مقالات

انتفاضة البيضاء وفرص الشرعية المهدورة..

10/07/2021, 07:32:07
المصدر : خاص

دونما تخطيط مسبق، انفجرت البيضاء في وجه المليشيا، وبظرف قصير تمكّن الجيش والقبائل من استعادة مناطق شاسعة، هذا النّجاح الخاطف يكشف هشاشة المليشيا، ويعيد تذكيرنا بنقاط قوة الشرعية وقدرتها على إرباك مليشيا الحوثي في مناطق كثيرة، لكنّها لا تستثمر جيداً مساحات المناورة العديدة، تبقيها خاملة، وحين تُفعِّلها أو تتفعل بذاتها لسبب ولآخر، لا تواصل الإمساك بخيط الفرصة والمُضي فيه حتى النّهاية، بل تتعثر وترتبك في منتصف الطريق، وتعود الأمور إلى نقطة الصفر مجدداً. 

البيضاء واحدة من أهمّ المحافظات اليمنية على كل المستويات، محافظة مركزية ونقطة انطلاق محورية في المعركة ضد الانقلاب الحوثي؛ لكنّها ظلت مُهملة من قِبل الشرعية والتحالف طوال سنوات الحرب الماضية، وهذا الإهمال، بقدر ما هو انعكاس طبيعي لرخاوة الشرعية بشكل عام، هناك عامل آخر عزز إهمال الشرعية لهذه المحافظة، منذ بداية الحرب؛ نظراً للطبيعة الحساسة التي تتصف بها محافظة البيضاء، ويتمثل موضوع الإرهاب، ومناطق تمركزه في بعض مديرياتها، عاملًا أساسياً في إبقائها خارج أي اهتمام مخافة إثارة حساسية القوى الدولية تجاه الشرعية. 

والحال هذا، ظلّت البيضاء خارج نطاق أي اهتمام من طرف الشرعية، على الرّغم أن المحافظة أقرب إلى الشرعية منها إلى الحوثي، لجانب أن موضوع الإرهاب لا يبرر الإهمال الكُلي للمحافظة، فقد كان وما يزال بمقدور الشرعية أن تثبت حضورها هناك، وتحيل موضوع الإرهاب من عنصر دافع للحذر وتجنّب التواجد إلى عامل معزز لشرعيتها، بحيث تقدّم نفسها للعالم كطرف رسمي مخوّل بمحاربة الإرهاب كما هو مخوّل بمحاربة الانقلاب وبسط نفوذ الدولة في كامل المحافظة. 

إلا أن ما حصل طوال السنوات الماضية هو أن الحوثي هو الطرف الوحيد الذي بادر منذ بداية انقلابه لحجز موطئ قدم له في المحافظة، ودفع بقواته نحو مناطق كثيرة في البيضاء، واستمر بالتواجد هناك حتى اللحظة، وجود شبه مُسالم بالطبع، فهو لم يلجأ إلى القوة العسكرية لفرض سيطرته بشكل كامل، استخدمها بشكل متفرّق ومحدود، ثم حاول عقد اتفاقيات مهادنة مع كثير من قبائل المحافظة، وكانت هذه استراتيجيته الأساسية، باستثناء قبائل 'الحميقاني'، التي ظلت مناهضة للحوثي، وتخوض معه حرباً متقطعة ومناوشات، بحيث تمنعه من إخضاعها، وبالوقت نفسه لا تتمكن هي من إخضاعه، بمعنى أن المناطق التي ظلت تخوض حرباً مفتوحة مع الحوثي هناك لم تتخذ الحرب فيها استراتيجية منذ البداية، بل صراع مفتوح ومحدود كي تحمي القبائل وجودها من الإذلال. 

الحوثي أيضاً، وكما أسلفنا، تعامل بحذر مع قبائل البيضاء، ورتّب وجوده هناك، انطلاقاً من نهج الهدنة، والاتفاقيات المسالمة، وظل يتجنّب أي تصعيد، ويلجأ إلى التحكيم والتنازل في أكثر من موقف، يلوّح بالقوة لكنه لا يجرؤ على استخدامها بشكل مُفرط؛ لكونه يدرك الكلفة الباهظة لأي مغامرة عسكرية مفتوحة، ولكم في قضية مقتل المرأة جهاد الأصبحي، قبل عامين، نموذجٌ لطريقة تعامل الحوثي مع القضية، بعد أن صعّدت قبائل 'آل عواض' في البيضاء، وانفجرت المعركة بينهم، لكنها انتهت بتسوية وتحكيم حوثي أعاد الأمور إلى وضع التهدئة مرّة ثانية. 

