مقالات

حصار تعز.. الجريمة المستديمة

17/07/2023, 04:08:08

إذا حاولت أن تُحصي كوارث الحرب، لربما تذهب أولًا للتأكد من أعداد القتلي، باعتبار قتل الإنسان هو أكبر جريمة يُمكن أن يقترفها الإنسان ضد أخية. هذا صحيح من ناحية المبدأ؛ لكن تعطيل مصالح البشر، هو جريمة أشد فظاعة، بالمعيار الواقعي. في الحالة الأولى، أنت تلغي وجودهم كليًّا، وهو اعتداء لعين على حقهم في الوجود. في الثانية، أنت تجردهم من عوامل البقاء الطبيعية وتُحدث شللا كاملًا في حياتهم. أحياء؛ لكن حياتهم شبه ميّته. هذا هو حال سكان مدينة تعز منذ ثمان سنوات، تحت حصار الجماعة الحوثية الغازية للمدينة. 

حصار الحوثي لتعز، يكاد يكون أرفع جريمة مستديمة ارتكبتها العصابات السلالية منذ بداية الحرب. لا تكاد تحصي آثار هذه الجريمة، وكيف أنها أسهمت في خنق ما يقارب 5 مليون إنسان من التحرك بحرية. أحالت المدينة لسجن عام ومنحت نفسها حق رسم خطوط سيرهم بشكل قسري ما يشبه عملية تعطيل كلي للحياة. 

في الحرب يمكن تفسير كثير من الجرائم، بمنطق الحرب نفسها، تفسيرها وليس تبريرها، غير أن جريمة حصار مدينة كاملة منذ سنوات، لا يمكن فهمها سوى كونها رغبة صميمية بالنقمة من ملايين البشر، شهوة قصدية لاذلالهم وسحق كرامتهم المتأبية على الخضوع. 

لا يهدف الحوثي لحكم البشر بالقوة فحسب؛ بل يحاول بكل الطرق تجريدهم من خصائصهم البشرية، وإن لم يتمكن من مصادرة أرواحهم، يجتهد؛ كي يصيب حياتهم بالإعاقة ويفرض عليهم قيودا تخفض من قدرتهم على إدارة حياتهم بشكل طبيعي وبعيدا عن هيمنته. 

الحوثي ليس جماعة محاربة تسعى لحكم الناس وحين تفشل في اخضاع مدينة تستلم لمنطق الحرب وتتقبل الهزيمة بشكل طبيعي، بل هي جماعة تمتاز بدناءة تاريخية متجذرة في طباع قادتها. تقتلك لتحكم، تسعى لاخضاعك الكلي وحين تعجز، تتمسك ولو بقدرتها على تمزيق ثوبك واحتلال باب منزلك ومدينتك. المهم ألا تغادر بلا أي ربح. أنت أمام جماعة لعابها يسيل على كل شيء في أيدي البشر الذين لا يخضعون لها. حصار مدينة فشلت في السيطرة عليها، ليس مجرد سلوك محارب متوحش، بل سياسة جماعة قذرة وبلا أخلاق، قتلة يفتقدون حتى لشرف الجريمة، لا يمكنهم التفريط بشيء ولو كان نتيجة ذلك، تعريض ملايين البشر لحصار مأساوي لسنوات. المهم أن تربح السلالة مكسب ما. في حالة تعز: ضرائب مصانع السمن والصابون وباقي الشركات تصب في جيوب هواميرها المتطفلين. 

التفسير الأخر لحصار تعز : يسيطر الحوثي على المدخل الشمالي والجنوبي للمدينة، وهي مناطق تتمركز فيها مصانع وشركات انتاج متعددة، وهو بذلك يراها منبعًا خصبًا للتربح. فما دام عجز عن حكم المدينة، فأقلها، ألا يفقد حصته من الجباية وهذا هدف مركزي للسلالة المتطفلة. 

الخلاصة:

يتصرف الحوثي تجاه مدينة تعز، كأنه جماعة قادمة من كوكب أخر، لا يكترث لمسألة الضغائن التي يراكمها منذ سنوات. لهذا هو يتمسك بحصار المدينة؛ حتى وقد غدت أحلامه بالسيطرة عليها مستحيلة. يواصل خنق أبناءها وكأنه لن يعيش معهم بعد اليوم. هكذا يكون التوحش حين يمتزج بالجشع وحين يقوم به بشر لا ينتمون للأرض. يعبثون بكل شيء، وفي الغد سيحصدون ثمرة حقارتهم المتبلدة. مهما كسبوا من متاع اليوم، فلن يكون بمقدورهم العيش بأمان والتجاور مع مجتمع تعرض لكل صنوف التنكيل. القتل والنهب والحصار المستديم. 

مقالات

آخر قلاع التصوير في اليمن

كان الملك "جلجامش" في الأسطورة الشهيرة يعيش حالة من الرعب، فكلما تقدم به السن تذكر بأن الموت سيدركه، لجأ من أجل تبديد مخاوفه إلى الحكماء؛ الذين بدورهم أشاروا عليه بـ"زهرة الخلود"، أخبروه بأن هذه الزهرة لا أحد يستطيع الوصول إليها سوى رجل الغابة "أنكيدو"

مقالات

أبو الرُّوتي (12)

لم نكن وحدنا، الذين نذهب في الصباح الباكر لجمع قوارير الخَمْر من الساحات ومن أمام المِخمارات والبارات، وإنّما كان هناك آخرون غيرنا يأتون للغرض نفسه، وكانت تحدث بيننا وبينهم خلافات، ومشادّات، ومشاجرات.

مقالات

ما الذي ننتظره كيمنيين؟!

يعيش اليمن واليمنيون -جُلُّ اليمنيين- كارثةً محققة. والمصيبة، ونحن في جحيم الكارثة، ننتظر -بسلبية- فاجعةً تُلوِّح بالمزيد والمزيد! جُلُّ المحافظات الشمالية تحت سيطرة مليشيات أنصار الله (الحوثيين)، وتعز (المدينة) تحت سيطرة مليشيات التجمع اليمني للإصلاح والشرعية، أمَّا ريفها فموزع على أكثر من طرف، ومأرب (المدينة) تحت نفوذ الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام، وريفها موزع على كل أطراف الصراع.

مقالات

الكتابة فوق حقول الألغام

الكتابة في اليمن لم تعد نزهة أو فسحة جميلة مع القلم والموهبة والابداع لأي كاتب خلال السنوات الأخيرة ، سواء كانت شعرا أو نثرا ، لقد تقلصت مساحات الحرية وتم شطب الهامش الديمقراطي الزائف الذي كان يتبجح به السابقون .

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.