مقالات

الأعدقـاء

20/09/2020, 14:21:57

"مرات كثيرة قورنت الصداقة بالحب. ولكن لا تولد الصداقة من النظرة الأولى كالحب، بل من شعور أكثر تعقيداً: التشابه في الأفكار والمشاعر والميول". (أوكتافيو باث).

تمخر الصداقات عباب اليقين إلى ضفةٍ في الهزيع الأخير. هناك حيث الصداقات كانت يقيناً، فصارت اليوم "حقيناً " نكرعه بالثوم والبسباس ونغمس به لُقيمات العصيد.

ذات زمن، كان للصداقات اسمٌ تنزَّل من ثُريَّا السماء، كما الآيات المُقدَّسات والصور النورانية المُشعَّة في صميم الروح وحميم الضمير وتلافيف الوعي والوجدان.

نعم، ذات زمن لم يعد يُقيم فينا، بل صار يُقيم علينا الحدّ.. حدّ القتل وهو القاتل، حدّ السرقة وهو السارق، حدّ الزنا وهو الزاني، وحدّ الحرابة وهو الحرابة ذاتها.

"شرُّ البلاد بلادٌ لا صديقَ بها".. (المتنبي).

اذا ذهبتَ إلى سوق الخضار والخبز والسمك، لن تنسى بالطبع شراء ما تحتاج من طماطم وخيار وقرنبيط.. ثم تبتاع ما شئتَ من ثمد أو بياض أو سخلة.. وتُكمل تباعاً اقتناء كل ما تريد من مؤنة.. ستزِنها كلها بالكيلو أو بقدرٍ يزيد أو ينقص منه. وبعد أن تفرغ من التسوُّق لا تنسَ أن تبتاع ثلاثة جرامات من الصداقة الطازجة، واحذر أن تكون حقاً طازجة فأغلبها طاله العفن. لا تدهش، فهذه هي السلعة الوحيدة التي صارت تُباع بالجرام، لا الرطل ولا الكيلو.

" فنذلُ الرجالِ كنذلِ النباتِ

فلا للثمارِ ... ولا للحَطَبْ" . (البستي).

 كانت الصداقة طفلة في منتهى الجمال، تأخذ بالألباب وتلعب بالعقول والأفئدة، وترشُّ رذاذ السحر على رؤوس الجميع بدون استثناء.

وكان الجميع يسير زرافاتٍ ووحدانا، في يد كلٍّ منهم قنديل يستضيء به في الليالي الحالكات.. وفي النهارات أيضاً.

كان قنديل الصداقة أكثر سطوعاً من الشمس وأوسع نوراً من البدر. وكان ديوجين شيخ حارتنا الذي لا يتوانى عن السهر على راحتنا ليلاً ونهاراً.

كما كان هذا القنديل يقودنا جميعنا إلى بحيرةٍ ملأى بالكنوز.. كانت الكنوز هم الأصدقاء.

"و .. حملْنا كنوز صداقتنا 

ووقفنا نُشاكس كلّ الرفاق 

ونُصغي الى بعضنا..

كنتُ أحكي لها عن شجوني الصغيرة

وهي تُحدّق مبهورةً بالكلام" . (ع . المقالح).

هذا زمانٌ صارت فيه الصداقة أرخص من خشاش الأرض وزبد البحر وفُتات المائدة.

واِذْ ترامت على طول البلاد وعرضها أسواقُ سَقْط المتاع، كانت هذي السلعة هي الأقل ثمناً.. وفي أحيانٍ كثيرة كانت تُمنح فوق البيعة، أية بيعة، حتى "البيعة".

اليوم، قد تأتيك الصداقة من سوقها في شكل قرطاس.. أو تُمنح في صورة كأس.. أو تتبدَّى بلا أدنى إحساس.. فالصداقة لم تعد من نفيس الجوهر والألماس.. إنما غدت أرخص من أسوأ مداس.

"وكلُّ صديقٍ ليس في اللهِ ودُّهُ

فاِنّي بهِ في ودِّهِ غيرُ واثقِ" . (أبو العتاهية).

لا تقُل لي: يا صديقي..

ولن أُناديكَ: صديقي..

فقدت هذه الكلمة معناها ومبناها، وفقدنا نحن الإحساس بها والانتماء لها والاتّكاء عليها.

يا هذا.. يا هذي...

كان الأصدقاء ملح الأرض والقلب والوقت والذاكرة... صاروا ملح البحر الميت!.

"في الفجرِ، يدهمُني الرفاقُ كما الندى

  في العصرِ، يحويني الرفاقُ كمُنتدى

  في الليلِ، أحلمُ بالرفاقِ..

  مدىً يُراودهُ الشذى

 لكنَّ أحلامي بهم... ضاعت سُدى".

مقالات

لا ضوء في آخر النفق!

عندما بدأت الحرب على اليمن في 26 مارس، بدون أي مقدّمات أو إرهاصات أو مؤشرات تدل على حرب وشيكة، حيث تزامنت هذه الحرب مع هروب عبد ربه منصور إلى سلطنة عُمان، وكان قرار الحرب سعودياً، ثم إماراتياً خالصاً، تحت مسمى "إعادة الشرعية"، التي في الأصل قامت السعودية بفتح كل الطرق لدخول الحوثيين إلى صنعاء وطرد الشرعية منها، وأن هذه الحرب لم تكن مرتجلة بل مخطط لها لإعادة اليمن إلى ما نحن عليه اليوم، من شتات وتمزّق.

مقالات

هنا بدأت رحلتي

أضواء خافتة تقسم الشارع بالتساوي بين الذاهبين والقادمين، قمر في السماء يوزع ضوءه بين سطوح المنازل وقناة الماء في ميدلبورغ، وأنا أجلس خلف ضوء دراجتي الهوائية، وخلف أمنيتي أن يستمر الطريق بلا نهاية.

مقالات

حديث لن يتوقف!

يومَ أعلن علي سالم البيض بيان الانفصال، في خضم حرب صيف 1994م، تنصَّلت جُل - إنْ لم يكن كل - قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي عن مسؤوليتها تجاه هذا الإعلان المقيت، الذي لم تقوَ حُجَّته أمام كل ذي عقل بأنه كان اضطرارياً، كما حاول البعض الزعم به يومها، إذْ لم يجرؤ أحد على القول إنه يتفق مع مشروع الانفصال.

مقالات

أمير الشعر الحميني عبر كل العصور

"لا توجد كلمات غنائية أصيلة بدون ذرة من الجنون الداخلي". يطِلُ عبدالهادي السودي من بين هذه الكلمات، لكأنها كتبت فيه، وعن سيرته، وتفردهُ شاعراً، وعاشقاً، وصوفياً، وعلامة فارقة لِعصرهِ، وشاغلاً للأجيال من بعده.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.