مقالات

اليمنيون وفلسطين في ثلاثينات القرن الماضي ( 1- 3 )

18/05/2021, 07:00:53
بقلم : محمد صلاح

منذ عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، والوجدان اليمني مرتبط بقضية فلسطين، وشعبها، ارتباطاً وثيقاً، سواء كان اليمنيون في الشمال المعزول عن العالم، أو الجنوب القابع تحت قبضة الاستعمار. وسواء كانوا في مهاجرهم، أو داخل الوطن، فإن موقفهم المساند لقضية فلسطين، ظل ثابتا ومستمراً، فلم تشغلهم معاناتهم، أو النكبات النازلة بهم عن اهتمامهم بما يجري على ساحة القدس.

فما حل بالفلسطينيين من تشرد، وتشتت، وتشرذم، وغياب للأمن والطمأنينة، بسبب الاستعمار البريطاني، منذ نهاية القرن التاسع عشر، واوائل القرن العشرين هو ذاته الذي حل باليمنيين، ودفعهم في جنوب الوطن للخروج والهجرة، والبحث عن سبل للرزق، والحياة خارج الوطن، خلال نفس الفترة، فتشتتوا وتناثروا تحت كل سماء. ومثل ذلك في شمال الوطن حيث ارغمتهم سياسات القهر، والاستبداد، نحو الهجرة والخروج من البلاد إلى أصقاع المعمورة، بحثاً عن عمل يعولون من خلاله أسرهم في الداخل بعد أن ضاق عليهم الوطن، بسبب نهج الإمام يحيى وطريقة حكمه.

إن معاناة اليمنيين المتواصلة، وسعيهم الدائم -رغم تعثرهم- للوصول إلى السلام طوال عقود مديدة، جعلهم من أكثر الشعوب شعورا بمعاناة غيرهم. وقد دفعهم ذلك دون توقف منذ منتصف العشرينات، وطوال الثلاثينات في القرن المنصرم، وحتى اللحظة لتقديم العون، والمساعدة لإخوانهم في فلسطين، بحيث ظلوا يجمعون التبرعات، ويرسلونها لدعم الثوار في بلاد المقدس ضد الاحتلال الانكليزي، والعصابات اليهودية، ولم يقف الأمر على السكان داخل الوطن، سواء في الشمال المعتل حينها، أو الجنوب المحتل، بل امتد بصورة أكبر، وانشط لدى المهاجرين فوق كل أرض تواجدوا عليها، فإن "عذاب اليمني كان إنارة إلى عذاب الآخرين، لأن إنسانية شعبنا لا تنغلق على نفسها وإنما تحب السلام والرخاء للآخرين بمقدار ما تحاول تحقيقهما لذاتها" [عبدالله البردوني قضايا يمنية ص195] فلم تنسهم الويلات التي كانوا يتجرعونها معاناة أهلهم في فلسطين.

نشط عدد من المهاجرين اليمنيين داخل كل مهجر تواجدوا فيه، لجمع التبرعات لصالح فلسطين وثوارها، فكانت تصل مساهماتهم من شرق أفريقيا في الحبشة ونيروبي وممباسا، وغينيا الشرقية، وأوغندا، أو من جاوة، وسنغافورة، والهند، ومن بريطانيا إلى مرسيليا في فرنسا، إلى إخوتهم في فلسطين، حيث كانوا يرسلونها في الغالب إلى الزعيم الفلسطيني المناضل والمفكر محمد علي الطاهر، أحد أكبر القيادات الفلسطينية في القاهرة، وصاحب أهم وأوسع الصحف العربية آنذاك انتشاراً، وعبره كانت تصل إلى داخل أراضي فلسطين، ومثل ذلك كانت التبرعات تجمع في عدن من قبل الاندية الثقافية، ومن لحج وحضرموت، ومن الأعروق في حيفان بمحافظة تعز أو من ذبحان، وترسل إلى جريدة الشورى باسم الطاهر، وذلك منذ العقد الثالث والرابع في القرن الماضي، " لقد أحس اليمني - بأصالة - أن تحرر أي شعب يؤدي إلى تحرره هو، لأن التحرير كالضؤ سريع الامتداد، على حين الظلام قابل للانحسار" [المصدر السابق] لهذا لم يتردد اليمنيون عن مد يد العون في مساندة الآخرين، وكيف يترددون والقدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، هي من تحتاج لمبادرتهم في المساعدة.

ومثلما وقف اليمنيون مع إخوانهم في فلسطين، في حدود استطاعتهم، فلقد كان لرجال فلسطين، وللصحافة الفلسطينية، وخصوصاً الجرائد الثلاث: "الشورى" و"الشباب" و"العلم المصري"، التي كان يصدرها الشيخ محمد علي الطاهر أحد زعماء النهضة العربية في النصف الأول من القرن العشرين، أكبر الأثر في دعم القضية اليمنية، والتعريف بها لدى الرأي العام العربي في مشارق الأرض، ومغاربها، ولقد كان اهتمامه منصبا على البلد بأكملها شمالاً وجنوباً، ومناصرا لأبنائها، والوقوف مع رجال الحركة الوطنية، وتغطية الأحداث التي كانت تجري على ساحتها، بل وامتد دور تلك الصحف لمتابعة أخبار اليمنيين في المهاجر المختلفة، والوقوف مع قضاياهم، والدفاع عنهم، وعن مصالحهم في وجه القوى الاستعمارية في البلدان الافريقية، والاسيوية، في وقت لم تكن لليمن حكومات تهتم لأمرهم، ولا صحافة تُسمع العالم أنينهم، أو تعبر عن مواجعهم. 

