مقالات

الشرعية وتجريدها من أوراق القوّة

25/03/2022, 06:08:12
بقلم : محمد صلاح
المصدر : خاص

تدخل اليمن عامها الثامن من الحرب دون أن يتحقق الهدف، الذي تشكّل من أجله التحالف الخليجي، وجرى بسببه التدخل العسكري في البلد، بقيادة الرياض وأبوظبي، المتمثل بالقضاء على الانقلاب.

بل إن سياسة التحالف ساهمت في تعميق الكارثة، وجعلت اليمن أكثر عرضة للتدخلات، والمساومات على الساحة الإقليمية، والدولية، مما كان عليه الوضع في السابق، وأضعفت الشرعية، التي جاء بطلب منها، وذلك عبر خلق كيانات، ومليشيات انقلابية أخرى.

منذ بداية التدخل العسكري، ركّز التحالف الخليجي (الإمارات - السعودية) على تجريد الشرعية اليمنية من أهم أوراق القوّة التي تمتلكها، لتعديل الموازين في الصراع الداخلي، وتعطيها حضوراً أوسع على المستوى الأممي، واهتماما أكبر من قِبل المجتمع الدولي، وهامشا يساعدها على المناورة في خدمة قضيتها الوطنية.

ويتمثل ذلك في هيمنة التحالف على السواحل اليمنية، بل وفرض وقائع تهدف إلى تفكيك الكيان الوطني، بحيث يسهل السيطرة عليه، وتحوّل ذلك إلى هدف إستراتيجي لدول التحالف، لا تكاد تخطئه عين مراقب أو متابع، ولم يعد الهدف إنقاذ اليمن. 

يعد الموقع الجغرافي لليمن  رأس مال اليمنيين، كما تعتبر اليمن مركز الثقل السكاني في الجزيرة العربية - مهما شكّل ذلك من أعباء في أوقات الضعف - إلا أنّها تشكّل أهم أوراق القوّة التي تمتلكها بلادنا، وتدفع العالم لإعطائها أولوية في التعامل، والمساندة للخروج من أزمتها، غير أن التحالف ركّز كل اهتمامه على ضرب عوامل القوّة وتفكيكها، من خلال منع الحكومة اليمنية من إدارة المحافظات المحررة، واستغلال الموانئ، واستثمار المشاريع الاقتصادية في البلد، الأمر الذي أضعف الحكومة، وأربكها.

وبالعودة إلى التاريخ، لا لروايته، بل لمعرفة الدور الحيوي للسواحل، في حياة بعض القوى، والدول التي برزت على الساحة اليمنية، مستندة في سيطرتها على الموانئ، يمكن أن نوضّح ذلك من خلال بعض النماذج.

في عصر الدويلات تمكَّن الزياديون، والنجاحيون، من البقاء على الساحة السياسية، كقوى منافسة ذات حضور فاعل ومُهم في تاريخ اليمن الإسلامي، وذلك بسبب السيطرة على السواحل، والاستناد على عائدات الموانئ في تلك المناطق. 

غير أن أياً من تلك القوى لا ترتقي إلى الدور الذي وصلت إليه الدولة الصليحية، أو الرسولية، التي تمكّنت كل منهما من جمع الساحل والداخل تحت حكومة مركزية واحدة، ويمكن أن نؤكد أن استمرار حكم الرسوليين، واستقرار اليمن في عهدهم أكثر من عهد الصليحيين، جاء نتيجة لاهتمامهم  بالسواحل، وتجارة البحر، وعوائدها التي رفدت خزينة الدولة، وأعطتها القدرة على مواجهة المصاعب، والتصدّي للمتاعب لفترة أطول، على عكس الدولة الصليحية التي ظل اهتمامها بالداخل أكثر من الساحل.

كما ساعد كلا الدولتين في البروز والحضور على الساحة الدولية، بصورة تفوق كل الدويلات التي سبق وعرفها البلد، وأعطاهما القدرة على التأثير في الداخل والخارج.

فكان للدولة الصليحية حضور ثقافي، بل وسياسي مؤثر في الجزيرة العربية، وقد امتد إلى الهند من الناحية الثقافية، وأعطاها حظوة كبيرة في مصر خلال زمن الدولة الفاطمية، التي كانت تربطها بالصليحيين علاقات روحية، ومذهبية. بينما وصل التأثير الرسولي إلى سواحل شرق أفريقيا، حيث "امتد نفوذ بعض السلاطين الذين جاءوا بعد السلطان "المظفر" يوسف بن عمر علي رسول (مثل السلطان الأفضل العباس بن علي في فترات قوتهم إلى السواحل الشرقية لإفريقيا، فضموا إليهم الجهات المواجهة لسواحل تهامة، بما في ذلك ميناء زيلع، وجعلوا هذه الجهات تُحكم من قِبل والي تهامة اليمن من الناحية الإدارية"  [د. طه عوض حسين هُديل "التمردات القبلية في عصر الدولة الرسولية"، صـ321].

 وعلى المشهد الدولي، سعي ملوك الصين، وسلاطين الهند لإقامة علاقات مميّزة مع حكامها.

وهذا ما يؤكد أهمية الموقع، ودوره في حضور اليمن على المستوى العالمي، ليس في عصر معين، ولكن في كل المراحل التاريخية، ويمنح أي حكومة مركزية على تغطية نفقاتها.

كما سهَّلت الصراعات السياسية بين القوى المحلية، والاقتتال على السلطة بين الزعامات الداخلية، للخارج التدخل في شؤون اليمن، بل والسيطرة على البلد. 

