مقالات

المقالح كلمة اليمن الخالدة (4)

01/02/2023, 06:46:20
بقلم : محمد صلاح

لعبت المدرسة المتوسطة، خلال السنوات الثلاث التي تم فتحها، دوراً مهما وفاعلاً على مستوى الوعي، وفي ضخ ثقافة جديدة وعصرية في عقول التلاميذ، استطاعت أن تزاحم الثقافة القديمة المترسخة منذ حقب طويلة، في مدينة حجة، بل أزاحتها وتفوقت عليها داخل المدرسة.

يحدثنا المناضل والثائر السبتمبري عبدالوهاب جحاف -زميل الدكتور المقالح في المتوسطة، ورفيقه في العمل الوطني خلال الإعداد لثورة سبتمبر- عن أثرها فيقول: "كانت المدرسة المتوسطة بداية الطريق، لقد علمتنا كيف نتعلم ونشق الطريق إلى المستقبل" [عبدالوهاب جحاف حقائق ومواقف، ص15].

كان الهدف من إغلاق المتوسطة، ونقل الطلاب إلى المدرسة العلمية في مدينة حجة هو إعادة توجيههم، وإبعادهم عن تأثيرات الأحرار، التي ظهرت على التلاميذ، من خلال تطلعهم وتبنِّيهم لقيم الثقافة العصرية الجديدة، التي قدح شراراتها في أذاهنهم المستنيرون. وكان ينظر إليهم عند نقلهم إلى العلمية كما يقول السفير جحاف: "أما نحن -المنتقلين- إلى المدرسة العلمية، فقد كانت النظرة إلينا غير سليمة؛ لأننا أصبحنا عصريين ولا بد من تربيتنا وتأهيلنا من جديد.. لكي لا نؤثر في زملائنا أبناء المدرسة العلمية" [المصدر نفسه ص17]. 

كان أهم ما ترافق مع انتقاله للمدرسة العلمية هو السماح لأحد العلماء المستنيرين للخروج وتدريس الطلاب، وكان لهذا العالم الشاب أثر كبير على طلابه، وكان الدكتور المقالح أحد أهم وألمع تلامذته، والمقربين منه، فعلى يديه قرأ أغلب المؤلفات الأدبية والتاريخية والفكرية، لكتاب النهضة العربية، وروّاد التجديد في الأدب.

ويقول عنه الدكتور: "كان من حسن حظنا ان يتلقانا في تلك المدرسة شيخ شاب مستنير جمع بين افضل ما في ثقافة السلف، وأنقى ما في فكر العصر. وحاول ان يكون صورة من الافغاني ومحمد عبـده والكواكبي، وبقيـة الرعيل الرائد من جيل مرحلة التنوير المحيطة، ذلك الجيل الذي استمد طاقته من جذوره القديمة، ومن تعامله الواعي والمتـزن وغير الذاهل مع كل مقومات العالم الجديد كان ذلك الشيخ الشاب يلقي علينـا صبـاح كل يوم في صحن الجامع دروساً مبسطة في النحو والبلاغة العربية، وبعد ظهر كل يوم كان يمضي بنا الى غرفة أو (منزلة) من المنازل التي كانت تحيط بالجامع ويقيم بها طلاب العلم من غير ابناء المدينة، لكي يقـرأ لنـا بعض الكتب العصرية المحرمة للمنفلوطي والرافعي وعبـد القـادر المغربي ومحمد عبده" [د. عبدالعزيز المقالح "أحمد الحورش الشهيد المربي"، ص5].

غير أن الإمام أحمد سرعان ما حرم الطلاب من اللقاء بشيخهم، ونقل ذلك الأستاذ من سجن قاهرة حجة، وأرسله إلى سجن انفرادي لا تصل إليه الشمس، وقد كان المقالح هو أقرب الطلاب إلى معلمه، وحينما عرف مكان السجن الذي يقبع فيه شيخه أحمد بن محمد الوزير، بادر بكتابة رسالة له، وأرسلها مع السقاء الذي يحمل الماء، وكان "لا بد أن نحاول الاتصال بشيخنا السجين باعتباره المثال النموذجي للعالم وللوطني وللمدرس المعاصر، وكانت الرسائل هي الوسيلة الوحيدة للاتصال، وكنت أكثر زملائي كتابة واتصالا، ولم أكن اتصور ان رسالة تلميذ بريء قد تقع في يد الحارس الصغير، ومنه إلى الحارس الكبير لتصل إلى الحارس الأكبر، وتصبح تهمة أقل جزائها السجن في (نافع)، وقد حدث ما لم أتصوره، فقد وقعت واحدة من رسائلي في يد الحارس الصغير، ومنه إلى بقية حراس النظام المذعور من رسائل التلاميذ، وكان جزائي السجن"، [المصدر نفسه].

كانت الكارثة في وقوع الرسالة بأيدي السجانين، وقد كتبت بشفرة كان يتم استخدامها فيما بينهم آنذاك، فقامت قيامة السجانين، ورقباء الإمام حول الأمر، ونتيجة لذلك اقتيد إلى سجن نافع، وظل فيه شهراً كاملاً.

ومنذ تلك اللحظة في عام 1953م، قرر أن يكتب عن أعلام الحرية، والنضال، وذلك بعد أن ذاق مرارة السجن، وشاهد الأهوال بداخله، وهو لم يزل في سن الرابعة عشرة من عمره. وكانت الكلمة والرغبة الجامحة في الاطلاع، والتزوُّد بالمعرفة هي من قادته إلى ظلامة (نافع) ذلك السجن الرهيب، الذي قضى فيه أحرار اليمن زهرة شبابهم، وحينها نصحه أحد رجال الثورة أن يغادر اليمن إلى القاهرة، بعد خروجه من السجن، غير أن أوضاعه المالية، والظروف المحيطة به، لم تكن تسمح له بذلك، كما أن الظروف قد أعدته للقيام بفعل أهم وأكبر.

وخلال هذه الفترة، بدأ كتابة الشعر، واكتشاف موهبته الأدبية في عام 1953، وكانت هذه "أول محاولة من حيث خلوها من الأخطاء العروضية لا من حيث كونها شعراً، هي أبيات كثيرة كتبتها على إثر وفاة شقيقي الذي توفي صغيراً وأنـا فـي الرابعة عشرة"، وقد شارك في تقويمها، ونقدها كل من الشاعر أحمد المروني، والقاضي عبد الله الشماحي.

مقالات

أبو الروتي (3)

(لحظة انطلقت بنا السيارة شعرت بأنّي كبرتُ، ولم أعد طفلا) فيما رحت أتقدّم باتجاه بيت جدي علي إسماعيل، تذكّرت كلام جدتي، وهي تودّعني عند مشارف القرية، وتقول لي:

مقالات

المساندة لكيان الاحتلال والأكفان لفلسطين!

منذ البدء؛ اختارت الكثير من الأنظمة العربية توزيع الأكفان في غزة. كان ذلك يختصر كل شيء: نتنياهو مطلق اليد، يتولى ذبح الفلسطينيين، بينما ستحرص هذه الأنظمة على أن يكون تكفين الضحايا عربياً خالصاً!

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.