مقالات
الحركة الحوثية واستعراض فائض القوة خلال الهدنة العسكرية
بغضّ النظر عن جدل التوصيف لما جرى في مؤتمر الرياض، فإن الكثير تفاءل بجديّة الأداء السياسي والوظيفي وحتى الاقتصادي، الذي سوف يتصدّى له المجلس الرئاسي بقيادة الدكتور رشاد العليمي، لا سيما وأن تشكيل المجلس كان برعاية مباشرة لمجلس التعاون الخليجي بعد قراءته للمعطيات التي تكوّنت خلال فترة الانقلاب والحرب في اليمن.
يومها، بدا الهدف من تشكيل المجلس الرئاسي إعادة صياغة تشعبات الشرعية أو القوى السياسية والعسكرية، التي تقف ضد مشروع الحركة الحوثية، وعلى هذا الأساس كانت الفرضيات تقول إن على الحركة الحوثية أن تختار من بين الأقواس طريق الخلاص المناسب لها، بمعنى آخر على الحركة الحوثية مع حدث المجلس الرئاسي أن تختار أخف الضرر في حساباتها السياسية والعسكرية، فإما أن تختار طريق السلام في اليمن، على قاعدة بناء الدولة والديمقراطية، وذلك ما تريده الشرعية؟ وإما تختار طريق الحرب؟ فالشرعية جاهزة للمواجهات العسكرية في سبيل إسقاط الانقلاب، طالما والمجلس الرئاسي سوف يعمل على توحيد الضروري في السياسة، أي تحسين شروط معركة المواجهة العسكرية مع الانقلابيين، ما يعني توحيد القرار والقيادة والهدف على المستوى السياسي والعسكري المفقود من بداية الحرب.
خلال الفترة الماضية، كان كعب الشرعية الأخيل -في نظرة المجتمع الدولي للأطراف المتصارعة في اليمن- يكمن في هلامية الكيان السياسي والعسكري للشرعية على المستوى الوطني، فالشرعية في المثال اليمني لم تكن سلطة سياسية وعسكرية مستقرة في العاصمة، تواجه حركة تمرد مسلحة أو حركات انفصالية في جزء أو محافظة من محافظات الجمهورية، بل على العكس من ذلك نجد الحركة الحوثية الانقلابية هي صاحبة السلطة السياسية والعسكرية المستقرة في العاصمة صنعاء، منذ سبع سنوات، بل إنها تحكم محافظات الشمال باستثناء مدينة تعز وريفها الجنوبي وجزء من الساحل الغربي، ما يعني سيطرتها على ٪70 من سكان اليمن، ناهيك عن سيطرتها الفعلية بقوّة السلاح والحضور السياسي السلطوي، وحتى الأيديولوجي في مناطق سيطرتها، وهذا الأخير تعبّر عنه الحركة في كل حشودها، التي تدعو إليها في العديد من مناسباتها المذهبية وحتى السياسية، والغرض من ذلك توجيه رسائل سياسية تعزز حضورها السياسي تجاه الإقليم والمجتمع الدولي، لا سيما وأن المجتمع الدولي حين يتدخّل في شؤون الصراع داخل أي دولة لا يتدخّل على أساس التعاطي الإيجابي مع تطلّعات الشعوب تجاه المستقبل، بقدر ما يتعاطى على أساس ما هو حاضر من القوى السياسية والعسكرية المنظَّمة على الأرض في أحسن الأحوال، ومع مراكز القوى الفعلية والمؤثّرة مهما يكن شكلها في أسوأ الأحوال.
على هذا الأساس الذي بدا، منذ البداية، فاقدا للحضور الرمزي والسيادي للشرعية اليمنية على المستوى الدولي = {رئيس مغيّب عن العالم في سبع سنوات}، وعلى المستوى المؤسسي في الداخل الوطني، ظلت الشرعية اليمنية في نظر المجتمع الدولي قوى سياسية وعسكرية غير منظّمة وغير فاعلة ككيان سياسي موجود على الأرض اليمنية، التي تحررت من سيطرة الانقلابيين، إذ لم تكن في نظره قابلة للانشطار السياسي والعسكري، وحقيقة ذلك تتجلى بعجز الشرعية اليمنية في خلق نموذج الدولة -ولو في حده الأدنى- داخل الجيوسياسية المحسوبة عليها، أو حتى في خلق سلطة عسكرية موحّدة تدير العمليات العسكرية على المستوى الوطني من غرفة عمليات واحدة خاضعة لوزارة الدفاع، الأمر الذي جعل المعارك العسكرية مع الحوثيين تُدار بطريقة الجزر المنفصلة بعضها، فلم يحدث -خلال سبع سنوات من الحرب العسكرية مع الانقلابيين- أن اشتعلت كل الجبهات العسكرية في وقت واحد، بهدف إضعاف الحركة الحوثية عسكرياً. على سبيل المثال، ظلت مأرب تقاوم الهجوم العسكري عليها حتى أوشكت على السقوط في يد الحركة، لولا صمودها العسكري من الداخل، دون أن تتحرك كل الجبهات العسكرية بشكل حاسم، مع أن الحركة لن تستطيع الصمود شهورا معدودة في حال أن اشتعلت كل الجبهات العسكرية في الزمان الواحد والمكان المتعدد على امتداد الجبهات في اليمن. والأكثر مدعاة للسخرية، أننا نسمع على لسان الشرعية أن الحركة الحوثية تستفيد من الوقت، وتنقل مقاتليها من جبهة إلى أخرى، ما يعني أن الحركة الحوثية تقاتل الشرعية والتحالف بمجموعة من المقاتلين والقناصة!!!
