مقالات

حزب الإصلاح من التأسيس إلى خارطة التحالفات المتآكلة!!

16/09/2022, 13:18:51

اختار حزب التجمع اليمني للإصلاح شهر سبتمبر من العام 1990م للإعلان عن ولادته كحزب سياسي يعمل علانية  في ظل دستور دولة الوحدة التي لم يمض على قيامها غير أربعة أشهر على قاعدة التعددية السياسية.. أما سبتمبر بتكثفه في الوعي العام فهو شهر الثورة اليمنية الأبرز، الذي بقي العديد من قادة الحزب ورموزه الدينيين والمتشددين ينظرون إليها كحالة وثنية - فحتى الآن يراها شخص مثل عبدالله العديني النائب البرلماني بأنها ثورة جاهلية مثلما رآها قبله القاضي يحيى لطف الفسيل بُعيد عودته إلى صنعاء أواخر الستينات.

لم يكن التنظيم العام للجماعة كحالة سياسية مغيباً عن صناعة وإدارة القرار داخل بنية السلطة في اليمن طيلة عقدين كاملين قبل ولادته كمسمّى بل وفي صلبها، في وقت كان العمل السياسي والانتماء الحزبي مجرَّماً على المواطنين وبقية الأحزاب القومية واليسارية، وتحديداً منذ صار لجماعة الإخوان المسلمين حضور في اقتسام السلطة بعد مصالحة العام 1970، وقت كانت الجماعة إحدى أذرع الجارة الغلاظ في البلد المنكوب؛ وخاضت مع سلطة صالح لاحقاً وبتمويل سعودي حروب المناطق الوسطى وعُتمة وشرعب ضد الجبهة الوطنية الديمقراطية لأكثر من خمسة أعوام تحت مسمى الجبهة الإسلامية.

كان للجماعة نظامها التعليمي المغلق- المعاهد العلمية التي كانت أشبه بفقاسة محاربين-  وكانت أيضاً ممسكة بأهم قطاعات التربية والتعليم وقطاع التوجيه والإرشاد في وزارة الأوقاف.

حينما تأسس المؤتمر الشعبي العام كحزب احتكاري للسلطة في الجمهورية العربية اليمنية في أغسطس 1982م على قاعدة تمثيل متعدد (زائف) كانت جماعة الإخوان المسلمين هي التنظيم الفاعل داخل الجسم الهلامي المتضخم، وصاغت ميثاقه السياسي (الميثاق الوطني) بِنَفَس إخواني واضح، فصار هذا الكيان الجديد هو غطاء  تتحرّك تحته الجماعة والرموز المشيخية القريبة منها، ومن السعودية صاحبة التأثير المباشر في صناعة القرار طيلة ثمانية أعوام كاملة.

قال الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر  - أول رئيس لهيئة التأسيس ورئيس الحزب حتى وفاته أواخر 2007 - إن تشكيل الحزب كان برغبة من علي عبد الله صالح ليكون سنداً له ولحزبه في مواجهته للحزب الاشتراكي شريكه في دولة الوحدة: "وطلب الرئيس منا بالذات مجموعة الاتجاه الإسلامي وأنا معهم أن نكوِّن حزباً في الوقت الذي كنا لا نزال في المؤتمر. قال لنا: كوِّنوا حزباً يكون رديفاً للمؤتمر، ونحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة، ولن نختلف عليكم وسندعمكم مثل المؤتمر، اضافة  إلى أنه قال: إن الاتفاقية تمت بيني وبين الحزب الاشتراكي... وبيننا اتفاقيات لا أستطيع أتململ منها، وفي ظل وجودكم كتنظيم قوي سوف ننسق معكم بحيث تتبنون مواقف معارضة ضد بعض النقاط والأمور التي اتفقنا عليها مع الحزب الاشتراكي، وهي غير صائبة، ونعرقل تنفيذها، وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح في حين كان هناك فعلاً تنظيم، وهو تنظيم الإخوان المسلمين الذي جعلناه كنواة داخلية في التجمع لديه التنظيم الدقيق والنظرة السياسية والأيديولوجية والتربية الفكرية" (1).

