مقالات

حديث أولي عن الدراما اليمنية..

16/04/2021, 14:37:32

لا يمكنك محاكمة أي شيء في بلادنا بمعيار طبيعي، دونما أخذ ظروفك الواقعية بعين الاعتبار، غير أن تحميل الظروف كل شيء أمر غير مقنع، ومبرر لا يفسّر سبب تردّي الدراما اليمنية، وعدم تمكّنها من تحقيق قفزة في الأداء والتقييم الكلي للإنتاج.

فجوهر عملية الإبداع يكمن في القدرة على تخطي كل الظروف، مع عدم إغفال تأثيرات الواقع على المستوى العام للإنتاج. غير أن المقصود هنا هو أن بالإمكان تقديم منتج جيّد، وفقا لتلك الظروف ذاتها التي أتاحت إنتاج ما هو متوفّر الآن.

هذا العام، يمكن للمشاهد اليمني رصد عدد كبير من المسلسلات، غير أن هذا التطور الكمي ظل في مستواه الكيفي نفسه، أي أننا أمام توسع في الانتاج دونما تصاعد في نوعية المنتج الدرامي.
إن ميلاد عدد كبير من المسلسلات هذا العام بقدر ما هو -مبدئيا- عامل احتفاء، لكنه يظل -باعتقادي- مأخذا تسبب في تشتيت العنصر البشري، في ظل الظرف الذي تعيشه الدراما اليمنية، حيث لاحظنا أن النجوم الفنية والدرامية صاروا مذرورين على أكثر من مسلسل.

فكل نجمين أو ثلاثة حاولوا أن يكونوا في مسلسل خاص بهم، وهو ما أخفض من أي إمكانية لميلاد مسلسل نوعي، بالتآزر بين أكبر قدر ممكن من النجوم، وفتح الباب لاستقدام عناصر جديدة ليست ذات مستوى تأهيلي كافٍ، على أن هذا ليس السبب الوحيد لهشاشة الدراما اليمنية؛ لكنها تظل ملاحظة لها تأثيرها في مسار الإنتاج الدرامي لهذا العام.

في الحديث عن مشكلات الدراما اليمنية، يبرز لدينا سببان جذريان في أي تشخيص للمشكلة، الأول: مشكلة التمويل وارتهان الإنتاج الدرامي للجانب الاقتصادي، والثاني: فراغ الساحة من الكتّاب المختصين في الكتابة الدرامية، وهو ما يجعل غالبية الأفكار المتناولة سطحية ومسلوقة على عجل.
لتجاوز هاتين المشكلتين، نحن بحاجة إلى مؤسسات إنتاج درامي لديها رأس مال كافٍ لتمويل أي نشاطات إبداعية، واستقبال كل المقترحات الإنتاجية، ودراسة جدواها، وبما يجعل معيارية الإنتاج هي جودة الفكرة مع تجاوز أي اشتراطات مكبّلة أو إخضاع العمل الدرامي لقيود التمويل.

ولكي نتخيّل فداحة مشكلة التمويل، يمكننا فقط التوقف عند تصريح مخرج يمني حول أحد المسلسلات، قائلًا: "كنت أضطر لحذف مشاهد كاملة من المسلسل، كون المموّل حدد مبلغا معينا غير كافٍ لتمويل مشاهد يستوجب تصويرها تكلفة عالية".
في هذه الحالة نحن لسنا أمام إنتاج درامي مستوفٍ لعناصره الأساسية؛ بل أمام "تسليع حقيقي" للفن.

ولتلافي مشكلة ندرة الكتّاب المختصين، يمكن تنظيم ورش تدريبية خاصة بهم. فالمشكلة ليست في الغياب الكلي للكاتب؛ لكنها تكمن في افتقاره للإحاطة بتقنية الكتابة السينمائية والدرامية، أي استثمار قدرته الكتابية وتطويعها بما يتلاءم ومتطلبات الفن الدرامي، وهي مهمة ليست بالعسيرة لأي مؤسسة أو جهة ترغب بإحداث نقلة في العالم الدرامي.

من جهة أخرى، تبدو القنوات اليمنية كأنها واقعة في المشكلة نفسها المتكررة كل عام: وهي أنها لا تتذكر أن أمامها موسم درامي إلا في الشهر الأخير قبيل رمضان أو حتى قبله بشهرين، ولا يوجد أي تفسير لهذه الحالة، عدا عن كونهم لا يتحركون وفقا لخطة إعلامية ودرامية تهدف إلى تصاعد الإنتاج الدرامي والمنافسة الحقيقية؛ بقدر ما هو تجاوب مع الموسم فحسب.
وهذا بالطبع يترك أثره على طبيعة المنتج، والعمل تحت الضغط الدائم، ما يجعل العمل عُرضة لتشوّهات كثيرة.

هناك ملاحظة برزت في السنوات الأخيرة،  وهي تحول كثير من "اليوتيوبر" اليمنيين للعمل مع  قنوات تلفزيونية، على غرار نماذج عربية أخرى، غير أن مشكلة القنوات اليمنية هي عدم التفريق بين أهلية "يوتيوبر" للظهور التلفزيوني من عدمه. فاليوتيوب هو فضاء حُر، صالح لأي محتوى، بصرف النّظر عن مهارات الشخص وملكاته.

ونجاحه في "اليوتيوب" لا يعني أنه مستوفٍ لشروط الحضور التلفزيوني، على اعتبار التلفزيون مؤسسة إعلامية منضبطة وليست فضاء تهريجيا يمكن لأي شخص استعراض تفاهته فيها.
أخيرا: الدراما هي أحد أكثر الفنون البشرية أهمية وتعقيدا، وهي فن تعود أسسه إلى زمن الإغريق، أي أننا أمام وسيلة تعبيرية ضاربة في القدم، رافقت الإنسان منذ عصور تليدة، واتخذت تجليات عديدة طوال الآف السنين.

ويمكن القول إن القرن العشرين والعقود الأولى من القرن الحادي والعشرين شهدت الدراما فيها تطورا هائلا في كل مستوياتها. غير أنها في بلادنا ظلت في مستوى متواضع، على صعيد الأداء، والقصة، والسيناريو، والتصوير، والمعالجة الدرامية، ما يعكس فجوة كبيرة في هذا المجال، هي نتاج طبيعي لعدم وجود أي اهتمام رسمي بهذا الفن أو حتى مراكز ومؤسسات تعتني بشؤون الدراما، وكل ما هناك هو محاولات فردية بإمكانيات متواضعة تنجح تارة وتتعثر تارة أخرى. وتظل الدراما بحاجة لمن يستثمر فيها بشكل حقيقي، كونها ما تزال ميدانا خاما، وكل من ينفق فيه ليس بخاسر على المدى المتوسط والبعيد.

مقالات

أبو الروتي (3)

(لحظة انطلقت بنا السيارة شعرت بأنّي كبرتُ، ولم أعد طفلا) فيما رحت أتقدّم باتجاه بيت جدي علي إسماعيل، تذكّرت كلام جدتي، وهي تودّعني عند مشارف القرية، وتقول لي:

مقالات

المساندة لكيان الاحتلال والأكفان لفلسطين!

منذ البدء؛ اختارت الكثير من الأنظمة العربية توزيع الأكفان في غزة. كان ذلك يختصر كل شيء: نتنياهو مطلق اليد، يتولى ذبح الفلسطينيين، بينما ستحرص هذه الأنظمة على أن يكون تكفين الضحايا عربياً خالصاً!

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.