مقالات
أسبوعٌ في إسطنبول.. صورة اليمن أمام العالم
ما من زيارةٍ واحدةٍ لإسطنبول تشبهُ أخرى، ولا إسطنبول، بين زيارةٍ وأخرى، هي ذاتُ المدينة التي نرى ونعرف. فكلُّ ما فيها يبدو متبدِّلًا: الأرض، والحياة، والبشر.
تستعصي الإحاطة بمسارات إسطنبول في التاريخ، وبمساراتها في السياسة والاقتصاد، وتقلباتها بين المبادئ والمصالح. لكنها تظل، بحكم موقعها الجغرافي، ممسكةً بخناق العالم، ليس فقط من خلال هيمنتها على أهم ممراته المائية، ولكن أيضًا عبر إمساك تركيا بكثيرٍ من القضايا والملفات الإقليمية والدولية، وعلى أكثر من صعيدٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ عام.
الأسبوع الماضي كان اليمن محورَ نقاشٍ مكثَّفٍ في مؤتمرٍ دوليٍّ نوعيٍّ شاركت فيه مجموعةٌ من الخبراء والباحثين اليمنيين والأجانب. خُصِّص المؤتمر للنظر في "الصورة" التي ترسمها وسائل الإعلام الدولية لليمن أمام العالم، وإلى أي مدى تؤثِّر تغطيات تلك المؤسسات الصحفية لتطورات الوضع في اليمن على السياسات ومراكز صنع القرار إزاء هذا البلد، في ظلّ حرب السنوات التسع التي شهدها، والتي لا تزال تجرُّ بذيولها في حالةٍ من اللا حرب واللا سلم.
قُدِّم خلال هذا المؤتمر، الذي نظمه مركز (المخا) للدراسات الاستراتيجية، عددٌ من الأوراق البحثية من قبل المشاركين، تناولت أهم قضايا النزاع القائم في اليمن، وكيف تعاملت معه مختلف وسائل الإعلام الدولية. كما تطرقت بعض تلك الأوراق إلى أثر هذه التغطيات على مزاج الرأي العام والطبقات السياسية والأحزاب والحكومات، خصوصًا في الغرب، وكيفية تعاطيهم مع الشأن اليمني، خاصةً في ضوء تداعيات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان. كما ناقشت الأوراق كيفية التعامل مع هجمات الحركة الحوثية المدعومة من إيران على إسرائيل، وعلى ما تُسمَّى بالسفن التجارية وناقلات النفط ذات العلاقة بإسرائيل، وذلك في البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، وبحر العرب.
خلص معظم أوراق العمل المقدَّمة، وكذلك مداخلات المجموعات السياسية والإعلامية اليمنية التي شاركت في المؤتمر، إلى أن سرديات الصحافة العالمية لمجريات الصراع في اليمن لا ترسم "الصورة الكاملة" لما يحدث في هذا البلد بصورةٍ وافية، متوازنة، ومحايدة.
كما تفاوتت تقييمات المشاركين في المؤتمر للأثر الذي تتركه تغطيات الإعلام الدولي للشأن اليمني على صُنَّاع القرار في العالم، بخصوص مستقبل اليمن وكيفية التعامل معه. وركَّزت الأوراق بشكلٍ خاص على ضعف الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، وانفلات ممارسات جماعة الحوثيين خارج إطار المصلحة الوطنية اليمنية، وانتهاكها الصارخ للقانون الدولي، وارتباطها الصريح بأجندة ما يُعرف بـ "محور المقاومة" الذي تقوده إيران.
أجمع الحاضرون في هذا المؤتمر تقريبًا على أنه لا بد لليمنيين أنفسهم من تحمُّل مسؤولياتهم في تعديل وتصحيح بعض الجوانب السلبية في الصورة التي يرسمها الإعلام الدولي عن بلادهم. وأكدوا أهمية بناء إعلامٍ يمنيٍّ موازٍ ومؤسسي، قائمٍ -ما أمكن- على الموضوعية والتوازن، بهدف التعريف باليمن وقضاياه أمام العالم، دون انتظار أن يقوم الإعلام الأجنبي بهذه المهمة نيابةً عنهم.
في ظل التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط برمته، وانشغال القوى العالمية الرئيسية بأحوالها، من غير المتوقع أن يحظى الشأن اليمني لدى الصحافة أو الحكومات في الغرب والعالم إجمالًا بالاهتمام ذاته الذي كان عليه سابقًا. بل قد لا يعود اليمن يشكِّل أكثر من ملفٍّ إنسانيٍّ في أفضل الأحوال.