مقالات
أحمد علي ومحاولات بعث الصنم مجددًا
يُريد العفافيش أن يُوقفوا التاريخ عن أُسرة معيّنة عند زمن مُحدد. يتخذون من كلّ مناسبة شكلية فرصة لترميم الماضي المُتصدّع. يُحوِّلون أعياد ميلاد الشخوص إلى حدث سياسي. يُطلقون الألعاب النارية لمجرد أن مؤسسة دولية أفرجت عن أرصدة ابن الزعيم؛ كما لو أننا أمام شهادة عالمية بجدارتهم. برهان يعزز أوهامهم بإمكانية السطو على السلطة، وملء الفضاء العام.
حين تجد كيانًا سياسيًا ينشط في مناطق فارغة، يُحاول استجلاب معنى من مظاهر هامشية، فهو بذلك يكشف لك جوهر عقله السياسي، ومدى سيطرته على الواقع من عدمه.
تكتشف حاجته إلى تمتين قواعده، وملء فراغاته بعناصر فاقدة للدلالة؛ إنّها رغبة لتمرير الخديعة مجددًا؛ نزوع لتضليل الناس عبر هذه المظاهر الفرائحية بإنجازات غير موجودة، وبأحلام مضادّة للتاريخ، ومفارقة لحركة الزمن.
تعاني بقايا حزب المؤتمر من تزعزع عميق في رؤيتها للواقع ولمستقبلها. أشبه بأسرة وجدت نفسها بلا مرشد داخلي. تملك المال والطموح والميراث السياسي العام، لكنها تفتقد للقدرة على الوقوف بذاتها. لديها إحساس عميق بفقدان الثقة بالذات؛ وهو شرط لأي كيان سياسي؛ كي ينجح في تقديم نفسه كحامل جديد للحلم، ويتمكّن من اختراق الواقع والظهور بصورة مسيطرة على المستقبل.
تملك بقايا حزب المؤتمر صورة متضخِّمة عن الأمس مقابل إحساس بالتهاوي تجاه الغد؛ تصوّرا خياليا عن مكانتها السياسية المفترضة فيما ليس في متناولها سوى شظايا لكتل سياسية تفتقد لأي أرضية متينة، أو صمغ أيديولوجية يمنحها المتانة والقدرة على السير بموثوقية.
تحيا أسرة عفاش وهي دائمة التلفّت نحو الوراء، يحاولون إظهار سيرهم نحو الأمام؛ فيما تكمن روابطهم في ماضٍ ثقيل؛ يستحيل لإرث مرهق بدلًا من أن يكون مصدر دافعية أو عامل قوة للصعود نحو ما يطمحون إليه؛ هذه السِّمة ليست مؤشرة إلى فيض عافية ولا عامل يمكن التباهي به؛ بقدر ما هو كابوس يشوِّش أذهانهم، ويدفعهم نحو مزيد من الصبيانية والعمى الشامل.
يُلوِّحون بصورة أحمد علي (نجل الرئيس الراحل) كما لو أنّهم يرفعون شفرة سحرية للنَّجاة، ووعدًا للجماهير بالخلاص القريب؛ فيما الحقيقة أنّهم يؤكدون عطالتهم بواسطة هذه الأماني الطفولية، واللافتات المطمورة في الذاكرة.
نحن أمام محاولات لبعث صنم لا يعدهم بشيء، ولم يعد قادرًا حتى على طمأنة نفسه.
الخلاصة: كان رحيل الرئيس صالح فرصة لحزب المؤتمر كي يتحرر من حالة الانحباس الذي أدخله فيه رئيس الحزب، والشروع بإعادة تأسيس وجوده السياسي بطريقة يتخفف فيها من هيمنة الأسرة ومحدودية الرؤية لجانب التخلّص من نزعة التقديس والطابع الصّنمي لقيادات الحزب؛ لكن كلّ هذا لم يحدث.
ما يؤكد افتقار الحزب لأي قوى خلاقة في بنيته القيادية، ضآلة ما يتمتع به من ذخيرة بشرية مؤهلة للإمساك بالرآية، واجتراح طُرق جديدة للمسِيْر.