مقالات

تحرير الحياة من الخوف

20/07/2024, 10:31:08

لعلّ أعظم هدف يمكن للمعرفة أن تحققه للناس هو تحريرهم من الخوف، هذا الشبح الفتاك هو ما يعطِّل كثيرا من قوى المرء الداخلية، ويجعله محدود الحركة، وضعيف الأثر.

ليس الخوف الظاهر من خطر مباشر قد يصيب جسدك، بل المخاوف النفسية العميقة، وما من إنسان في الوجود كله، مهما كان عبقريًا، إلا ولديه مخاوف من هذا النوَّع، وبمستويات متفاوتة.

هناك مخاوف طبيعية نابعة من إدراك المرء مهدداتٍ ما قد تؤثِّر على حياته، وتفقده بعضا مِن مكاسبه، أو تحرمه من بعض حاجاته، وتلك مشاعر لا مشكلة كبيرة فيها، لكن ما هو عبثي ومرهق، تلك المخاوف النابعة من وهمٍ ما في الذاكرة؛ مخاوف تنبع من خلل في الوعي أكثر مما هي ناتجة من سبب خارجي حقيقي.

لا يمكن تحرير المرء كليًا من أي شعور بالخوف، فبعض المخاوف دفاعات ذاتية جيّدة؛ تنمِّي الحذر، وتمنع وقوع السوء؛ لكن المهم تخليصه من مخاوفه الوهمية، وعلى المرء أن يسأل ذاته باستمرار: ممّ أنا خائف؟ هل خوفي هذا منطقي، أم أنني أبالغ فيه؟

وهكذا، يمكن بواسطة التأمل الذاتي تقليص الشعور بالخوف، وضبطه في مستواه الطبيعي، دونما بلادة مخدِّرة، ولا قلق متضخم ومعطل للذات والحركة.

حتى مخاوف الحياة الطبيعية تتضخّم، وتغدو مخاوف وجودية؛ لكأنّها زلزال سيعرِّض وجودك للتهاوي.

لماذا تتمدد المخاوف بهذه الصورة..؟

يحدث ذلك حين يعيش الإنسان في ظروف تهديد جذري لحياته، تغدو بموجبها أي مشكلات صغيرة؛ كأنها نذير بصيحة كُبرى؛ أي أنه يغدو في مستوى شعوري أخفض من الحيوان.

لا يخاف الحيوان إلا حين يفقد احتياجاته الغريزية، الأكل والشراب والشريك من الجنس الآخر، وبقدر ما تكون مخاوفك متقاربة معه يعني ابتعادك عن جوهرك الإنساني المفارق، إذا كنت تخشى مصروف الغد وتكاليف البيت وأغراض المطبخ فأنت تعيش حياة خطرة، ويصعب أن تتمكّن من التفكير بمساحات أخرى أكثر تمثيلًا للإنسان، وتعبيرا عن مزاياه العقلية والنفسية.

يرعبني هذا الأمر، يبدو لي أن اليمني يعيش بمستوى وجودي يقترب من هموم الحيوان.

لا يوجد تحطيم لقوى الإنسان، وإنهاك لخصائصه البشرية، أقوى من هذا النزيف المتواصل للإمكانات العقلية والذهنية والذخيرة النفسية، التي يتمتع بها المخلوق البشري.

أن يستفرغ وجوده في اهتمامات معيشية فتلك أكبر حفلة استعباد يتعرّض لها الإنسان على مدى التاريخ.

أخفض مستوى من العبودية هو أن يكون المرء مملوكًا لشخص آخر، هذه عبودية ظاهرة ومكشوفة ومعلومة ومستنكرة، وقد باتت متلاشية؛ لكن الأخطر منها هو استعباد البشر نفسيًا، وتجريدهم من أي إمكانية داخلية وعملية تعينهم على السيطرة على وجودهم، التحرر من أي ضرورات خارجية، تقلص مستوى إحساسهم المُطلق بالحرية العالية.

أسوأ أشكال العبودية هو تلك الصيغة المستترة تحت مظاهر عديدة، يبدو فيها المرء سيّد نفسه، ولا يشك بذلك، فيما هو عكس ما يتخيّل تمامًا محكوم بسلسلة من الإجراءات والسلوكيات والاشتراطات السالبة للذات، والمدمِّرة للكينونة البشرية، وإمكاناتها الداخلية في التحرر، وصياغة معنى وجودها.

لا نتحدّث عن تلك المتطلبات العملية المهمّة لسير الحياة، بل عن نمط حياة سالب للوجود.

عن النظام الشامل، الذي يتحكّم بالإنسان الحديث، ويغرقه باهتمامات ونداءات خارجية تجعله أسيرا لعجلة طاحنة تملأ كامل وقته، ولا تترك له أي فرصة خالية؛ كي يعيد ترتيب حياته وخياراته وفقًا لدوافعه الحُرة، النابعة من صميم ذاته.

لقد أغرقوا الإنسان بكل شيء، تجاذبوه من كل مكان، وأفقدوه أي حساسية مُمكنة لتأسيس حياته دونما تشويشات وإكراهات خارجية.

باختصار: جعلوه يحيا خائفًا، يعيش خوفا غامضا لمجرد أنه موجود.

يحتاج المرء إلى صرخة يوقف بها هذا الاجتياح المسعور لكيانه، يحتاج ليقاتل؛ كي يقتطع له مساحة يفرِّغ فيها ذهنه، يصغي فيها لأعماقه، ويعيد رسم خارطة وجوده بالصورة التي يشعر معها بأنه يتفتق من الداخل، ينمو ويعيد السيطرة على وجوده المنهوب خارجه.

مقالات

أبو الروتي (3)

(لحظة انطلقت بنا السيارة شعرت بأنّي كبرتُ، ولم أعد طفلا) فيما رحت أتقدّم باتجاه بيت جدي علي إسماعيل، تذكّرت كلام جدتي، وهي تودّعني عند مشارف القرية، وتقول لي:

مقالات

المساندة لكيان الاحتلال والأكفان لفلسطين!

منذ البدء؛ اختارت الكثير من الأنظمة العربية توزيع الأكفان في غزة. كان ذلك يختصر كل شيء: نتنياهو مطلق اليد، يتولى ذبح الفلسطينيين، بينما ستحرص هذه الأنظمة على أن يكون تكفين الضحايا عربياً خالصاً!

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.