وبالرّغم مما سبق، وسياسة المُهادنة بين الحوثي والقبائل، إلا أن الطبيعة الذهنية والنفسية لأغلب قبائل البيضاء وتوجهها يظل مناهضا للحوثي، بل ويتمتعون بتاريخ جماعي حافل بمناهضة حكم الأئمة ومنحاز للجمهورية منذ زمن، باستثناء وجود طفيف لقبائل ذات هوية زيدية، وتتمتع برابط مذهبي مع الحوثي، ونسبة تواجدها محدودة، مقارنة بالقبائل المناهضة للحوثي على امتداد مديريات البيضاء، وتحديداً قبائل 'يارم' في محيط 'رداع' و'آل السقاف'. 

هذا التقارب الذهني بين القبائل الجمهورية والشرعية يجعل من البيضاء والقوّة القبلية فيها أكثر قابلية للالتحام بالشرعية، والقتال تحت رايتها، إلا أن ضعف تواصلات الشرعية مع القبائل، طوال السنوات الماضية، لجانب خذلان الشرعية مناطق كثيرة تمرّدت ضد الحوثي، وانتهى بها الحال وحيدة ومكسورة، هو ما جعل أغلب قبائل البيضاء المناهضة للحوثي تفضِّل الإبقاء على وضع التهدئة معه، تجنباً لأي حرب غير مضمونة المصير. 

وبصرف النظر عن كل الاعتبارات التي خلقتها الحرب وأسباب التهدئة، وفرص الحرب والسلم، تظل محافظة البيضاء مؤهّلة للانفجار ضد الحوثي في أي لحظة، والحرب الأخيرة التي اندلعت تؤكد هذه الفرضية، ما يعني أن الشرعية أمام فرصة كبيرة ونوعية؛ كي تدفع بالمعركة مع الحوثي نحو الأمام، وتتمكن من تثبيت حضورها هناك، إن لم يكن في كامل تراب البيضاء، فعلى الأقل في مناطق حيوية ومركزية فيها. 

نحن أمام نافذة جديدة للشرعية لمضاعفة أوراق نفوذها، وتصحيح مسار طويل من الأخطاء المتراكمة فيما يتعلق بتعاملها مع المناطق الموالية لها، والبيضاء ليست مجرد مربّع جغرافي وقبلي هامشي، يمكن تجاهله نظراً لمبرر الكلفة المتطلبة لدعمها؛ بل هي نقطة تحول مركزي للشرعية مهما كانت تكلفة إسنادها، فثمن اكتسابها هائل ويستحق التضحية. 

فحالما تمكّنت الشرعية من التقدّم وانتزاع مركز محافظة البيضاء، ستكون قد وجّهت ضربة موجعة للحوثي، ووضعت يدها على منطقة تحكّم تحمي بموجبها جبهات الجنوب، (دمت/ الضالع، شبوة وأبين)، وتمارس تهديدا على الوجود الحوثي شمالا، لعل أقلها خطوط التماس مع محافظة ذمار. 

الخلاصة: من يسيطر على محافظة البيضاء يسيطر على قلب اليمن الكبير، فنحن أمام محافظة تتصل جغرافيا بثماني محافظات يمنية (لحج، الضالع، أبين، شبوة، جنوبا، ومأرب وذمار وإب وصنعاء، شمالًا)، أي أنها بوصلة للتحكّم بالجنوب والشمال، ونقطة ارتكاز لفرض السيطرة وإثبات الوجود، وبها تتعزز شرعية الطرف المسيطر، وتضمن وضعا سياسيا وعسكريا أكثر تفوقا ضد الخصم، الكرة في ملعب الحكومة، وأمامها خيار الدّفع بالمعركة أو خذلان نفسها مرة ثانية.

مقالات

هكذا تكلم المناضل صاحب "اللستة"!

في اليمن، يمكنك أن تتعامل مع الحرية بالمسطرة التي تحددها تحيزاتك. ما تمنحه لنفسك يمكنك أن تمنعه عن غيرك بكل بساطة، بل الأدهى إضفاء طابع أخلاقي للمنع!

مقالات

شاعر سبتمبر وأكتوبر الكبير عبدالله عبد الوهاب نعمان (1)

كما أن السياسة ليست شارعاً واحداً، فإن الثورة ليست خطاً واحداً تعزف عليه الرصاص نشيد النصر والفرح، وإنما الثورة متعددة الخطوط عديدة المواقع، كل خط يؤازر موازيه، وكل موقع يساند مقابله؛ لأن الحياة كل والثورة هي كل عطايا الحياة، وأجمل عطايا الأحياء، فلكي تتآزر خطوطها وتتواصل مسيرتها تتعدد المواقع الثورية، ثورة الزنود إلى جانب جمرات القلوب، وثورات المحاريث والمعاول إلى جانب ثورات المعازف والأغاني والأشعار والأفكار.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.