مقالات

باعوا القلعة بِبَلْعة!

21/06/2021, 08:10:07
المصدر : خاص

في ناصفة سبعينات القرن الماضي، كنا طلاباً في المرحلة الإعدادية وفي طور المراهقة، مكتظين بالآمال العريضة والأحلام الزاهية. وكانت مدينة عدن تُلقي بهذه الآمال وتلك الأحلام على رؤوس الصخور الناتئة في شواطئها المتلاطمة، فقراً وثورة، شعراً وفكرة، واعتقاداً راسخاً بأن غداً هو أجمل أيامنا القادمات.

كان الفتى منّا إذا تواعد وفتاة، وراح يسير معها الهُويْنا، ممسكاً بيدها في حبور وحنان، على شطّ البحر أو عند سفح جبل أو في شارع الياسمين، راح يُحدّثها عن المخاطر المُحدقة بعملية البناء الثوري أو عن تحدّيات المستقبل والإشكاليات الذاتية والموضوعية الماثلة قُبالة مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية!

ولم نكن نظنّ يوماً قط بأن ثمة معضلة تكمن في المعادلة المنهاجية بين فكرتَيْ الدولة والثورة اللتين أقلقتا الرفيق لينين ذات زمن، لكنها لم تكنْ لتثير قلقنا ذات عدن.
وكنا نقرأ كتابات مناضلي ثورة 14 أكتوبر أو نسمع خطاباتهم، فتزداد قناعتنا رسوخاً بأن صخرة الواقع لن تتفتت يوماً تحت أية ضربة من مطرقة استعمارية، ولا كتاب الوعي سيتمزّق البتة بفعل مقص الديماغوجيا أو مشرط البراجماتيا.

ومع مرور الأيام وتواتُر الأحلام، كانت الفكرة تُزهر في وعينا والتجربة تخضرّ في واقعنا، والسلام الداخلي يستوطن الرّوح في أريحية بلا حدود. حقاً كانت جيوبنا ممزّقة، لكنّ قلوبنا وعقولنا مُتفتّقة.

كنا مؤمنين بأن فترة الاحتلال الأجنبي ولَّت إلى غير رجعة في تاريخنا. أيُّ احتلال هذا الذي يجرؤ على العودة إلى عدن وسائر مدن وقرى اليمن؟ أو يجرؤ على التفكير - مجرد التفكير - في المساس بشبرٍ من الأرض أو الماء أو السماء، في بلدٍ قابل - وبصورة حتمية - للاشتعال تحت أقدام الاحتلال؟
لم نكن لنتصوّر - ولو للحظةٍ واحدة - أن عيال المناضلين سيبيعون القلعة بدرهم فضة!

لم نكن لنتصوّر قط أن الولد الأشعث - الذي علّمته الثورة وثقّفته الدولة - سيسعى إلى اقتراف أحقر جريمة في التاريخ في اللحظة التي يرشّ على جسده الأبرص عطراً أرخص!
حتى جاء يومٌ انفجرت في وجوهنا أكبر كذبة نسجناها بأيدينا وصدّقناها بإرادتنا، ولكنها أنفجرت رغماً عنا، في الوقت الذي كنا نتهيّأ لتقديسها حدّ التأليه!

في ذلك اليوم، هبط الليل في رابعة النهار. وفي ذلك اليوم، رقص الكلاشنكوف وانتحرت السنبلة. ويومها أدركنا أن عيال المناضلين سيبيعون القلعة حتماً.. لأن النضال ليس له عيال.

كنا نخاف كثيراً، بل نفجع جداً، إذا وجدنا أحدهم يُردّد دائماً - بمناسبةٍ وبدونها - عبارات عصيّة على الفهم لكبار الفلاسفة والساسة ورجال الفكر والاقتصاد، لاسيما إذا كان لا يُجيد الكتابة والقراءة ولا يحمل شهادة التحرُّر من الأُمّية، بعد أن ترك مقعد الدرس ليلتحق بثكنة المليشيا، وبعد أن صار ينظر بوَلَهٍ شديد إلى المسدس الذي يُزنّر خاصرته وكأنّه ينظر إلى هند رستم وهي نصف عارية!

واليوم، باع العيال القلعة..
باعوها بدرهم أو بَلْعة..
فلا تُحدّثني عن دولة وثورة، ولا عن آيديولوجيا وفكرة، ولا عن آمال وأحلام بحجم السماء والأرض.. بل عن وطن انتقل من طور المشروع إلى دور الممنوع!

مقالات

وماذا بعد أيّها اليمن العنقاء!

لم تَعُدْ كلُّ الكتابات السياسية، والتحليلات، والتنبؤات، ونشرات الأخبار، والتقارير، وهلمَّ جرًّا، تعني شيئًا لليمن المتشظِّي، المفتَّت، والمقسَّم، والممزَّق بين ميليشيات باغية في كل زواياه، وجباله، وسواحله الممتدّة.

مقالات

"أسوأ من الموت بغارة جوية"

"الجائحة الحوثية باقية وتتمدد"، هذا ما صرَّح به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضمنيا حول وقف الغارات الجوية على مواقعهم مقابل عدم استهدافهم السفن في البحر الأحمر.

مقالات

عندما ترتجف المليشيا من فنان!

لا شيء يُرعب الطغاة كصوت الفن، ولا شيء يُعري القبح السلطوي كجمال النغمة الصادقة. الفن ليس ترفًا، ولا مجرد وسيلة للتسلية في حياة الشعوب. الفن، بمعناه الحقيقي، وعيٌ جمالي عميق، وحسٌّ تاريخي يتجلّى في أوضح صوره حين تُعزف الحقيقة في وجه الكذب. ينبثق كثورةٍ معنوية عندما تُغنّى الحرية في مسرح السلاسل. الفن، بمجمله، هو حين يُرتّل الوطن في زمن الملكية السلالية!

مقالات

أبو الروتي (33)

كانت غرفتي في سقف الفُرن تضم مكتبتي الصغيرة، وكان أجمل ما فيها راديو كروي الشكل لم أعد أذكر كيف حصلت عليه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.