مقالات
ذكرى الانطلاقة.. سنوات المتعة والألم
بمهنية عالية أعادت شاشة "بلقيس" تعريف قضية اليمن على أساس الوطني واللا وطني.
هذا التصنيف لم يكن مجرد صدفة، بل قادم من محددات ثلاثة للحظة الراهنة: الانقلاب والحرب والتدخلات الخارجية
لم يكن ليتحقق ذلك سوى بطاقم صحفي متمكن يبذل جهودا مضاعفة من خلال فريق متميز، لاسيما الميداني، من يعملون منذ 8 سنوات في مناطق ملتهبة، أقل ما يمكن وصفها بفوهة بركان يغلي.
كشف مؤامرات العابثين بالخريطة ودم سكانها، وفضحهم على المباشر، الرسالة الأكثر تأثيرا، خصوصا إذا ما جرى تقديمها بطراز رفيع، وبدافع ألا يغيب اليمن في زحمة منصات السوشيال، وبريق أضواء الإعلام الرقمي الغاوي.
الطريقة التي يجب أن يبقى بها اليمن حيا في وجدان اليمنيين هي من خلال وسائل إعلام تكرس أداءها، وتسلكه بخط تحريري حر ومضاد لمشاريع التمزيق، بدافع احترام المشاهدين، وأخذهم إلى مركز الحقيقة لا محيطها.
دأبت هذه الشاشة منذ الإشهار على تبني مسار صريح ضد انقلاب مليشيات متعددة، رجعية وتشطيرية، استهدفت ونهبت الدولة، وكانت "بلقيس" في صدارة المناوئين، لتجد نفسها في مواجهة مشاريع داخلية وخارجية، خصوصا دول الإقليم.
لذلك في زمن الإعلام المتحول، ظل الخبر المهني -هنا في غرفة التحرير- هو الاستثناء لا القاعدة، وسيبقى مقدسا، والرسالة مهنية ذكية وساطعة.
هذه الانطلاقة الثامنة هنا أيضا هي موعد الوخز بالذكرى المؤلمة، إذ فقدت "بلقيس" -الوسيلة المهنية المثابرة- من طاقمها الميداني أربع مشاعل غابت في السماء، سقطوا على مذبح الوطن، قتلوا في غضون سنوات.
ومن أجلكم كجمهور وفيٍّ، وإيمانا بحقكم وحقهم، ضمد الرفاق الجراح وساروا.
لا يمكن إسكاتنا: قالوا ومضوا
استمرُوا بتوثيق الصورة وتجسيد الموقف.. أنتجوا وصدروا آلاف القصص، وتقارير خلّفها الرصاص والقنابل والألغام وقصف المدافع والطائرات.
ورغم منع وملاحقة مراسليها، تفردت الشاشة بضوئها الفاخر وصوتها العالي على مقاس عدساتها بمواكبة أحداث اليمن الكبير، منذ أيلول الكئيب، وخريف الصحافة الحزين في مايو 2015 حتى اللحظة.
عمل مهني راقٍ ورفيع من أجل الناس، ومن آمن بهم، وشاركهم محنة وطن ومأساة يمن، يصفه الإعلام الدولي بالبلد الأقل حظا في العالم، بينما نحن -أبناءه- ندرك حقيقة ذلك، من وراء الخراب الكبير الممتد، ويمكن أن يكون لنا -كجمهور وصحفيين- شاشة واحدة تزخر بالمضمون، وتلمع بالصورة والكلمة، والكثير من العمل بكل صدق ومهنية.