تقارير

نظام الشرق الأوسط الجديد

23/03/2023, 19:06:14

* ماريا فانتابي وفالي نصر في مجلة فورين بوليسي الأمريكية

في السادس من مارس 2023، التقى ممثلون من إيران والسعودية في بكين لإجراء مناقشات بوساطة الصين، وبعد أربعة أيام، أعلنت الرياض وطهران أنهما قررتا تطبيع علاقاتهما الثنائية.  
لهذه الاتفاقية التاريخية القدرة على تحويل الشرق الأوسط من خلال إعادة تنظيم قواه الرئيسية، واستبدال الانقسام العربي الإيراني الحالي بشبكة معقدة من العلاقات، وجعل المنطقة جزء من نسيج طموحات الصين العالمية.  

بالنسبة لبكين، كان الإعلان قفزة كبيرة إلى الأمام في تنافسها مع واشنطن. لم يكن من المفترض أن يكون الأمر على هذا النحو.  
كانت الولايات المتحدة هي التي شجعت إيران والمملكة على بدء المناقشات الثنائية بينهما في عام 2021 في محاولة للحد من التوترات بين الخصمين الخليجيين، ودفع المحادثات النووية الى امام، وإنهاء الصراع في اليمن.  

عقدت طهران والرياض خمس جولات من المحادثات المباشرة، واستمرت المحادثات غير الرسمية بعد ذلك.  
خلال زيارته إلى المملكة في يوليو 2022، حث الرئيس الأمريكي جو بايدن مجلس التعاون الخليجي - وهو اتحاد حكومي دولي يضم البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة والإمارات - على الانضمام إلى إسرائيل لاحتواء إيران، لكن الحكومة السعودية تحولت إلى الصين، واعتبرت الرئيس شي جين بينغ وسيطًا أفضل مع طهران.  

يعتقد السعوديون أن إشراك الصين هو الضمان الأكيد بأن الصفقة مع إيران ستستمر، حيث من غير المرجح أن تخاطر طهران بتعريض علاقاتها مع بكين للخطر من خلال انتهاك مثل هذه الصفقة.  
ناقش شي القضية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته للرياض في ديسمبر 2022، ثم التقى بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في بكين في فبراير 2023 وتبع ذلك مناقشات مكثفة بين إيران والسعودية، اتفق خلالها الطرفان على دفن الاحقاد وتطبيع العلاقات.  

كان تدخل شي الشخصي حاسمًا لكلا البلدين حيث يملك البلدان علاقات سياسية واقتصادية طويلة الأمد مع بكين، وبالتالي كان الرئيس الصيني قادرًا على العمل كوسيط موثوق بينهما.
إذا تم تنفيذ الصفقة بالكامل، فستتعاون طهران والرياض بشكل وثيق مرة أخرى.  

في عام 2016 قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد أن أضرمت مجموعة من الغوغاء النار في السفارة السعودية في طهران، ووفقًا للاتفاقية الجديدة، سيعيد الجانبان فتح السفارتين، وستنهي الحكومة السعودية دعمها لقناة إيران الدولية التلفزيونية التي تعتبرها طهران مسؤولة عن المعارضة الداخلية، وسيلتزم الطرفان بوقف إطلاق النار الذي وقع في أبريل 2022 في اليمن ويبدأان العمل على اتفاق سلام رسمي لإنهاء الحرب الأهلية في ذلك البلد، كما ستتوقف إيران عن إمداد الحوثيين بالسلاح وتقنعهم بوقف هجماتهم الصاروخية على السعودية.  

بالإضافة إلى ذلك، تدعو الاتفاقية إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، كما تدعو الاتفاقية ايران وشركائها العرب لبدء مناقشات بشأن بناء إطار أمني إقليمي جديد.  

وفوق كل ذلك ستواصل الصين الإشراف على كل هذه الخطوات.
للصفقة الإيرانية السعودية القدرة على إنهاء واحدة من أهم المنافسات السياسية في المنطقة وتوسيع العلاقات الاقتصادية عبر الخليج.  

