مقالات
تفكيك اليمن!!
من المفارقات المذهلة أن تدخل الحرب في اليمن عامها السابع مع الإعلان شبه يوميا عن اعتراض التحالف طائرات حوثية مفخخة وصواريخ باليستية موجّهة صوب الأراضي السعودية.
بعض الهجمات أصابت أهدافا دقيقة وحيوية، وتمثل عصب الطاقة العالمية، وبُؤرة الاهتمام الدولي.
مع ذلك لا يحفل العالم ودول الخليج لهذا التهديد الوجودي الخطير، الذي من المتوقع أن يخضع المملكة العربية السعودية في قادم الأيام لشروط مذلة ومهينة.
من المعروف أن السعودية كانت قد أعلنت، بعد شهر من بدء 'عاصفة الحزم'، عن تحييد القدرات الصاروخية للحوثيين، لكن حسابات وأجندة مريضة تركت المجال مفتوحا لإمضاء طهران وحلفائها أجندتهم المضادة في المنطقة.
ومع الحديث هذه الأيام عن مباحثات إيرانية - سعودية في بغداد، من المؤكد أن مسلسل إذلال الرياض قد بلغ مراحل متقدّمة، خاصة مع رفض الحوثيين مبادرة الرياض الأخيرة، التي تلبّي شروطهم.
ما هو واضح وجلي، أيضا، أن السعودية لن تحصل من المفاوض الإيراني على ما عجزت عن تحقيقه من حليفه في خاصرتها الجنوبية.
أضحى باستطاعة إيران أن تضرب السعودية متى تشاء في العُمق باسم مليشيا الحوثي، وأن تحيل توسلات الرياض إلى رسائل إعلامية مذلّة.
حسب مصادر إعلامية، أبلغ المفاوض الإيراني الرياض أن تذهب إلى الحوثيين أنفسم، كونهم أصحاب الشأن، ولديهم قرارهم المستقل، وهي رسالة شديدة المراوغة تشبه مفاوضات "الملف النووي".
بالتأكيد، لإيران حساباتها الثمينة والمحققة على الواقع، كما للإمارات حساباتها أيضا في الخارطة اليمنية.
لكن نتساءل: ما حسابات السعودية؟
لا نعلم غير المزيد من التدمير، والحقد، والانكشاف على مشاريع تقسيم تستهدفها أساسا كدولة محورية في المنطقة، وغنية بالثروات النفطية.
تبقى اليمن بعيدة عن حسابات كل هؤلاء اللاعبين.
أصبحت تتنازعها ثلاثة مشاريع وقوى موجودة بقوة على الأرض، بعد إضعاف الشرعية اليمنية، واختطاف قرارها في الرياض.
لا تكتفي مليشيا الحوثي بالسيطرة على صنعاء ومحافظات شمال الشمال، بل وتحاول باستماتة منذ أشهر لغزو مدينة مأرب الغنية بالنفط، يساعدها في ذلك خبراء إيران، وسفيرها المعين في صنعاء (حسن إيرلو).
في الواقع، تبدو السعودية الآن في حالة استسلام لتثبيت ومد مشروع نفوذ طهران في خاصرتها الجنوبية، مثلما جرى الحال في العراق ولبنان وسوريا.
أما في بقية مشاريع التقسيم، فتبدو في حالة تماهي وقيادة لها، من أجل ذلك، كان المجلس السياسي الأخير للعميد طارق محمد عبد الله صالح.
هو مجلس لا يمت للسياسة بصِلة، ويعد إفرازا لواقع مليشاوي جديد بقوة عسكرية ضخمة أنشأتها الإمارات تحت بصر ورعاية السعودية، كنفوذ آخر في الساحل الغربي لليمن.
قبل الإعلان عن إنشائه، كان بعض اليمنيين يأملون أن تنخرط قوات طارق في جبهات القتال ضد مليشيا الحوثي، كما وعد في أكثر من خطاب له.
ما حدث أن طارق محمد عبد الله صالح اتجه إلى إنشاء مجلس سياسي، بينما لا تزال محافظة الحديدة في قبضة الحوثيين، وتتعرّض مأرب لهجمات متتالية بغرض اقتحامها، ويقاتل الجيش الوطني في تعز وحيدا بإمكانيات بسيطة.
هذا المجلس لا يضيف شيئا لليمنيين، بل يشكل خطورة على الوحدة الوطنية، ويمكن النظر إلى مخرجات المجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية المدعوم من الإمارات.
جاء المجلس كغطاء سياسي لمليشيات النّخب والأحزمة الأمنية، التي أنشأتها ودرّبتها الإمارات، ويسعى إلى تثبيت أمر واقع في كافة المحافظات الجنوبية.
وبينما أصبحت الحكومة الشرعية تحت رحمة هذه المشاريع التفكيكية والتمزيقية، وتكافح عبر جيشها الوطني لاستعادة السيطرة، جاء مجلس طارق ليضيف عبئا ثقيلا على كاهل اليمنيين في مسألة الكفاح لاستعادة الدولة.
أي مراقب عادي للأحداث يستطيع أن يميز الآن بين ثلاثة تحدّيات. بدلا من مواجهة الحوثيين، أصبحت الإمارات تملك نفوذا سياسيا وعسكريا من خلال المجلس السياسي لطارق صالح، والانتقالي الجنوبي.
تبدو الخارطة اليمنية تتقاسمها ثلاثة نفوذ بشكل واضح: مليشيا الحوثي شمالا، والانتقالي جنوبا، وقوات طارق صالح في الساحل الغربي، لكن هذا المخطط لن يمرّ بسهولة.
لدى اليمنيين إدراك واضح للمخطط، واستعداد طويل للكفاح ضد مشاريع التقسيم. كما أثبتت الأحداث أن هذه المشاريع تتمدد في الفراغ، وعلى وقع مؤامرات الغدر.
المقاومة الباسلة في مأرب أفشلت كثيرا من الخطط. كما أن تحرّك الجيش والمقاومة في تعز -بعيدا عن موجهات التحالف ودعم الشرعية- كفيل بتشكل مقاومة شعبية متصاعدة بعيدة عن حسابات وأجندة كثير من الدول الغربية والإقليمية.
كل الرهان الآن على هذه المقاومة. بغير ذلك، تبدو اليمن متوجهة بالفعل إلى مشاريع التقسيم والتفكيك إلى أمد غير معلوم.