لقد سخرت الصحف التي كان يصدرها الطاهر وهي حينذاك، تحتل أهمية واسعة، وذات شهرة وانتشار حيث كان يقال: ان "الشمس لا تغرب عن شيئين: الإمبراطورية البريطانية، والجريدة التي يصدرها محمد علي الطاهر"، ففتحت صدر صفحاتها لأخبار اليمن واليمنيين، وتبنت قضاياهم، ونشرت عنها، وكانت سيفاً مصلتا على الإمام، والاستعمار، فكان اليمنيون يرسلون إليه من كل مناطق البلد المختلفة شكاواهم من سلطات الإمام، وما تنزله بهم من جور وظلم، ومصادرات للأموال، والممتلكات، أو من ممارسات الاستعمار، فلم يكن يتردد عن نشرها، أو يتوقف عن التنديد بالإمام وابنائه، والمسؤولين في جهازه الحاكم، وذلك لكي يخفف عن الشعب اندفاع بطش السلطات العابثة، رغم العلاقات التي كانت تربطه بعدد من ابناء الإمام، إلا أن مواقفه لم تتبدل أو تتغير. ولقد كتب ذات مرة الأمير شكيب أرسلان مقالة في جريدة "العلم المصري" بتاريخ 8 – 6 - 1939 يدافع فيها عن الإمام يحيى، ويرفض الانتقادات التي تجرح وتقدح به، أو تنال من سياساته، وكان الأمير من أقرب الناس إلى الطاهر، فقد جمعت بينهما علاقات نصف قرن من النضال، والفكر، والهدف، والمصير المشترك، الأمر الذي كان من الممكن أن يجعل الطاهر يخفف من نقده للإمام، لكنه وفي نفس العدد أفسح عمودا للرد على مقالة شكيب أرسلان، وفند فيه كلما طرحه، وعزز ذلك بضرب العديد من الأمثلة حول سوء إدارة الإمام يحيى، وأورد الكثير من الشواهد على صحة الانتقادات التي تنشرها الصحيفة حول سياسات الإمام، واختتم ذلك بقوله بأن "الصحف هنا هي النذير والمذكر، والرقيب على أعمال الموظفين والظالمين" . ومثل ذلك فيما يخص الشطر الجنوبي من الوطن، حيث ظل يناهض الاستعمار الانكليزي، ويفضح طرقه وأساليبه، وما يقوم به مستشاروه في المناطق المختلفة من سن سياسات، وقوانين ترسخ الاحتلال، ويكشف عن عملياته العسكرية، وغارات الطائرات التي كانت تستهدف السكان الآمنين، وتدمر القرى والمناطق، ويظهر ذلك للرأي العام العربي والعالمي، وكان يرد على كل الكتابات، والحملات التي كانت تروج لها سلطات الاحتلال في الصحف والجرائد التي كانت تقوم بتمويلها.

مقالات

برفقة شوبنهاور.. حين يكون اليأس دافعًا أصيلًا للحياة

اليوم الثالث برفقة شوبنهاور، كان اسم هذا الفيلسوف في ذهني، يجلب معه إيقاع "الشوكة". يبدو كئيبًا ويعدك بالقنوط، ولهذا تأخرت في الإصغاء إليه. كنت بحاجة إلى التهيؤ له، ترقُّب تلك الحالة الذهنية الجسورة للاقتراب منه

مقالات

بيع الوطن بالتجزئة

أصبحنا، ونحن ننظر إلى الوطن اليوم، وكأننا ليس في وطننا بل في وطن يمتلكه مجموعة من الناس، الذين يحكمونه بالحديد والنار، ويمتلكون فيه كل شيء؛ من الهواء والطُّرق والسواحل والخطوط الطويلة بين المدن، وكأنهم يملكون الشروق والغروب والهواء والمطر.

مقالات

مقالة في الشعر

هنالك أشخاص يكتبون الشعر، وشعراء يحصلون على الجوائز، وشعراء يتم تكريسهم كأسماء رنانة، وشعراء يتم ترويجهم عبر أجندات وجماعات؛ كل ذلك لا علاقة له بالشعر. كثيرون بلا عدد يكتبون الشعر، لكن الشعراء نادرون.

مقالات

حكاية المُسَفِّلة غيوم عالم (2)

كانت المُسَفِّلَةُ غُيُوْمْ عَالم تدرك بأن عليها لكيما تضمن حرية التنقّل بين العالمين وتمارس مهنتها كمُسَفّلة أن تحتفظ بعذريتها فلا تتزوّج ولا تدع أحدا يقترب منها باسم الزواج، أو باسم الحب، ولأنها جميلة كان هناك من يحوم حولها ظنا منه بأنها، وإن كانت ترفض الزواج، لن ترفض الحب، وكان أولئك الذين خابت آمالهم في الزواج منها يأملون أن يصلوا إلى بغيتهم عن طريق الحب

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.