لن تقف إيران بمفردها بعد الآن في مواجهة تحالف من العرب والإسرائيليين، الذي كانت الولايات المتحدة تأمل أن يقوم بالمهمة الصعبة المتمثلة في احتوائها، فلهذه الصفقة القدرة على تقريب إيران من جيرانها العرب واستقرار علاقاتها تدريجياً في المنطقة.  
وتأكيدًا على هذا الوعد، تعهد وزير المالية السعودي محمد الجدعان، بأن المملكة مستعدة للاستثمار في الاقتصاد الإيراني، إذا سار كل شيء كما هو مخطط له، كما قبل الرئيس الايراني رئيسي بالفعل دعوة لزيارة الرياض في موعد غير محدد، في إشارة أخرى على نية الجانبين تعزيز العلاقات.  

قد تكون عواقب مثل هذه العلاقة سريعة التطور عميقة على المنطقة.
تعتقد طهران والرياض أنهما ستستفيدان من العمل من خلال الصين لاستعادة العلاقات الثنائية، كما يعد العمل مع بكين تطوراً جديداً بالنسبة لكلا البلدين.

في عام 2015، كانت أولوية إيران هي تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، واعتبرت المفاوضات مع جيرانها ثانوية وكانت النتيجة هي خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) - الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وزملائها الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا - التي قلصت برنامج إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات.

بعد أن سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الدعم الأمريكي لخطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018، اقتربت المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي من إسرائيل، وهي خطوة تسارعت بسبب هجوم إيراني على منشآت نفطية سعودية في عام 2019.

سرعان ما غيرت إيران تركيزها، وأعطت المزيد الاهتمام بتحسين العلاقات مع جيرانها والتجارة الإقليمية، وتحقيقًا لهذه الغاية، أعادت طهران إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الكويت والإمارات عام 2022 لكن صفقة بكين مع السعوديين هي الجائزة الأكبر التي سعت إيران لتحقيقها، وتمثل انفتاحا حقيقيا على العالم العربي، والذي يمكن أن يمتد قريبًا إلى البحرين ومصر.

ترحب طهران بدور الصين المتعمق في الشرق الأوسط لأنه يضعف نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ويقوض نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة والذي أصاب الاقتصاد الإيراني بالشلل، ولتحقيق هذه الغاية، فإن العلاقات الأفضل مع دول مجلس التعاون الخليجي ستقلل من التهديد الذي تشكله اتفاقات أبراهام التي توسطت فيها إدارة ترامب، والتي بدأت تنسيقاً استخباراتياً وعسكرياً أوثق بين إسرائيل والسعودية والإمارات (وامتد لاحقاً إلى المغرب والسودان)، وبالتالي توسعت حرب الظل بين إيران وإسرائيل إلى الخليج.  

على الرغم من أن طهران قد تكون على استعداد لقبول العلاقات الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، إلا أنها لا تستطيع التسامح مع تحالف عسكري عربي-إسرائيلي تدعمه الولايات المتحدة ضدها.  

سيكون مثل هذا التحالف أكثر تهديدًا لطهران في أعقاب المحادثات النووية الفاشلة مع إدارة بايدن، والاحتجاجات السياسية المحلية، والوجود الإسرائيلي المتزايد في أذربيجان والعراق، والاستعداد المتزايد من قبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة للتفكير في الحرب من أجل وقف برنامج إيران النووي.

بالنسبة للمملكة، يشكل الاتفاق الذي تقوده بكين تحولًا استراتيجيًا أكثر جرأة فالعلاقات بين الرياض وواشنطن في أدنى مستوياتها بشكل تاريخي.  

لقد تراجع رضا المملكة عن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة منذ غزو العراق عام 2003. كانت الرياض غير راضية عن تفكيك الحكومة العراقية، ومنزعجة من الاتفاق النووي، وغاضبة من عدم استعداد الولايات المتحدة لدعم المصالح السعودية ضد إيران في سوريا واليمن، وقلقها من فشلها في الدفاع عن المملكة عندما تعرضت منشآتها النفطية للهجوم من قبل إيران في 2019.

كما تعتقد الرياض أن الولايات المتحدة - التي كانت حليفتها القوية - تركز على أولويات أخرى، ولا تعتقد أن لدى واشنطن خطة واضحة للأمن الإقليمي في أعقاب المحادثات النووية المتوقفة مع إيران.  

كما أن القادة السعوديين غير راضين عن القيادة الحالية في واشنطن فقد كان الرئيس بايدن بطيئًا في إصلاح العلاقات بعد أن تعهد كمرشح بمعاملة النظام على أنه "منبوذ"، اثر مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018.