صار الحزب طرفاً ثالثاً في السلطة بعيد انتخابات أبريل 93م، وأحد الفاعلين في الأزمة والبندق العنيد في حرب اجتياح الجنوب، والمتبني الأخطر للتعديلات الدستورية الأولى في سبتمبر 1994، التي نسفت أعمدة الدستور التي قامت عليها دولة الوحدة، بعد أن ناصبه العداء الكبير منذ إعلان اتفاق نوفمبر 1989، وأخرج ضده مظاهرات عدة بوصفه دستوراً علمانياً وكافراً وقاطع الاستفتاء عليه.

صار بعد هذه التعديلات شريكاً في الحكم، ويدير العديد من الوزارات الحساسة التي ورثها عن الحزب الاشتراكي، عقب إطاحة الأخير بعد حرب صيف 1994م، وصارت قياداته والقريبين منه من النافذين الكبار الذين استولوا على الفضاء العام، وممتلكات الدولة في المحافظات الجنوبية البكر، وصار نشطاؤه المتشددون فاعلين رئيسيين في تقليص المكتسبات الاجتماعية والثقافية، التي أورثتها الدولة الاشتراكية السابقة لمواطنيها في مساحة جغرافية كبيرة.

لم يمتد شهر العسل طويلاً بين صالح وحزب الإصلاح، إذ كان الانقلاب الكبير بعيد انتخابات 1997م حين حصد حزب المؤتمر النسبة الكبيرة في مقاعد مجلس النواب، ليشكل حكومة منفردة، بعد ثاني انتخابات رئاسية في عهد دولة الوحدة وقاطعها الحزب الاشتراكي الذي كان قد بدأ بطرح مسألة إصلاح مسار الوحدة، التي بدأت تظهر في الوعي الشعبي في المحافظات الجنوبية باعتبارها ضم وإلحاق لتبدأ معها (الأنَّة) الجماهيرية هناك بالتبلور على خلفية التجريف الكبير وطمس الهوية الاجتماعية والثقافية.

بدأ الاصلاح، بعد الإزاحة،  وبنَفَسه البرجماتي المعتاد بربط خيوط جديدة مع خصومه  السياسيين السابقين خارج سلطة صالح واحتكاراتها لتشكيل اتجاه معارض سياسي فتم الإعلان عن مجلس التنسيق الأعلى مباشرة بعد انتخابات 1997م، قبل أن يتطوّر شكل التنسيق لاحقاً إلى تكتل أحزاب اللقاء المشترك  الذي سيصمد لعشر سنوات كاملة، استطاع فيه الإصلاح استخدامه كواجهة سياسية للترويج لحضوره السياسي بعيداً عن الاتجاه المتشدد داخل بنيته التنظيمية، حتى مع مقتل السياسي الاشتراكي جار الله عمر، أحد أبرز مهندسي اللقاء المشترك، داخل القاعة التي كان يعقد بها الحزب مؤتمره في صنعاء في ديسمبر 2001 على يد أحد متطرّفي الحزب الشبان.

خلال تلك الفترة، كان الاصلاح يقدّم نفسه بوجهين، الأول سياسي عماده مثقفون شبان منشغلون بقضايا الرأي العام والصحافة، والثاني رموز دينية ومشيخ ورجال أعمال مرتبطون ببنية السلطة ويرضعون منها، فكان الأول  يرى في قيادته المتكلسة المنتجة للاتجاه الثاني مصد ثقيل وحاجز صلب أمام طموحاتها في القيادة والتجديد، لكنه لا يستطيع مقاومتها بحكم قوانين التراتبية والاذعان في الجماعة.

في انتخابات 2006، ظهر هذا الانقسام البائن بين المكونين الحزبيين إذ اصطف التيار المتشدد وحلفاؤه القبليون ورجال المال إلى جانب علي عبدالله صالح، وأعلنوا دعم انتخابه رئيساً أمام مرشح أحزاب اللقاء المشترك، فيصل بن شملان، بل وعملوا على دعم مرشح حزبي بصفة مستقلة هو فتحي العزب من أجل خلط الأوراق كلها، وتشتيت أصوات الناخبين، في معركة كان الخاسر فيها الرئيس علي عبدالله صالح!!

لعبت مسألة التوريث، التي أطلقتها الدائرة القريبة من صالح وكذا (أسرنة) الوظيفة الحساسة بالأبناء العفاشيين دوراً سلبياً في علاقة التيار المتشدد بالرئيس، إذ اعتبرتها إزاحة متعمدة لرموز كبيرة  مرتبطة بالحزب مثل علي محسن الأحمر وأولاد الشيخ الأحمر وغيرهم، فبدأوا يظهرون العداء الصريح له علانية عبر قنواتهم الإعلامية أو تلك التي يسربون من خلالها ما يريدون في معركة كسر عظم مبكرة.

