مقالات

بعيداً عن صداع السياسة.. حكايات وغرائب سائقي الأجرة

02/06/2025, 10:41:28

المطارات وسائقو سيارات الأجرة هما أول من يستقبلانك، وآخر من يودعانك في أي بلدٍ حول العالم، هما من يعطيانك الانطباع الأول والأخير عن كل مكان، ويعكسان لديك صورة الحياة، وثقافة الإنسان، والسياسة، والقيم، والأخلاق فيه، إيجابًا أو سلبًا. ولذلك تعمد الحكومات الذكية والمسؤولة إلى تدريب وتأهيل موظفي المطارات، وإخضاع سائقي الأجرة لاختباراتٍ قاسيةٍ قبل منحهم رخص القيادة، وذلك في إطار ما يُعرف بـ”صناعة السياحة”، وضمن القانون الذي يوفر للزائر الأمان والمتعة، وللبلد المضيف الأمن والمصلحة.

لكن سائق الأجرة يظل بالأخص هو أكثر من تحتاج للتعامل معه كل يومٍ خلال زيارتك وإقامتك، وعند حاجتك للانتقال من مكانٍ إلى آخر. وهنا تكتشف ما قد لا تكون تتوقعه، وتعلمه أو لا تعرفه.

في مصر، مثلًا، كان يسترعي انتباهي في الماضي تعاون السائقين مع بعضهم في الاستدلال على هذا العنوان أو ذاك، خصوصًا قبل أن تحل التطبيقات الإلكترونية في تحديد المواقع المقصودة، مثل “جوجل” و”أوبر” وغيرهما.

لكن الأحاديث مع السائقين خلال الذهاب أو الإياب لا تخلو من طرائف وقصصٍ تستحق التأمل والاستمتاع وكسر الملل، فلكل واحدٍ منهم حكاية تستحق أن تُروى.

في واحدةٍ من تجاربي الأخيرة، قطع اتصالٌ هاتفيٌ حديثي مع السائق المتقاعد من وظيفة حكومية، ووجدته يهلل ويكبر ويسبح بحمد الله وشكره، بل وتنهمر الدموع من مقلتيه وتبلل شعر وجهه.

وعلى الفور سألني: “انت اسمك إيه؟ ومن أي بلد؟” فأجبته: “اسمي أنور”. فقال لي: “انت وجه السعد عليَّ اليوم، فهذه أول مرة أسوق فيها سيارة أجرة بعد تقاعدي، وأنت أول زبون استوقفني لتوصيله، والآن جاءني خبر بارتزاقي حفيدًا بعد سبعة عشر عامًا من الانتظار والدعاء”.

ثم اتصل بنجله، وطلب منه أن يُطلق على مولوده اسم “أنور”، وأضاف: “اسم حفيدي الآن أنور محمد نجيب”.

أسعدتني هذه الواقعة، وتركت في نفسي أثرًا إنسانيًا لا يُنسى. وقررت أن أطلب من الرجل التوقف بي لينطلق هو لرؤية حفيده المُنتظر، وعزمت أن أعطيه معظم ما في محفظتي من نقود، لكنه رفض، وقال: “المفروض أنا من يعطيك فلوس، لو في جيبي فلوس”. وكان أن انطلق، ودموع الفرح تغمر خديه، وهو يضحك باكيًا في حالةٍ تشبه الهستيريا.

وفي القاهرة أيضًا، أدهشني سائق أجرة مسن عندما أخبرني أنه استطاع من خلال عمله شراء شقة، وتزويج نفسه، وتربية ثلاثة من أبنائه واثنتين من بناته، وتعليمهم جميعًا حتى تخرجهم من الجامعات، ومن ثم تزويجهم، وكل ذلك فقط من خلال اعتماده على دخل سيارته الأجرة طوال خمسين عامًا من اشتغاله بهذه المهنة.

تذكرت في حكايةٍ أخرى، كيف سرق سائق أجرة إثيوبي في أديس أبابا مبلغًا بالعملة المحلية (البِرّْ) يساوي ألف دولار أمريكي، عندما لمحه في الجيب الأيسر لبنطالي، وقام بخداعي، وبسحب نقودي دون أن أشعر، وهو يلفت انتباهي إلى المباني الحديثة في شارع (بولي) المؤدي إلى مطار المدينة.

لكن السائقين الإثيوبيين ليسوا دائمًا على نفس الشاكلة، ففي أبوظبي أوصلني سائقٌ إثيوبيٌ آخر إلى المطار للمغادرة، ونسيت هاتفي المحمول في سيارته عندما كنت أقوم بدفع أجرته، وعندما اكتشفت الأمر، تحدثت مع أمن المطار، وتم الاتصال بالشركة التي استأجرت منها التاكسي، وبالفعل عاد السائق إلى المطار، وسلمني هاتفي، وهو سعيدٌ بذلك، رافضًا مكافأتي له، ومؤكدًا أنه هو من يتحمل المسؤولية لأنه لم يطلب مني عند مغادرة سيارته التأكد من أخذ كل أغراضي.

