مقالات

القاضي الإرياني والسعودية وأدواتها

05/08/2022, 13:19:51

هذه مطالعة في بعض أوراق الجزء الثالث من مذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني، التي صدرت مؤخراً، وتغطّي فترة من حكمه تمتد من نوفمبر 1967 إلى اكتوبر 1972م (1)
___________
 بقيت علاقة القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني - رئيس المجلس الجمهوري - بالسعودية علاقة ملتبسة، على الرغم من أن حضوره السياسي طيلة فترة أزمة الصف الجمهوري، بين 63 و1967م، كان في إطار المعسكر القريب من سياساتها المحافظة (الرجعية)، لكنها الجارة التي تريد على الدوام من الجميع أن يعملوا معها ولصالح مشروعها التدميري في اليمن. فعلى النقيض من رغبة سلطة الخامس من نوفمبر، وتحديداً رئيس المجلس الجمهوري الذي كان يشترط لإبرام اتفاقية سلام مع الملكيين: الحفاظ على النظام الجمهوري واستبعاد أسرة حميد الدين من أي تسوية، أو عودتها إلى اليمن، كانت السعودية تسعى إلى إقامة دولة "إسلامية"، وعودة أسرة حميد الدين في إطار موسع للحكم بواسطة أدواتها، تبعاً لمخرجات لقاء الطائف، الذي رتّبه بعض المشايخ مع الملك فيصل في يوليو 1965م. (2)

في الجزء الثالث من مذكرات الرئيس القاضي، يعرّض الإرياني العديد من مواقفه المعارضة للسعودية الداعمة للملكيين، التي تبدأ من عدم التزامها بمقررات مؤتمر الخرطوم - انعقد في أواخر أغسطس 1967 - التي منها تشكيل لجنة ثلاثية برئاسة محمد أحمد محجوب، رئيس وزراء السودان، ووزير خارجية العراق، إسماعيل خير الله، وسفير المغرب لدى لبنان، أحمد بن سودة، لتنفيذ اتفاق ينص على انسحاب القوات المصرية، ووقف السعودية دعمها للملكيين وبيت حميد الدين.
اللجنة وصلت أول مرّة إلى صنعاء، مطلع أكتوبر 1967م، وجُوبهت بمظاهرات رافضة، وصاحبها اعتداءات وتصفية لجنود وخبراء مصريين من قوى مندسّة، استغلت الاحتقان الشعبي والمظاهرات ضد مقررات المؤتمر لتنفيذ مخططها لإلصاق التهمة بتيار السلال، كما هو معلوم، وحاول الرئيس السلال مرراً نفي هذه التهمة غير أن القيادة المصرية اعتبرته مسئولاً مسؤولية مباشرة عن ذلك، لأن علاقة الطرفين كانت قد وصلت إلى الحضيض وقتها، وفاقمها وضع ما بعد نكسة حزيران 1967م.


يرد في المذكرات قول القاضي:
"كانت اتفاقية  الخرطوم بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل  تنص على سحب القوات المصرية من اليمن، وإيقاف المساعدة العسكرية للملكيين من قِبل السعودية. وقد وفّت الـ"ج. ع. م" (مصر) بالتزاماتها، وسحبت قواتها بصورة سريعة، وقد بدأ سحب القوات المصرية قبل حركة 5 نوفمبر1967م، ولكن السعودية لم تفِ بالتزاماتها، بل عملت على عكس ما تم عليه الاتفاق.


(3) كانت السعودية مصممة على موقفها الساعي إلى إسقاط النظام الجمهوري وإعادة بيت حميد الدين للحكم، فتناست اتفاقها مع الرئيس جمال عبد الناصر، وتجاهلت مواقفنا الأخوية الصريحة تجاهها" ص17.
في رده على رسالة المشايخ، في 23 ديسمبر 1967م، قال:


"إن السعوديين لا يريدون سلاماً، وإنما يريدون استسلاماً، يريدون إلغاء الثورة والنظام الجمهوري، وهذا ما هو مرفوض من قِبل جماهير الشعب، ونحن نفضِّل المضي في المقاومة مهما كانت النتائج، على أن نتحمّل مسؤولية المساس بالنظام الجمهوري ومكاسب الشعب اليمني، لأن معناه إهدار كل التضحيات التي قدمها الشعب في سبيل ذلك" ص 27.  


ففي منتصف ديسمبر 1967م، (مع بدء اشتداد حصار مدينة صنعاء من قِبل القوات الملكية المدعومة من السعودية)، أرسل رئيس المجلس الجمهوري برقيّة واحدة للرؤساء والملوك العرب تدعوهم إلى التدخل لإيقاف "العدوان السعودي" على اليمن، جاء فيها:
"منذ قيام الجمهورية العربية اليمنية، بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، التي تعرفون ضرورتها لإنقاذ الشعب اليمني العربي المسلم من حياة التخلف والظلم والشقاء، في ظلِّ الأوضاع السابقة، وحكومة المملكة العربية السعودية تتدخل بشكل سافر في شؤوننا الداخلية بدفع الذهب والسلاح، واستقدام المرتزقة الأجانب وتدريب وإيواء المخرِّبين، مبررة ذلك كله بخوفها من وجود قوات مصرية في اليمن، منادية دوماً  بضرورة ترك اليمن لليمنيين، وجاءت اتفاقية الخرطوم بين الملك فيصل والرئيس جمال عبد الناصر لتنصِّ على انسحاب  القوات المصرية مقابل إيقاف السعودية مساعداتها للمخرّبين، وها قد نفذت 'ج ع م' {الجمهورية العربية المتحدة} تعهدها كلية، في حين ضاعفت السعودية مساعداتها العسكرية والمالية لأعداء الشعب اليمني، في صورة غزو محموم  بكميات خيالية من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والسيارات العسكرية، وأكياس الذهب الكثيرة، لمحاولة فرض حكم الأسرة المنحلة على إرادة الحياة والتطور لشعب عربي مسلم يرفضها متمسكاً بحقه الشرعي في التطور والاستقلال والتحرر. ص 33-34.


