مقالات

اليمن: فشل الخارج واستنزاف الداخل

31/12/2021, 09:39:04
بقلم : محمد صلاح
المصدر : خاص

تعتبر التحالفات ضرورية لكل طامع في الحكم، وطامح في الرئاسة، وذلك لأن أي جماعة في اليمن لا يمكنها الوثوب، والتغلب بمفردها على السلطة، استنادا إلى عصبيتها الضيقة، ومن هنا ظلت حظوظ القوى المتنافسة، والمتصارعة على الحكم، من نصيب الطرف الذي يمتلك أوسع تحالفات داخل الساحة اليمنية، فإنه "وعبر التاريخ، لم تكن أي عصبية قادرة وحدها على إيصال أحدهم إلى سدة الحكم. والالتزام العصبوي، ومهما كان قويّاً، لم يكن كافياً لتأمين شروط الغلبة التي تحتاج إليها السيطرة على السلطة" [أحمد الأحصب، "هوية السلطة في اليمن"].

هذا وقد ساعد التسامح الديني لدى اليمنيين، ورؤيتهم وتصورهم للحياة، في تسهيل بناء التحالفات بين القوى، والأطراف المحلية المختلفة مذهبياً، كما ساهمت طبيعة التكوين الاجتماعي في البلد على إقامة تحالفات بين قوى وتيارات ذات انتماءات مختلفة.

وكان لطبيعة الصراعات المتواصلة، والحروب العديدة التي خاضها اليمنيون فيما بينهم، أو مع القوى الأجنبية، دور حيوي، وفاعل، في مراكمة تجاربهم في نسج التحالفات خلال الصراعات السياسية.
أيضاً: فإن موقع اليمن الجغرافي، وعلاقات البلد مع الخارج، منذ أقدم الأزمنة، سهلت نسج تحالفات، وإقامة علاقات بين الزعامات المحلية، والقوى الدولية، والأجنبية، متجاوزة حكومات المركز، كما شكل الموقع - في كثير من الفترات التي كانت الفوضى تعم البلاد - حالة إغراء للخارج بهدف السيطرة عليه، والاستفادة من مميزاته لتحقيق مشاريعه على الساحة الدولية.

كما أن لطبيعة الشخصية اليمنية، التي تتميز بالمرونة والاستجابة للأحداث، أثر كبير، في صياغة تحولات، وتبدلات القوى الاجتماعية، والسياسية "فالمجتمع اليمني يتمتع بمرونة وقدرة غير عادية على تغيير مواقفه ومفاهيمه وتعديلها أو استبدالها، وهو شديد التطلع والتجربة لكل ما يسمع عنه أو يعرض عليه، ولا يحس في نفسيته أو في وجدانه ما يعيق فاعلية هذه القدرة وإشباع هذه الرغبة، طالما وأن الظروف الواقعية قد أعطته فرصة حقيقية لممارسة ذلك، فهو لا يتردد ولا يخضع الأمر لموازين الربح والخسارة المادية"، [د. حمود العودي "المدخل الاجتماعي في دراسة التاريخ والتراث العربي - دراسة عن المجتمع اليمني"].

إن حالة التحالفات المتبدلة، والمتغيرة تكشف عن حالة عدم الاستقرار، وضعف الحكومة المركزية، وعجزها عن فرض وجودها على كامل الرقعة الجغرافية، إضافة إلى أن هذه التحالفات سريعة التغير، كان أهم محركاتها في الغالب هو إلى جانب تحقيق الذات وإثباتها يهدف إلى الحصول على المكاسب، سواء كانت مادية أو معنوية، لبعض القيادات الاجتماعية، أو الدينية، أو السياسية، لذا فقد كانت -وما زالت- التحولات السريعة في المشهد اليمني، كما بالأمس، واليوم، غير ذات جدوى في الغالب الأعم للصالح العام، لأنها "لم تكن تنجم عن تكوين الدولة، أو التطور الداخلي لأجهزتها وإنما عن إعادة تحديد الولاءات" [بول دريش "الأئمة والقبائل: كتابة التاريخ وتمثيله في اليمن" ص225، "في كتاب اليمن كما يراه الآخر"].
 وبذلك لم تكن تستمر، إذ سرعان ما تتشكل تحالفات جديدة لتغيير الوضع القائم، أو لحصول بعض القوى على عروض جديدة. وكان لتجاوب الإنسان اليمني، وتفاعله مع الأحداث، نتائج وخيمة في الغالب، "وبسبب هذه الخاصية الجوهرية في التكوين الحضاري والنفسي للمجتمع اليمني دخل بسببها في كثير من أحداث التاريخ البارز بكل ثقله، وخرج منها كاسبا حينا وخاسرا وممزقا أحيانا كثيرة، وبالذات خلال المراحل المتأخرة"، [د. حمود العودي "مصدر سابق"].
 