 نظرًا لافتقارها إلى القدرات العسكرية المتقدمة لجيرانها الأكبر والأكثر عدوانية، كانت المملكة دائمًا مهووسة بمسألة كيفية الدفاع عن نفسها.

هذه المخاوف لن تنتهي عبر الحد من التوترات مع طهران غير ان الاتفاق الاخير يمنح الرياض مزيدًا من الوقت لتعزيز أمنها وتنويع خياراتها الاستراتيجية.  

دفعت الرغبة في تحقيق الأمن المملكة إلى السعي لإقامة علاقات مع إسرائيل طوال العقد الماضي، وهذه الرغبة هي الآن تحفزها على تنمية علاقاتها مع الصين.  

تهدف استراتيجية المملكة إلى ضمان أمنها من خلال تجميع شبكة واسعة من الشركاء، بما في ذلك الصين وإسرائيل والولايات المتحدة، ومن خلال تحسين العلاقات مع الخصوم مثل إيران وسوريا وتركيا. من خلال ذلك يأمل النظام السعودي في تعزيز استقراره على المدى الطويل.

لقد حددت المملكة هدفًا طموحًا يتمثل في أن تصبح اقتصادًا صناعيًا متقدمًا، فضلاً عن كونها مركزًا ثقافيًا وسياحيًا بحلول عام 2030 وسيتطلب تحقيق ذلك دعمًا عسكريًا أمريكيًا وأمنًا وتكنولوجيا إسرائيليين وتجارة مع أوروبا والصين واستقرارًا محليًا.  

تتعارض الاستراتيجية السعودية مع مفهوم واشنطن للأمن الإقليمي، الذي يفضل عزل إيران ولا يستبعد الحرب، على الرغم من عدم وجود خطة أمريكية واضحة تجاه طهران.  

لقد كافحت الولايات المتحدة أيضًا لإدراك أنها لا تستطيع الادعاء بأنه لم يتغير شيء في التزاماتها تجاه شركائها في الشرق الأوسط في نفس الوقت الذي أوضحت فيه أيضًا أنها تنحرف بعيدًا عن المنطقة.  

في الواقع، تُظهر الرياض أنه إذا كانت السياسة الأمريكية لا تخدم المصالح السعودية، فلن يخضع السعوديون للتحالف مع الولايات المتحدة.

كانت واشنطن أيضًا بطيئة في إدراك أن المملكة لا ترى نفسها تابعة للولايات المتحدة وإنما كقوة إقليمية قادرة على لعب دور مستقل في السياسة العالمية.

تعتقد الرياض أن النموذج القديم للعلاقات مع الولايات المتحدة القائم على "الأمن مقابل أسعار النفط المنخفضة "- وفق مسؤول سعودي - قد مات.  

رؤية المملكة للحكم الذاتي الاستراتيجي ليست مجرد رد فعل على تقليص مشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ولكنها بيان لطموحات المملكة.  

تريد الرياض علاقات وثيقة ومستقلة مع الولايات المتحدة، وكذلك مع روسيا والصين، كما ترى نفسها على أنها تلعب دورًا حاسمًا في المنطقة، وتحقق التوازن بين مصر وإيران وإسرائيل وتركيا لحماية أمنها وممارسة نفوذها الإقليمي.  

لتصل الى هذا الدور، يجب على المملكة رعاية العلاقات مع جميع جيرانها.  

في عام 2022، أعادت الرياض العلاقات مع تركيا؛ وهي الآن تفعل الشيء نفسه مع إيران والتالي سيكون دور إسرائيل.  

ستمنح العلاقات مع إيران السعوديين غطاءً سياسيًا هم في أمس الحاجة إليه مع حلفائهم، مما يعني أنه يمكن تقديم صفقة مع إسرائيل على أنها اتفاقية ثنائية، بدلاً من كونها محورًا عسكريًا ضد دولة مسلمة أخرى.  

يؤكد اتفاق بكين وجهة نظر الرياض بشأن مكانتها في الشرق الأوسط ويظهر استقلاليتها الاستراتيجية.

ربما يكون تدخل الصين هو البعد الأكثر إثارة للقلق في التقارب الإيراني السعودي.  

كانت بكين في السابق حريصة على تجنب التورط في الشرق الأوسط لكن مصالحها الاقتصادية المزدهرة هناك استلزمت القيام بدور دبلوماسي أيضًا.  