أما في ليلةٍ ماطرةٍ بغزارةٍ في ضواحي باريس، فقد توقف بي سائق أجرة (عنصري)، وأجبرني على النزول في قارعة الطريق لمجرد أن سمعني أتحدث بواسطة هاتفي الجوال باللغة العربية مع أحد أصدقائي. فأدركت أن للأمر دوافع من الكراهية والعنصرية، وفضّلت مغادرة السيارة، واللجوء إلى باب عمارة قريبة لاتقاء المزيد من المطر. وفجأة يخرج رجلٌ مسنٌ وزوجته، يبدو أنهما شاهدا من شرفة منزلهما ما حدث لي، وطلبا مني الصعود إلى شقتهما لتجفيف ملابسي المبتلة، وقضاء الليلة في غرفةٍ متاحةٍ لديهما، لكنني اعتذرت، فقررا توصيلي بسيارتهما إلى فندقي، وفي الطريق شرحت لهما ما حدث، فقالا لي باعتذار: “هذه ليست ثقافة فرنسا”.

في بلدانٍ أخرى كثيرةٍ زرتها وأحببتها، كان أكثر ما يزعجني فيها أسئلة السائقين عن رأيي في السياسة أو الرياضة، وهما مجالان محل شقاقٍ واختلاف، وقد يكون الخوض فيهما سببًا في متاعب لا تُحمد عقباها.

وفي الخرطوم، التي كنت أقيم وأعمل فيها مراسلًا لإحدى القنوات العربية قبل نحو 25 عامًا، استوقفت سيارة أجرة ذات صباح، ولفت انتباهي وجود أعداد من الصحف المحلية إلى جواره، وقيامه بأخذها إلى المقعد الخلفي. وعندما جلست إلى جواره وتبادلنا أطراف الحديث، سألته كم وكيف ينفق من المال لأجل شراء الصحف خصمًا من دخله الزهيد، ففوجئت به يعرفني، ويقول لي إنه في الأساس “أستاذ جامعي”، ولكنه يعمل في أوقات فراغه سائق أجرة لتحسين دخله والصرف على معيشته وأسرته. ثم نشأت بيننا صداقة وتواصلٌ لم ينقطعا لسنوات، حتى بعد مغادرتي السودان.

الحكايات كثيرة عن طرائف السائقين، لكن أغربها كان عندما استقليت سيارة أجرة في صنعاء، وكان سائقها يمضغ القات في عز الظهيرة، يسمع أغانٍ بصوتٍ عالٍ من مسجل سيارته، ويتحدث بهاتفه المتنقل، ولا يكف عن شتم هذا وذاك من المشاة أو سائقي السيارات الآخرين، ويكرر سؤاله لي: “ما قلت لي الأخ من أين؟ شكلك مش غريب”.

ومع هذا، فهناك سائقون يمنيون عرفتهم في داخل البلاد أو خارجها، لطفاء في حديثهم، أمناء يعيدون إلى الناس أشياءهم عند نسيانهم لها، ومن ذلك مقتنيات نقدية أو عينية، ويرفضون أخذ أي مكافأة مقابل ذلك.

لله في خلقه شؤون!

مقالات

عن الرئيس ونائبه وتصوراتهم الدولية

تعطي متابعة خطاب رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، وعضو المجلس الأقوى منه، عيدروس الزبيدي، الانطباع بأننا أمام مبعوثين أو ممثلين وسفراء إقليميين ودوليين، تتركز أولوياتهم على الاهتمامات ذات الأبعاد الجيوسياسية التي تمس المصالح الدولية. وغالبًا لا يعرف المبعوثون والممثلون والخبراء الدوليون عن بلدنا سوى البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وخليج عدن، وقربه من المملكة العربية السعودية (أحد أهم مراكز الطاقة العالمية)، بينما يجهلون إلى حدٍّ كبير طبيعة الصراعات المحلية المعقدة والمتداخلة، وصراع اليمنيين مع الإمامة، والبنية السياسية والاجتماعية للقوى والمكونات المحلية. ومن امتلك منهم معرفة محدودة بقضايانا وصراعاتنا ومآسينا، فإنه لا يتفاعل معها ولا يشعر بها.

مقالات

يبزون الحوثي ويبتزون الشرعية!

في تصريح له قبل أيام، أكد السفير البريطاني الأسبق لدى اليمن، إدموند فيتون براون، أن منظمات إنسانية دولية وأممية ساهمت في حرف موقف المجتمع الدولي من الأزمة اليمنية لصالح الحوثيين من خلال ممارسة ضغوط شجّعتهم على ابتزاز العالم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.