لن تتوقف الانقسامات داخل الساحة اليمنية، أو تتراجع عملية تبدل ولاءات، وتحالفات القوى طالما استمرت الحرب، وسوف تتواصل تحولات الصراع دون أن تحقق أي نتائج لصالح بناء الدولة اليمنية، طالما ارتهنت القوى المحلية لمشيئة الخارج، لأن هذا يعطل من فاعلية البلد في استغلال عوامل قوّتها، ونهضتها، وخصوصا موقعها الجغرافي، الذي يؤهلها للعب دور في التجارة الدولية، لأن ذلك مرهون باستقرارها، واستقلالها.

كما أن خبرة اليمنيين في التعامل مع الخارج لن تسمح للأطراف الأجنبية أن تحقق مبتغاها، وغايتها، في اليمن، بل ستظل القوى المحلية بقدر ما تستهلك طاقتها، وإمكاناتها في الصراعات، تعمل على استنزاف الآخرين، دون أن يتحوّل البلد إلى منصة لتحقيق أهدافهم، كما لن تتمكن في الوقت ذاته من استعادة عافيتها.

وإذا كانت طبيعة التكوين الاجتماعي في اليمن، والبيئة الجغرافية، قد سمحت بتعدد القوى وتنوّعها، فما هو حاصل الآن في البلاد ليس تعددا للقوى، وإنما تعدد لمراكز الحكم، الذي ظل منتجاً للحروب باستمرار، وقد عاشت اليمن أوضاعاً شبيهة له، خلال عهود عديدة من تاريخها، وكانت تنتهي حيناً بخروج أبطال، وشخصيات قيادية أمثال علي بن محمد الصليحي، الذي قام بإعادة توحيد البلاد تحت راية واحدة، وقضى على تعدد مراكز الحكم، وحقق الاستقرار، وأحياناً أخرى كانت تنتهي بالاحتلال الأجنبي، وفقدان البلد استقلاله كما وقع في القرن التاسع عشر.

مقالات

الوجود كصُدفة..تأملات عن الحرية

كلّ شيء يؤكد أنّ وجودنا مجرد صُدفة. ولدنا دون تخطيط، ولا أهداف محدّدة. كان يُفترض أن تستمر حياتنا مدفوعة بالمنطق البرئ نفسهض. لكنّنا تعرضنا لخديعة وجودية مرعبة، تورطنا في قبول تصورات أولية جعلت وجودنا مقيّدًا للأبد.

مقالات

المصائب لا تأتي فرادى!

قُدِّمَتْ صنعاء على طبق من فضة، أو ذهب، للمليشيات كما لم يحدث من قبل عبر التاريخ، التي بدورها استولت على كل مقدرات الدولة والجيش والشعب في غمضة عين من التاريخ والعالم والزمن، وتحالف أبشع رأس نظام سابق مع أبشع سلطة أمر واقع لتحقيق غاية واحدة

مقالات

نمذجة مقيتة

لطالما ردّدتُ أنني لا أخشى السلطة بقدر خشيتي من كلابها! وعلى القارئ الكريم أن يستبدل مفردة الكلاب بأية صفة أخرى يراها ملائمة. ولعلّ من الأمثلة الساخرة على هكذا صورة مقيتة:

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.