المنطقة مهمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ حيث احتاجت الحكومة الصينية إلى ضمان أن استثماراتها في قطاع الطاقة السعودي ليست مهددة بصواريخ الحوثيين.  

علاوة على ذلك، تعمل الصين بشكل مطرد على توسيع بصمتها الاقتصادية في إيران، وهي مهتمة بدعم خطة موسكو لتطوير ممر عبور عبر إيران من شأنه أن يسمح للتجارة الروسية بالوصول إلى الأسواق العالمية دون استخدام قناة السويس.  

سيسمح تطوير هذا الممر أيضًا للصين بالالتفاف حول مضيق ملقا في مواجهة الأسطول الهائل الذي تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها ببنائه.  

لتعزيز هذه الأولويات الاستراتيجية، تستعد بكين الآن لتحدي واشنطن من أجل النفوذ في الشرق الأوسط.

يشير تقارب المصالح الاستراتيجية الأوسع للصين وإيران والمملكة إلى أن اختراق بكين مع إيران والسعودية من المرجح أن يكون بمثابة أساس لواقع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط ويمثل هذا التحول تحديًا تاريخيًا للولايات المتحدة.  

لم يعد بإمكان واشنطن ببساطة أن تطالب حلفائها العرب بالانفصال عن الصين والاصطفاف خلف قيادتها لمحاربة إيران.  

هذا النهج عفا عليه الزمن ولا يتماشى مع الاحتياجات الحالية لحلفائها.  

على حد تعبير أحد المسؤولين السعوديين "تفشل الولايات المتحدة في فهم أننا لا نستطيع أن نكون حلفاء على حساب مصالحنا" ولا يرى السعوديون أن مصالحهم تخدمها الحرب مع إيران أو المواجهة مع الصين.

ما حدث في بكين لا يقلل بأي حال من التهديد الذي تمثله سياسات إيران النووية والإقليمية، لكن على المدى القصير، ينبغي لواشنطن أن ترحب بتخفيض التوترات في الشرق الأوسط، مما يمكّن الولايات المتحدة من التركيز على الأولويات العالمية الأخرى دون التظاهر بالتزام ثابت تجاه المنطقة.  

يجب على الولايات المتحدة أيضًا تشجيع المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي على استكشاف بنية أمنية إقليمية أوسع من شأنها أن تقلل من مخاطر الحرب في المنطقة، وتوفر الأمن البحري، وتتعاون لإنهاء النزاعات الإقليمية طويلة الأمد.  

يجب على واشنطن أيضًا صياغة سياسات تتماشى مع الطريقة التي ترى بها المنطقة الآن مصالحها الخاصة وإلا، فسوف تستمر في فقدان نفوذها لصالح الصين وروسيا، وسوف تنجرف المنطقة إلى حالة عدم الانحياز.  

يجب أن تبدأ أي إعادة تقييم أمريكية لاستراتيجيتها الإقليمية بفهم الضغوط والفرص التي أوصلت قيادة الرياض إلى أعتاب بكين.

* ماريا فانتابي زميلة مشاركة في معهد أفاري الدولي في روما.

* فالي نصر هو أستاذ كرسي ماجد خدوري للشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز.

تقارير

معادلة السلام والحرب.. عودة للمسار السياسي وخفض التصعيد في البحر

يشير الواقع إلى أن مليشيا الحوثي، التي عطلت مسار جهود الحلول الأممية، خلال السنوات الماضية، وفق تصريحات الحكومة المتكررة، لا تمانع الآن من الدخول في تسوية محدودة مع السعودية، تسد حاجتها المالية والاقتصادية، وتخفف من أزمتها الداخلية.

تقارير

صفقة سعودية حوثية.. ترتيبات متقدمة وتحذيرات من النتائج

تتسارع الخطى نحو وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الأممية، التي تحمل في مضمونها تفاهما وتقاربا حوثيا - سعوديا، لم يكن يتوقعه أحد، لا سيما إن استعدنا شريط الذكريات للعام الذي انطلقت فيه عاصفة الحزم، وتهديد الطرفين بالقضاء على الآخر، إذ تعهد الأول بإعادة الشرعية إلى صنعاء، فيما توعد الآخر بالحج ببندقيته في مكة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.