مقالات

"حيث الإنسان".. الخير ممتزج بالذكاء

09/04/2023, 09:22:25

طوال سنوات، لم يسبق أن شاهدت عملاً إنسانياً ممهنجاً يتسم بذكاء، كهذا الذي أشاهده في برنامج "حيث الإنسان"، هذه الفكرة النبيلة، وطريقة تجسيدها؛ تكاد تكون أكثر المشاريع الإنسانية إلهاماً وتقف على رأس النشاطات الخيرية في البلاد. 

يجسّد برنامج "حيث الإنسان" صورة عليا للفضيلة المستديمة، إنه يتلمّس أكثر مناطق الحياة ضُعفاً ولا يكتفي بإسنادها لحظيا؛ بل يحيلها من مناطق ضعف وانسحاق، لتغدو عناصر نهوض عام. يذهب إليها، يُعالجها جذريا، يحررها من انكساراتها، ويعيد إليها فعاليتها القصوى في الحياة.

لو تأملت طبيعة نشاطات "حيث الإنسان" بمختلف تنويعاتها، ستجد نفسك أمام تفكير يهدف إلى الإرتقاء الكلي بالحياة، لاستعادة الإنسان بكامل قواه. 

غاية البرنامج تتجاوز سد حاجات البشر، وينحو باتجاه استعادة الحياة السويّة، بدلاً من استدامة أعطابها، وتثبيتها في مستوياتها الدنيا. 

يقاس منسوب الحياة في المجتمعات من طريقتها في النظر لأكثر فئاتها فقداناً لمقوّمات الحياة، ليس النظر المُشفق عليها؛ بل الرغبة بتحريرها من واقعها والدفع بها نحو واقع تغدو هي مساهمة فيه بصناعة الحياة. 

هذا عمل إنساني يُحدث إنقلابا كليّا في واقع البشر المستهدفين؛ نشاط خيري ذو مضمون أخلاقي حر، تعزيز ازدهار الإنسان. 

لقد استحكمت بنا عادة سلبية، هي الطاغية فيما يخص الأعمال الإنسانية، لدرجة أن أكثر الناس انتماءً للإنسان وامتلاكاً لإرادة حقيقية في خدمته وتعاطفل عميقا مع أحواله، ومهما بلغ مستوى تجرده وطهارة دوافعه؛ يظل بداخله ذلك الإحساس الخفي أن من يُقدّم لهم مساعدات هم بشر فقدوا القدرة على إعالة حياتهم وللأبد، يعجز عن التفكير في قواهم المهدورة، يغيب عن ذهنه أن الإنسان لا يكون بكامل شعوره بذاته لمجرد سد احتياجاته، تظل نظرته لنفسه متدنّية، حتى وقد تمكنت المساعدات من تأمينه لحظيا، هو يحتاج أن يستعيد شعوره الكلي بوجوده، حتى لو لم يعِ ذلك. 

على الضد من هذا، يتلافى برنامج "حيث الإنسان" كل اختلالات الأعمال الخيرية وقصورها المنهجي، إنه يصنع الخير ويردفه بالحريّة. لا يُحررك من حاجتك إليه فحسب، بل ومن حاجتك إلى الآخر بشكل عام. ذلك الشعور الداخلي، لدى المستفيد من نشاطات البرنامج، وقد صار واقفا وبداخله إنسان موفور الكرامة وفي أعلى لحظاته إحساس بالقوة، بالقدرة على المضي لوحده، ممتلئا بالامتنان وممتلئا بذاته معا. 

فلسفة برنامج "حيث الإنسان" تتضمن نظرة إنسانية رفيعة، نظرة متحررة من كل رواسب الطبقية قولا وفعلا، حيث أغلب الأعمال الإنسانية مسكونة بوعي طبقي دون أن تعي ذلك، يُقدمون المساعدات من الأعلى إلى الأسفل، حتى وهم يفعلون ذلك بمنتهى النبل والكرم، يظل فعلهم يتضمن بشكل خفي نزعة تكرِّس الطبقية في المجتمع، يستديم نظرة الناس المنخفضة لأنفسهم، وهذا سلوك يخدش من قدسية العمل الخيري، فنكون أمام خيرية تفتقد إلى النباهة، سخاء خامل ينقصة عنصر الحرية. 

أخيرا: لو استمر برنامج "حيث الإنسان" في نشاطاته لسنوات قادمة، وهو برنامج حيوي يتوجّب ألا يتوقف أبدا، فسوف يتمكن بعد جيل واحد من خلق عناصر ومرتكزات قوى ترمم وجه الحياة بصورة ملحوظة. 

فما يُنجزه البرنامج ليس نشاطا إنسانيا هامشيا، بل جهود مرتّبة لخلق مساحات تطوريّة وسط بلاد كل ما فيها يذهب نحو التدهور والفناء. 

ما تقوم به مؤسسة "توكل كرمان" يرقى إلى درجة الخدمة التاريخية للأجيال؛ إنه أوضح تعبير عن الحضور الفاعل للرمزيات الوطنية.

 تردد الجماهير دوما عبارة ذكية مفادها: "غابت الدولة وحضرت توكل، وحضرت مؤسساتها"، وتلك حقيقة تاريخية، فما الدولة سوى مجموعة شخوص يديرون جهازا مترابطا، ويشتغلون بطريقة منظَّمة، هذا ما يكشفه برنامج "حيث الإنسان" والمؤسسة الواقفة خلفه.

مقالات

شعب الجبَّارين!!

لو كان شعباً آخر غير الشعب الفلسطيني على هذه الحال من حروب الإبادة، المتوالية من منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، لكان قد تبخَّر واندحر من هول الحروب، والتصفيات، والمذابح، والتهجير، وسياسة الفصل العنصري المُمنهج، والأسر الذي طال مليون فلسطيني على امتداد 75 سنة تقريباً.

مقالات

ما بين العلمانية الصهيونية والدين

منذ البذرة الأولى نشأت الصهيونية العالمية أو تكونت من خرافات تحويل الدين إلى قومية، وتجميع يهود العالم من أمم شتى، ومن شعوب الأرض إلى أمة وشعب تحت خرافة أرض الميعاد.

مقالات

العرب اليوم هم الأحقر !

حياتنا نصفها سياسة ومشكلاتها، ونصفها الآخر دين وتلاوينه. ما دون ذلك "شغمة" من التوافه والتوابل والتوابع، التي لا تُسمن ولا تغني من جوع.

مقالات

البطل فوق الحساب

الحقيقة أن المقاومة انتصرت وتنتصر كل يوم. هناك نصر تاريخي يتجاوز منطق الربح والخسارة، نصرُ لا يمكن للعقول التجارية أن تراه.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.