ومن أمثلة ذلك، أن رحى الحرب، التي كانت تدور بين الدولة الطاهرية والإمام شرف الدين، أغرت المماليك -بعد رفض عامر بن عبدالوهاب التعاون معهم بعد استنجاده بهم لمواجهة البرتغاليين واعتداءاتهم - للتدخل والسيطرة على المدن التهامية، بل ووصولهم إلى صنعاء، حيث استغل الإمام شرف الدين الخلافات بين المماليك وبني طاهر، وعرض عليهم المساعدة في التخلّص من عامر، وقد تحقق لهم ذلك بدخول قوات المماليك إلى صنعاء، وتمكنوا من قتل السلطان الطاهري على أبوابها، في الوقت الذي كانت فيه المدينة محاصرة من قِبله.

كما أن توسّع أزدمر باشا القائد العثماني فيما بعد، لم يكن ليحصل لولا الصراع الذي احتدم بين الإمام شرف الدين وابنه المطهر على السلطة، إذ "شغلهما عن صد تيار التوسّع العثماني في أرجاء اليمن" [فاروق أباظة "الحكم العثماني في اليمن"]، حيث استولى الترك أثناء ذلك النزاع على المنطقة الممتدة من تعز جنوبا إلى جيزان شمالا. 

ثم تقدم الوالي أزدمر من زبيد تجاه صنعاء، وتمكّن من هزيمة المطهر حينها، و"دخل صنعاء بمعاونة بعض أتباع المطهر في سنة 1547م بعد أن سفكت دماء كثيرة، ونهبت المنازل والمتاجر أثناء سقوط المدينة في قبضة العثمانيين" ["المصدر نفسه"، ص26].

خلال القرن السادس عشر الميلادي، كانت أساطيل البرتغال تحوم حول سواحل اليمن، وبسبب ذلك طلب السلطان الطاهري عامر بن عبدالوهاب من السلطان قانصوه في مصر مساعدته لمواجهة الأساطيل البرتغالية، ثم -وبمشورة من أحد وزرائه- رفض التعامل مع جنود المماليك بعد وصولهم إلى سواحل البحر الأحمر، خشية أن يغريهم ذلك في السيطرة على اليمن، وكان مردّ ذلك جهلاً منه بحقيقة المتغيّرات الدولية، التي حصلت آنذاك، ونتج عن سياسته الخاطئة أن ضربت الدولة الطاهرية، وزالت من الوجود.

 واليوم تم الاستنجاد بالتحالف من قِبل الرئيس هادي لمساعدة اليمن ومساندته، ولم ترفض الشرعية كما فعل عامر، بل تجاوبت معه، لكنّها -للأسف- سلمت للتحالف كل شيء، وكانت النتيجة هي غياب الشرعية، وتضاءل دورها، والخوف أن يكون مصير الدولة اليمنية اليوم، هو المصير ذاته للدولة الطاهرية قبل قرابة خمسة قرون.

إن تفريط قيادة البلد السياسية، وخضوعها للضغوطات الخليجية، في التنازل عن فرض سيادة الشرعية على موانئ البلد المتعددة، وإدارة المحافظات المحررة، لا يعفيها من المسؤولية، فخضوعها لضغوطات الخليج ساهم في إطالة أمد الحرب، وسهّل للتحالف الخليجي تحقيق أجندته الطامعة في البلاد، وقادها إلى أخطار، لا تقل عن الانقلاب الذي أشعل الحرب، وأدى إلى التدخل العسكري، بحجة التصدّي لإيران حتى لا تهيمن على سواحل اليمن عبر حلفائها الحوثيين.

مقالات

لا ضوء في آخر النفق!

عندما بدأت الحرب على اليمن في 26 مارس، بدون أي مقدّمات أو إرهاصات أو مؤشرات تدل على حرب وشيكة، حيث تزامنت هذه الحرب مع هروب عبد ربه منصور إلى سلطنة عُمان، وكان قرار الحرب سعودياً، ثم إماراتياً خالصاً، تحت مسمى "إعادة الشرعية"، التي في الأصل قامت السعودية بفتح كل الطرق لدخول الحوثيين إلى صنعاء وطرد الشرعية منها، وأن هذه الحرب لم تكن مرتجلة بل مخطط لها لإعادة اليمن إلى ما نحن عليه اليوم، من شتات وتمزّق.

مقالات

هنا بدأت رحلتي

أضواء خافتة تقسم الشارع بالتساوي بين الذاهبين والقادمين، قمر في السماء يوزع ضوءه بين سطوح المنازل وقناة الماء في ميدلبورغ، وأنا أجلس خلف ضوء دراجتي الهوائية، وخلف أمنيتي أن يستمر الطريق بلا نهاية.

مقالات

حديث لن يتوقف!

يومَ أعلن علي سالم البيض بيان الانفصال، في خضم حرب صيف 1994م، تنصَّلت جُل - إنْ لم يكن كل - قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي عن مسؤوليتها تجاه هذا الإعلان المقيت، الذي لم تقوَ حُجَّته أمام كل ذي عقل بأنه كان اضطرارياً، كما حاول البعض الزعم به يومها، إذْ لم يجرؤ أحد على القول إنه يتفق مع مشروع الانفصال.

مقالات

أمير الشعر الحميني عبر كل العصور

"لا توجد كلمات غنائية أصيلة بدون ذرة من الجنون الداخلي". يطِلُ عبدالهادي السودي من بين هذه الكلمات، لكأنها كتبت فيه، وعن سيرته، وتفردهُ شاعراً، وعاشقاً، وصوفياً، وعلامة فارقة لِعصرهِ، وشاغلاً للأجيال من بعده.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.