في الفترة ذاته، التي صار الحراك الجنوبي والتيار الحوثي يحققان مكاسب سياسية واضحة على حساب  سلطة صالح، التي بدأت بالتآكل الواضح بفعل هذا الانقسام.

لعب حزب الإصلاح بتياره السياسي الشاب دوراً واضحاً في حراك المعارضة لنظام صالح بدفع قوي من التيار المتشدد وحلفائه القبليين وتحديداً أسرة الشيخ الأحمر بعد وفاة الأب في أواخر 2007، واستخدموا المشترك كغطاء سياسي للتحرك، داخلياً وخارجياً لتنصيع صورته المبهمة، ولم تصل اليمن إلى فبراير 2011 إلا والاحتقان على أشده.

قفز حلفاء صالح التاريخيون داخل الإصلاح وخارجه من مركب السلطة المثقوب، وتخفوا في ثنايا ثورة شبابية سلمية حملت حلماً جديداً لليمنيين، ثم وظّفوا إمكانياتهم المالية والتنظيمية في ابتلاع الثورة، وحرفوا مسارها نحو حالة جديدة من اقتسام السلطة من جديد مع بقايا نظام صالح من بوابة المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011م استحوذ الإصلاح بحكم قوة تأثيره على أهم الوزارات السيادية في الفترة الانتقالية، وترك لحلفائه النزر اليسير، وفرض على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سياجات  وحيطانا سياسية صلبة بواسطة عناصره الحزبية المبثوثة في المكتبين.. لم يقرأ حالة التحولات في ثورة يناير المصرية ابتداء من مظاهرات 30 يونيو 2013م بل ذهب بعناده وغطرسته إلى مداءات أبعد في الإقصاء، ليجد نفسه محاصراً بخصومه وحلفائه معاً فصعدوا ضده بالحق والباطل تحت تأثير ردة الربيع التي تبنتها دولتا الامارات والسعودية، ليجد نفسه أعزلاً شعبياً أثناء مواجهته للمد (الصالحوثي)، الذي أسقط صنعاء في مثل هذه الأيام من العام 2014، وقبلها حاشد وعمران - حيث معاقله في البوابة الشمالية، فأثرت قياداته العسكرية والدينية ومشائخه الفرار من صنعاء إلى مستقرات جديدة في الداخل والخارج.

تحصَّنت مليشياته وأذرعه العسكرية والأمنية في مأرب وتعز وشبوة، وبشكل أقل في عدن وحضرموت، ومع تحرير عدن ومحيطها بدأت حملة (اجتثاثه) من الجنوب بوسائل عدة وممنهجة أقلها شيطنته في الوعي الشعبي، وأخشنها تصفية أعضائه، فلم يجد غير تعز ومأرب وشبوة كمستقطعات جغرافية لحكمها، غير أنه اُجبر على ترك شبوة بعد معارك أغسطس الماضي مع قوات تتبع المجلس الانتقالي، فلم يتبق بعدها من متارسه الكثيرة غير بعض مأرب والقليل من تعز.!!  
لم تُجدِ مع خصومه في دول التحالف محاولاته المتكررة لنفي تهمة الأخونة عنه، ولا  التنازلات السياسية الكبيرة والقبول ببقاء قيادته المتكلسة في الرياض تحت أعين الأجهزة السعودية حتى يصير شريكاً موثوقاً.

 استوقفني مقال لأحد أعضائه، نُشر مؤخراً تحت عنوان طويل ونافذ "من أكبر حزب سياسي إلى أصغر فصيل مسلح. مرارة يبتلعها اليوم بعد أن كان يذيقها غيره بالأمس"(2)، قارب ومن موقع العارف هذا التآكل المخيف من رصيد الحزب الذي يحتفل هذه الأيام بذكرى تأسيسه الثانية والثلاثين في بلد يعيش حالة تشظ غير مسبوقة يتحمّل فيها مع بقية النخب والتيارات جزءا مهماً من مسؤولية تراكمها.
_____________________________
(1) مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر قضايا ومواقف الآفاق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2007 ص 248- 249
(2) ينظر https://www.khuyut.com/blog/islah

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.