مقالات

"الأصفر ليس سبونج بوب".. نادية الكوكباني وقصصها القصيرة

01/03/2025, 11:22:40

مجموعة قصص قصيرة للدكتورة القاصَّة والروائية نادية الكوكباني. تشتمل المجموعة على 34 قصة، أو فلنقل أقصوصة، أو "أقصودة" كما كان يحلو للشاعر والأديب الراحل زين السقاف تسميتها.

بدأت القاصَّة نادية رحلتها الأدبية في ثمانينات القرن الماضي، وسافرت من القصة القصيرة إلى السَّرد الروائي.

في مجموعتها «الأصفر ليس سبونج بوب» عودة حميدة إلى البداية، حيث ضمت المجموعة لقطات فنية قصيرة ذكّرتني بمقابلة أجريتها مع الناقد العربي الكبير الدكتور عز الدِّين إسماعيل. فقد رأى أنَّ اللقطة القصيرة (البرقِيّة) هي قصيدة المستقبل، وهي ما يسميها زين السقاف بالأقصودة.

ففي كل لقطة بضع كلمات قد لا تتجاوز أصابع اليدين، أو أصابع اليد الواحدة. عُرِفت القصة القصيرة بـ«اللحظة»، أو «عضو الجسد». ومنذ عقود بدأت الأقصوصة في البُروز، ولكن بشكلٍ محدود. في كل لقطة تختبئ قصيدة أو قصة كبيرة ذات معانٍ وأبعاد كثيرة تتَّسم بالمهارة، وشِدة البراعة.

مِيزة الأقصوصة بالغة القصر اشتمالها على مفارقة شعرية، وفيها قدر من خصب الخيال حد الإدهاش: "لمرات عدة تهوي مِنْ علياء فِردوسِها، ترتطم بنسائه، تتشظى، تحدِّق في أجزائها، تصرخ". ا-ج-م-ع-ن-ي الأحرف الستة هي الشظايا.

ففيها المفارقة الشُِعرية، ورسم اللوحة الرهيبة بالكلمات. اللقطة (اللوحة) رُسمت تحت عنوان «حادث». وما أكثر الحوادث مِنْ هذا النوع في يمننا السعيد سابقًا. كلمات ترسم لوحة، وكلمات تفكك لوحة أخرى.. «لوحة»: "لم تخرجْ من الإطار. كانت تنكمش كل يوم سنتيمترًا حتى تلاشت". بضع كلمات تختزن تجربة حياة ومأساة إنسانية. «لذة»: "مساءاتي يفترسها وجعي، وشهواتك".

وهذا تعبير عميق وصادق عن قول المتصوّفة: "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العِبارة". اللقطات الرائعة جديرة بالقراءة، بل القصة كلها. للمرأة نصيبٌ وافر من الأقصوصة، وإدانة للممارسات الجائرة ضدها.

«شيطان»: "اعتقدها للتسلية، فألقت بجسدها من آخر دُوْر الكرامة". «صفاقة»: "هي وحيدة مثلي. ما الضير لو دفَّأت جسدي، وآنستْ وِحدَتها". والنماذج كثيرة.. «نصائحهم»: "بين «اللازم»، والـ«ينبغي»، و«المفروض» فواصل لم يسألني عنها أحد".

ولا تنسى صاحبة الأقصوصة المأساة في الحرب. "لا تنتظرْ نِهايةَ حربٍ فاجرة!
اصنع لفقدك قَبرَ عِزَّة في طُهر أرضِك. أنعِش ذكرياتك في جوفِ خوفِك، احلم بترميم جروحِك وألمِك في عنفوان مستقبلك، وامضِ في عناق الحياة بشبق ينسيك قذارتها كأنها لم تكن".

في قصة «الأصفر ليس سبونج بوب»؛ و«سبونج بوب» (مسلسل كرتوني ترفيهي للأطفال)، نقرأ فيها ونشاهد مأساة وبؤس الطفل اليمني حاملاً الدبَّة الصفراء لينقل الماء!

كُلُّ ما في المجموعة رائع، وما استوقفني أكثر تحيّتها العظيمة «حياة أخرى لوجوه غائبة»؛ فقد تناولت فيها الدَّور العظيم الذي قام به مراد سبيع في حملته النَّبيلة «الجدران تتذكّر وجوههم».

