مقالات

الأخلاق والخالق في الكونفوشيوسية: رؤية دينية أم فلسفة أخلاقية؟

04/02/2025, 07:50:01
بقلم : زهير علي

يردد البعض حكمًا أظنه غير دقيق بشأن علاقة شعوب شرق آسيا بالدين، إذ يرى بعضهم أنها حضارة لا تعرف الدين أو الإله! ومن الشائع في الأوساط الثقافية لدينا أن يستخدم بعض غير المؤمنين هذا النموذج للدلالة على إمكانية وجود تصور نظري للأخلاق والدين بلا إله. بل إن بعضهم استشهد بذلك في مقالاته عدة مرات، بشكل يوحي بأنه يصنّفها كاتجاه أقرب إلى اللادينية منه إلى الدين!

إلا أن هذا التصور غير دقيق، والتصنيف المنطقي الأكثر اتساقًا يجب أن يضع الكونفوشيوسية ضمن الأديان أو الفلسفات الدينية، وليس مجرد فلسفة أخلاقية مجردة. ومع ذلك، نجد أن بعض باحثي علم الأديان في الغرب يتبنون رؤية تجردها من صفتها الدينية، انطلاقًا من نزعة شديدة المركزية للحضارة الغربية، بحيث لا يرون أن مصطلح “الدين” ينطبق على أي تصور يختلف عن المفهوم الغربي، أو في أفضل الأحوال، الإبراهيمي الغربي للدين.

إلى درجة أن بعض الباحثين أطلقوا حكمًا متحيزًا مفاده أن بعض التيارات داخل الأديان أو الفلسفات الشرقية، مثل الطاوية والكونفوشيوسية، والتي تتضمن طقوسًا وعقائد، تعدُّ “انحرافًا” عن جوهرها الفلسفي! ورغم وجود بعض المشتركات بين الكونفوشيوسية والأديان الإبراهيمية، إلا أن هؤلاء الباحثين لا يفترضون أي احتمال لوجود تأثير متبادل، ولا يحاولون رؤيتها ضمن تصور مميز لمفهوم الإله أو مفهوم الرسول والمصلح الاجتماعي.

ويبدو أن الغرب والعرب هنا يلتقون في رؤيتهم الدينية، مما يجعلهم متشابكين من حيث انتمائهم المشترك إلى الديانات الإبراهيمية، كما أشار إلى ذلك الدكتور فتحي المسكيني وغيره. كما أنهم لا يفترضون إطلاقًا أن الأديان الشرقية، ومن ضمنها الكونفوشيوسية، قد تشكلت وتطورت من نموذج ديني سابق ربما كان أقرب إلى الأديان التقليدية، وربما اتخذت مسارًا مختلفًا عندما انتقلت من التعاليم الشفهية إلى التدوين مع ظهور الكتابة.

تتضمن الكونفوشيوسية تصورًا واضحًا للإله، لكنه لا يُذكر كثيرًا لأن الإله فيها حالٌّ في الطبيعة، أي أنها قائمة على فكرة وحدة الوجود. وهنا يذوب الإله تقريبًا في الطبيعة، ولا يتم الإشارة إليه كشخص بل كقوة تحرك العالم وتوجد النظام خلف كل التغيرات. وهذا يختلف عن المفهوم الإسلامي للإله المتعالي والمنزه عن الحلول، كما هو الحال في العقيدة الأشعرية والمعتزلية السنية.

لتوضيح البعد الديني في الكونفوشيوسية، أقتبس هنا جزءًا من تعاليم كونفوشيوس التي تشير بوضوح إلى تصوره الديني، وتُبرز أبعادًا أخلاقية متعالية على المادة، مما يجعلها تتناقض مع التصور التجريبي المادي، وبالتالي لا يمكن تصنيفها على أنها أكثر قربًا إلى اللادينية من الدين.

يقول كونفوشيوس في تعريفه للإنسان المتسامي:“الإنسان الأخلاقي والشجاع هو من يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه، ولا يخضع لغريزته، ولا تحركه منفعته ورغباته الشخصية، بل يقف بخشوع في حضرة قوة السماء.”

كما يشير في تعاليمه إلى أهمية الأخلاق الشخصية والاجتماعية كعنصر ضروري لتحقيق سعادة الفرد وتناغمه مع الوجود ومع “الكيان الروحي والأخلاقي الأعلى”.

يتضح من خلال تعاليم كونفوشيوس أن الكونفوشيوسية ليست مجرد فلسفة أخلاقية منفصلة عن البعد الديني، بل تحمل تصورًا واضحًا للإله، وإن كان مختلفًا عن التصور الإبراهيمي. لذا، فإن تصنيفها ضمن الأديان أو الفلسفات الدينية أكثر دقة من اعتبارها مجرد اتجاه فكري أخلاقي مجرد.

مقالات

تحالف جديد.. جولة حرب أخرى

بعد انهيار نظام الأسد في سوريا، والتراجع الكبير لحزب الله في لبنان، تحولت الأنظار نحو اليمن، حيث يمثل الحوثيون ذراعاً ضارباً لإيران.

مقالات

بعد المعلوماتية والإنترنت..ما مستقبل الكتاب في العالم العربي؟

أطلق معرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة السادسة والخمسين للعام 2025 جملةً مِن الأسئلة المثيرة للاهتمام والحيرة معاً، والدافعة للقراءة والتأمل والبحث في آنٍ واحد بشأن ما يواجهه الكتاب والكُتاب والقراء على حدٍ سواء مع التحديات التي تفرضها اليوم آلات البحث العملاقة على الإنترنت، وخصوصاً بعد ما بات يعرف بـ"الذكاء الاصطناعي" المذهل.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.