الشديد".
ويرى أن "خلال المرحلة القادمة، سنظل في مرحلة مراوحة، أي لن تكون هناك تسوية سياسية؛ لأن متطلباتها غير موجودة، فهناك عرض عسكري لدى مليشيا الحوثي، واليوم عرض عسكري كبير في مأرب، والأطراف تتبادل التهديدات، داخليا وخارجيا، وسيظل الشعب اليمني في هذه الحالة، حيث لا سلم ولا حرب ولا تسوية، ولا هدنة رسمية إلى أن يشاء الله".
- مناورة ناتجة عن ضغوط
يقول الخبير العسكري، الدكتور علي الذهب: "الرئيس رشاد العليمي يحاول قدر الإمكان، منذ اللحظة الأولى لقيادته المجلس، أن يبدي حسن النية تجاه القضية الجنوبية، التي أقرَّتها وثيقة الحوار الوطني الشامل، وهي محددة وواضحة، ومن ضمن الحلول المطروحة، وضمن وثيقة بيان إعلان السلطة في أبريل 2022م، بأن تؤجل القضية الجنوبية إلى ما بعد التفاوض مع مليشيا الحوثي، أو إلى مرحلة التفاوض".
وأوضح: "اصطحاب الرئيس العليمي لـ عيدروس الزبيدي؛ إما أنه قد يكون ضمن محاولات بناء الثقة، أو باعتبارها فرصة للاحتكاك بالمحافل الدولية؛ باعتباره الرجل الثاني، فإذا ما تغيّب الرئيس العليمي لأي سبب ما، سيكون الزبيدي وحده في واجهة المشهد".
وأضاف: "ما يقوم به عيدروس الزبيدي هي مناورة نتيجة للضغوط، التي تعرض لها، فكلنا تابعنا تحركاته التي حاول من خلالها أن يبدي نوعا من الكياسة السياسية، حتى إنه نزع العلم التشطيري من على معطفه أو جاكته، لكن كانت هناك حالة إحماء في مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما منصة إكس - تويتر سابقا- دفعت الرجل إلى العودة لمواقفه المتطرفة السابقة".
وتابع: "عيدروس الزبيدي هو أكثر من التقى - هو والرئيس العليمي- في إطار الجمهورية اليمنية، لكن عندما أتيحت له الفرصة لأن يتحدث مع كيانات تقريبا غير معترف بها، جمهوريات غامضة، محاولا اكتساب وضع أشبه بما يكون وضع تايوان أو فرموزا، مع أن المسألة بعيدة الشبه، لكن يبدو أنها قريبة هذا التصور، ولهذا يلجأ الكيانات غير المعترف بها، أو التي أخذت استقلالها مؤخرا".
- إرادات دولية
يقول الدكتور الذهب: "مسألة السلام أو الحرب في اليمن ليست بيد اليمنيين، ولا بيد الإقليم، فهناك أجندات وإرادات دولية وإقليمية هي التي أرست دعائم مليشيا الحوثي، وأبقت عليها، وهي التي أدخلتها إلى صنعاء ومكنتها من البلد، وأتاحت لها فرصة الصمود والاستمرارية إلى هذه اللحظة، وهي التي أعطتها اتفاقية ستوكهولم، ومنحتها القوة ليحدث التحالف عملية الانتقال السياسي، التي حصلت في أبريل 2022م، بحيث يتيح لها الحوار، كونها كانت ترفض التحاور مع الرئيس هادي".
وزاد: "والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لها مصالح جيو سياسية تحرك دول العالم، وتتصرف فيها كما تشاء، من بينها اليمن".
واعتبر أن "الخطر الكبير في أن مليشيا الحوثي تتحدث وكأنها السلطة الشرعية، تتحدث عن عدوان ورفع حصار ودفع مرتبات، وهذه كلها تعطي لها مركز قوة".
وأشار إلى أن "السلام الذي يحقق لليمنيين الاستقلال والحرية، لا يمكن أن يتحقق إلا على المدى الطويل"، لافتا إلى أن "لدينا تجارب إقليمية وصلت إلى مشارف السلام، لكن لم تبلغ طموحها".
وقال: "الأطراف الخارجية، باعتبارها الأطراف الحاكمة للحرب والسلام في اليمن، ستحاول جاهدة أن تطيل من أمد الهدنة الحالية، وأن تدفع مقابل ذلك ثمنا كبيرا من مكاسبها ومكاسب الحكومة اليمنية".