قام الفنان سبيع، مع مجموعة من الرَّسامين، بالنزول إلى شوارع صنعاء في الثامن من سبتمبر عام 2012، وبدأوا في رسم صور المخفيين قسرًا؛ وهم بالعشرات، ممن داهم جنود الأمن الأشاوس منازلهم وأخفوهم، وبقيت أسرهم تعاني آلام الفقد بحزن شديد، ووجع ممض، وأمل لا ينام؛ ينتظرون عودتهم.
المأساة هي عدم الإجابة عن أسئلة كُلِّ طفلٍ يبكي: "أين أبي؟!".

غطَّى ورسم مراد سبيع وفريقه العشرات من صُور المخفيين في شوارع العاصمة صنعاء الرئيسية. كانت مريم تتبع صور المخفيين؛ منتظرةً رؤية صورة أبيها. لم تعطِهم صورته؛ خوفًا من قيام المعنيين بخطف أخيها.

كانت مريم تشاهد ملثمين يأتون ليلاً ليطمسوا الصُّور أو يشوِّهوها، ولكنها لا تخبر عنهم، وكانت تحسد سلوى قناف زهرة، التي أعطت مراد صورة أبيها «المخفي قسرًا»، مع عشرات المخفيين لثلاثة عقود.

مراد سبيع فنان رائع من اليسار الديمقراطي، وقد قام بدور عظيم في التحدِّي من خلال رسم صور المغيبين قسرًا، وكان في مواجهة شبه يومية مع القوى المسؤولة عن إخفاء مناضلين دافعوا عن الثورة والجمهورية وعن الحرية والعدل وحقوق الإنسان.

واليوم، وبعد أكثر من عقد من الزّمان على رسالة مراد وفريقه، تم مسح صور المغيّبين من جدران شوارع صنعاء، لتحلَّ محلها شعارات ومواعظ تحذِّر النساء من السفور، والخروج، وكأنَّ القيِّميين على مكارم الأخلاق هم وحدهم حُراس الفضيلة، والقائمون على عِفة النساء وشَرفهن.

المأساة الحقيقية هي أنَّ المخفيين، الذين كانوا في الأمس بالعشرات، أصبحوا اليوم بالآلاف.

مقالات

الحرب والسلام في اليمن.. من يضع النهاية الأخيرة للصراع؟

في حراكٍ سياسيٍ لليمنيين، ملحوظٍ في أكثر من عاصمةٍ عربية وغربية، لما بقي من الدولة، والقوى والنخب السياسية المبعثرة في الداخل والشتات، يسعى البعض إلى استغلال الضغط الهائل الذي وفرته الحملة العسكرية الأمريكية على "جماعة الحوثيين" أملاً في إقناعها بالتخلي عن تحالفها مع إيران، والقبول بالعودة إلى الداخل

مقالات

أحمد قايد الصايدي كعالم ومفكر

الدكتور أحمد قايد الصايدي رجلٌ عصامي، بنى نفسَه بناءً مُحكَمًا ومتينًا. منذ الصبا رحل من قريته (البرحي)؛ إحدى قرى عزلة بيت الصايدي بمحافظة إب، التي تلقى فيها تعليمَه الأولي، ثم رحل عنها بداية العام 1954 إلى المستعمرة عدن، ودرس فيها تعليمه الأساسي، الابتدائي والإعدادي، وواصل تعليمَه الثانوي في مصر وسوريا بداية الستينيات.

مقالات

صوت أمل.. لا يُطفئه الزمن

تختزل الفنانة أمل كعدل الفكرة الأعمق حول الفن بكلمات بسيطة وتلقائية. لا تترك لك شيئاً لتقوله ، أكثر مما لمسته بخفة أنيقة، وكأنها تلخص جوهر الفن وفكرته الرفيعة:

مقالات

مجلس القيادة الرئاسي والأسئلة التاريخية (3/2)

السبب الثالث: نستطيع القول إنه إذا كان مجلس القيادة الرئاسي قد تشكل من أغلبية أعضاء كانوا يقفون في الواقع على رأس تشكيلات عسكرية في المناطق المحسوبة على الشرعية، ضف إلى ذلك أنه احتوى مجلس القيادة على عضوية طارق وعيدروس، اللذين كانا يمارسان فعلهما السياسي والعسكري خارج سلطة الرئيس هادي، ثم أصبحا - على إثر مؤتمر الرياض - عضوين في مجلس القيادة الرئاسي، الذي أصبح رأس سلطة الشرعية المعترف بها دوليًا.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.