في كل الأحوال، كانت فكرة الحرب والتدخل في اليمن، قادرة على تسويق نفسها لليمنيين تحت مبرر إضعاف الحركة الحوثية "الانقلابية"، وإسقاط مشروعها السياسي /المذهبي/السلالي/ على المستوى الوطني، إلا أن الحسابات السياسية للحلفاء الإقليميين خصوصاً فيما يتعلق بإدارة معركة التدخل والحرب في اليمن، أدت مع طول أمدها إلى تعزيز الحضور العسكري للحركة الحوثية، ليس على مستوى الداخل الوطني، بل تجاه دول التحالف، وهو ما تحقق في ظل نجاح إيران، بتزويد الحركة الحوثية «الانقلابية» بالطيران المسيّر والصواريخ الباليستية، القادرة على ضرب العُمق الخليجي وعصب الاقتصاد العالمي -النفطي-! الأمر الذي جعل الحركة الحوثية تحقق لصالحها معادلا موضوعيا في إدارة معركتها العسكرية ليس مع الشرعية اليمنية فقط، بل مع التدخل السعودي- الإماراتي في اليمن، تحت مقولة وقف الطيران السعودي مقابل وقف سلاح الجو المسيّر.
مع أن الإمارات كانت عملياً قد انكفأت بطريقة أو بأخرى عن مواجهة الحركة الحوثية، مع بقائها فاعلة في جنوب اليمن، وهنا بدأت مقولة العدوان على اليمن فاعلة في تعاطي المجتمع الدولي مع الملف اليمني أكثر من تعاطيه مع مقولة الشرعية والانقلاب، خصوصاً وأن الانقلابات المتناسخة حوّلت الشرعية إلى كيان سياسي هلامي. لهذا فالهدنة، التي يتم تمديدها اليوم من وقت لآخر، هي هدنة عسكرية بين دول التحالف العسكري والحركة الحوثية، وليس بين الشرعية والحركة الانقلابية، ما يعني أن الحسابات السياسية الإيرانية الداعمة للحركة الحوثية في اليمن حققت أهدافها الاستراتيجية، على حساب دول التحالف والشرعية، لا سيما وأن ضرب النفط السعودي المتكرر وتوقيف صادراته إلى دول العالم كان الهدف من ورائه تدويل الحرب اليمنية، أي جعلها -في نظر المجتمع الدولي- حربا بين السعودية والإمارات كطرف وبين اليمن كطرف ثاني، أو بين دول التحالف والحركة الحوثية، أكثر من كونها حربا يمنية بين الحركة الحوثية الانقلابية والشرعية اليمنية، كما أن انعكاسات الحرب الروسية - الأوكرانية على الطاقة زادت من تخوّفات المجتمع الدولي في إقدام الحركة الحوثية على ضرب النفط السعودي.
ما يُطرح على طاولة التنفيذ في ظل هذه الهدنة الجارية هو المطالب المتعلقة بمعادلة الصراع والحرب بين السعودية والحركة الحوثية بقناعة دولية، وهذا ما يفسّر حقيقة أن الحركة الحوثية الانقلابية بعد فتح مطار صنعاء ورفع الحصار عن ميناء الحديدة تتعامل مع مطالب الشرعية، في ظل الهدنة العسكرية، من باب استعراض لفائض القوّة، كما هو الحال مع ملف تعز، ما يعني في النتيجة النهائية أن الحركة الحوثية في ظل هذه المعطيات تعمل على ترحيل ملف تعز إلى حين المشاروات أو المفاوضات السياسية على المستوى الوطني، وهذا لن يكون إلا بعد أن تنجح الحركة الحوثية في مسألة تحييد التدخل السعودي - الإماراتي في اليمن، وهذا سوف يعزز من قوة الحركة الحوثية على المستوى الداخلي أكثر من ذي قبل. كما أن حضور تعز المحاصرة إلى المفاوضات السياسية يعني اشغال تعز الثورة والسياسية والكثافة السكانية بمطالب خاصة بدلاً من حضورها حاملة للمشروع الوطني الكبير، خصوصاً إذا ما تم فرض مشروع الطائفية السياسية في اليمن، وهو ما تعمل إيران على تحقيقه داخل الجيوسياسية العربية، هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية فإن الشرعية في ظل المجلس الرئاسي مازلت تسجّل غيابا على المستوى الوطني والدولي. فالشرعية مازالت بحاجة إلى الكثير من الوقت والإصلاحات حتى تفرض شروطها على المستوى الوطني، والإقليمي والدولي.