مقالات

ذات زمن .. ذات عدن

18/02/2023, 08:43:02

ذات مكان، ذات زمن، ذات يمن... كانت ثمة مدينة تُدعى: عدن.

كانت قِبلة العشاق، وقُبلة المشتاق، وقبيلة المسافرين في رحلة الأشواق صوب أرحب الآفاق.
كانت كأنَّها جزيرة سرمدية تطفو على بحر الأبدية، وبركان نائم في أحضان جبل حالم، تتطلع بعينين ناعستين إلى شفق آيل إلى الغرق في ساحل الذهب.

نعم، ساحل الذهب، ذلك الساحل الذي كان يحتضن آخر أنفاس الشاعر، وآخر أجراس القصيدة، وآخر القطرات في كأس الحلم الذي كان، والعمر الذي كان، وآخر ذرة من رمال المكان، وآخر ملمح من جمال الزمان.
في هذا الموقع بالذات سبحنا، وعلى تلك الصخرة أكلنا شطائر السمك والبطاطس المقلية، وتحت تلك الظلال غفونا قليلاً، لنصحو على رمال هاربة عبر الحدود، وبحر مطلوب الى ادارة التجنيد، وحصى فلتت من الاعتقال، وضحكات قيد الاغتيال!
كانت لنا طفولة؟ لا أدري. لا أتذكَّر. لا أعتقد.
كل ما أدريه أننا كنا نخشى الإبحار ضد التيار في بحر لا يعرف الاستقرار..

وكل ما أتذكَّره أننا كنا نكتب أولى القصائد على رمل الشاطىء، وأجنحة النوارس..
وكنا نعتقد بأننا سنهاجر يوماً على صهوة موجة حالمة، حين تأتي القبيلة على صهوة دبابة مُطهّمة.
قرأنا كثيراً - حينها - ودرسنا كثيراً، عانينا وجُعنا وتألّمنا كثيراً أيضاً، لكننا لم نستطع الإجابة عن السؤال الأول في كتاب رحلة الزبد: ماذا بعد؟

كانت كل كتب الفلسفة والأدب والتاريخ، وعلوم الاقتصاد والاجتماع والجمال، ومناهج السياسة ومدارسها وتكتيكاتها، تعجز عن مدِّنا بقنديل يستعصي زيته على النضوب في منتصف الطريق الطويل والمظلم.

لا أذكر متى كانت القُبلة الأولى.. والقصيدة الأولى.. لكنني ما زلت أتذكَّر الدفتر الأول فأبكي!
لا أتذكّر الضحكة الأولى.. لكنني أذكر جيداً متى كان أول البكاء الذي لا آخر له البتة.
وحين هممتُ بفتح المحارة الحُبلى باللؤلؤ الناصع الوهَّاج النفيس، فوجئتُ بأنها تحتضن عشرة أطنان من الديناميك المُغلّف بالديناميت!

...

آلت عدن - اليوم - إلى وضع وضيع، بقوام مُطلسم مُدلهم، وبأفق مسدود على كل الجهات ومفتوح على كل الجبهات.
عادت عدن إلى أحلك ما في زمنها القديم: جوع وبارود.. شعارات وجنائز.. مؤامرات وخطابات غوغائية.. ضباع تقود قطيع الغنم إلى مقبرة القطيع أو مجزرة السيلة.
وكانت ثمة نجمة حمراء ولحية سوداء.. صارت اللحية حمراء والنجمة سوداء!

وكان للبيت رائحة وهوية. وكان للمسجد رائحة وهوية، وللمدرسة والجامعة والسوق والطريق.
ويوم يفقد المرء رائحة المكان وهوية الزمان، يفقد كل معنى للأشياء، وكل مدلول له وللوطن.
والمصيبة الأفدح إذا ما قارن يوماً - ولو في الخيال المحض - بين رغيف الخبز وصّرَّة الروث، يفقد آنذاك فضة الجبين، حينها تكون الخسارة الأكبر والموت المؤكد.

...

اليوم، راحت عدن تبحث عن هوية.
فلا هي استعادت هويتها الأولى، ولا هي حصلت على هوية جديدة حقيقية.
سأحاول كتابة أخرى - إذن - لولادة مُحتملة.. وقد تكون الولادة محتملة، غير أنني لن أكون أنا البتة.

مقالات

الوجود كصُدفة..تأملات عن الحرية

كلّ شيء يؤكد أنّ وجودنا مجرد صُدفة. ولدنا دون تخطيط، ولا أهداف محدّدة. كان يُفترض أن تستمر حياتنا مدفوعة بالمنطق البرئ نفسهض. لكنّنا تعرضنا لخديعة وجودية مرعبة، تورطنا في قبول تصورات أولية جعلت وجودنا مقيّدًا للأبد.

مقالات

المصائب لا تأتي فرادى!

قُدِّمَتْ صنعاء على طبق من فضة، أو ذهب، للمليشيات كما لم يحدث من قبل عبر التاريخ، التي بدورها استولت على كل مقدرات الدولة والجيش والشعب في غمضة عين من التاريخ والعالم والزمن، وتحالف أبشع رأس نظام سابق مع أبشع سلطة أمر واقع لتحقيق غاية واحدة

مقالات

نمذجة مقيتة

لطالما ردّدتُ أنني لا أخشى السلطة بقدر خشيتي من كلابها! وعلى القارئ الكريم أن يستبدل مفردة الكلاب بأية صفة أخرى يراها ملائمة. ولعلّ من الأمثلة الساخرة على هكذا صورة مقيتة:

مقالات

المساح المؤزر بأصالته

هذا الرجل كتاب من لحم ودم. لا يعلمك محمد المساح بكتاباته، فحسب، هو قبلها وبعدها يلهمك بذاته كإنسان. لم يعرف الزيف يوماً، هذا المساح المؤزر بأصالته وصدق شخصيته.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.