في رسالة ثانية للملوك والرؤساء العرب، في 7 يناير 1968م، قال:
"إن السعودية تنفق الملايين من الذهب لتسفك به دماء إخوانها اليمنيين العرب المسلمين، ولتدمير القرى والمدن اليمنية، بينما لا تعطي هذه الحكومة من ثروات شعبها الطائلة لقضية العرب والمسلمين، قضية فلسطين، إلا على كرهٍ عطاء متبوع بالمنّ والأذى" ص 68.


ما يهمني من هاتين الرسالتين هو الموقف الصريح للقاضي الإرياني من السعودية، رغم تحالفه مع أقرب أدواتها لتنفيذ انقلاب الخامس من نوفمبر 1967م، الذي أطاح بحكم الرئيس السلال والاتجاه الموالي لمصر، الذي ضعف بسبب نكسة صيف 1967م، وبسببه تقوَّى الاتجاه الموالي للسعودية في بنية الحكم وعلى وجه الخصوص داخل المجلس الجمهوري الذي كان القاضي على رأسه، الذي تشكّل أول مرّة من القاضي الإرياني والأستاذ أحمد محمد نعمان والشيخ محمد علي عثمان، والقاضي عبد السلام صبرة والفريق حسن العمري قبل أن يستقيل النعمان منه بعد أقل من أسبوعين.

عملت السعودية في سنوات حكم القاضي الإرياني (نوفمبر 1967- يونيو 1974) على إضعافه بشتى الوسائل بإنتاجها مراكز قوى متعارض كلها تدين بالولاء للرياض تقريباً، بما فيها مشايخ القبائل المحسوبين على الجمهورية، الذين استطاعت السعودية شراءهم بالذهب - منذ لقاء الطائف المشار إليه - ويرد في هذا الجزء من المذكرات:
"وكانت {السعودية} قد خصصت للأمير محمد بن الحسين، الذي كانت تعوّل عليه احتلال صنعاء، ثلاثين مليون ريال سعودي كل شهر، أي مليون ريال يومياً، فكان يبذل للقبائل بذل من لا يخشى الفقر؛ كانت الاغراءات أقوى من كل القيم والمواعيد، وأكد القبائل بذلك أنهم  إنما يقاتلون للحصول على المال والسلاح، ويجعلون وجود المصريين ورئاسة السلال مبررات لأن يقاتلوا أنفسهم ويسفكوا دماءهم بأيديهم. كانت القبائل المهادنة، وحتى القبائل التي كانت موالية للجمهورية ومحاربة في صفها كانت تنقلب على الجمهورية وتنظم إلى الملكيين" ص 17.

وجاء في رسالة بعث بها من الحديدة إلى الفريق حسن العمري، في 22 يناير 1967- قبل فك الحصار بنحو عشرين يوماً:
"إن أملنا قد خاب في قبائلنا الذين لاهَمَّ  لَهُم إلاَّ ابتزاز أموال الدولة بدون عمل مجدٍ، ونحن إذا استبعدناهم جاءتنا المشاكل من كل حدب وصوب، ولا سيما وأن العدو على الأبواب، وإن زدنا في عطائهم زادوا في أطماعهم، وهذا ما يرهق أعصابي ويثقل ضميري" ص 78..

(يتبع)
__________________________
(1) مذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني، الجزء الثالث 1967- 1972م - الطبعة الأولى 2022.
(2) كل المشايخ الذين ذهبوا إلى الطائف للقاء الملك فيصل كانوا محسوبين على الصف الجمهورين واستغلوا خلافاتهم مع السلال والقيادة المصرية بعد مؤتمر خمر للإقدام على هذه الخطوة، التي استدعت بدورها قيام القيادة المصرية بخطوة مباغتة للتقارب مع السعودية، لقطع الطريق على المشايخ، وذلك بزيارة عبد الناصر للسعودية ولقائه بالملك فيصل وتوقيعهما اتفاقاً سياساً إشكالياً، يتصل بقضية الحرب اليمنية عُرف في الأدبيات السياسية باتفاق جدة.
(3) الاتفاق المبرم في الخرطوم لم يكن سوى إحياء لاتفاق سابق أبرمه الرئيس عبد الناصر والملك فيصل في جده في أغسطس من العام 1965م، الذي نصّ في بعض فقراته أن تقوم السعودية على الفور بإيقاف كافة عمليات المساعدات العسكرية بجميع أنواعها أو استخدام الأراضي السعودية للعمل ضد اليمن، وبالمقابل تقوم الجمهورية العربية المتحدة (مصر) بسحب كافة قواتها العسكرية من اليمن في ظرف عشرة شهور.

مقالات

"صنعــانايا"

"اجتاحوا المدن، وأعدموا الجنود، وتسللوا إلى مساكن خصومهم السياسيين ،والتقطوا الصور داخلها، بل وأرسلوا الصور والفيديوهات لأصحابها".

مقالات

اليمنيون ينتظرون زلزالا!

السعودية تدرك حجم الفساد في الشرعية، وتدرك حجم الانقسامات بين أعضاء مجلس الثمانية الضعفاء في كل مواقفهم المتناقضة، ومصالحهم المتفرقة بين الإمارات والسعودية، ولذلك تركت الاقتصاد هناك ينهار إلى حدٍ ما.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.