مقالات

سلطة هشة تربكها الأناشيد..

22/10/2022, 08:48:20

بقدر مخاوفه الباطنية، يحاول الحوثي تكثيف قوته الخارجية، يحشد كل أساليب العرض؛ كي يوحي للناس أنه بات سلطة راسخة وصار بقاؤه أشبه بحتمية غير قابلة للزوال.
بدأ هذا جليًاً في عروضه العسكرية، ويتجلى في كل مناسباته، وطرائق استعراضه الإعلامي لعوامل قوّته.

قوّة الحوثي الواقعية أقلّ من تلك المدّعاة، ما يوحي به أكثر مما هو قادر عليه، طريقته في بث الاستيهامات بارعة، وعلينا التحلي بالإنصاف؛ كي نمنحه صفة الجدارة في إلغاء الفارق بين الحقيقة والوهم.
 لكأنّه متخصص في فنون التزوير، ويحتاج كشفه لرقيب فائق الدّقة؛ كي يسقط عنه الأقنعة، وتحديداً قناع القوة الوهمية.

لكن المراقب يجد نفسه أمام تناقض صارخ. كيف تكون سلطة واثقة من رسوخها، وكل ما توحي به يُفصح عن جسارة، يُضاف إليها عوامل صمود، وكل مستلزمات البقاء والثبات.
ثم تجدها بالمقابل، تشعر بالفزع من ترديد طالبات مدرسة لأنشودة وطنية، وتتحرّك للتحقيق مع مديرة المجمّع التربوي، وكأننا أمام مؤامرة، لا يصح التساهل معها؛ كما لو أنها تستهدف عمق الأمن القومي للسلطة الحوثية..؟

نحن أمام احتمالين: إما أن ادعاءات القوّة الصادرة عن السلطة الحوثية هي مجرد خدعة بصرية وحشد منظَّم لعناصر بشرية لا يشكلون أي قوة عسكرية محترفة. بما يعني أنها لا تثق بقدرتها على إخضاع المجتمع بواسطة هذه القوّة المدّعاة. أو أن السلطة الحوثية تشعر جيدا أنها تحكم مجتمعاً هو في عمقه مفصول عنها، ولا يشعر بتمازج تام معها، وفي الحالتين تسقط ادعاءت الثبات أمام أنشودة، ويكون سلوك الجماعة مفهوماً بهذه الشفرة التفسيرية.

أقوى عوامل البقاء لأي سلطة، الشرط المركزي والمعيار المحدد لطول عمرها، هو درجة تلاحم المجتمع معها، منسوب الرضا الفردي عن هذه السلطة، درجة الانتماء وقوة الترابط بين المجتمع المبثوث وأهداف هذه السلطة. قد لا تكون هذه المعايير قابلة للقياس؛ كونها متعلقة بالوجدان المجتمعي والميولات النفسية المتذبذبة. لكن مؤشرات كثيرة يمكن التقاطها ومراكمتها واعتبارها عوامل قياس موثوقة لتحديد مدى رسوخ سلطة من عدمه.

فيما يخص سلطة الحوثي، لن يواجه الباحث صعوبة في تحديد مستوى التطابق بين السلطة والمجتمع. فنحن أمام فجوة هائلة. في كل يوم تفيض أمامك عشرات الدلائل أننا لسنا أمام سلطة ضعيفة السند من حيث قوة الرضا المجتمعي أو ضعفه؛ بل تكاد تكون روابطها الباطنية مع مجتمعها مهتوكة أو تكاد تنقطع تماماً. ويحل مكانها تململ دائم ونفور وكراهية، ومن بين هذه الانفعالات تتراكم عداوة جاهزة للانفجار.

ما هو باعث للتساؤل أيضاً: ما الذي يدفع سلطة الحوثي إلى الشعور بالخوف حتى من أبسط المظاهر المجتمعية العفوية، كنشاط فني مثلًا..؟ الأمر لا يعني أن هذا النشاط الفني قادر على زعزعة سلطتها؛ لكنه يعكس قلقها النفسي ومستوى عجزها عن استيعاب أدنى تجليات الذائقة الفردية أو حتى الجماعية للمواطنين. شعورها بالتهديد لا ينبع من وجود مهدد فعلي؛ بل حتى لو كان أثر فني عابر، هو كافٍ ليفقدها هدوءها. ومبرر لتفعيل أدواتها في السيطرة. لو أنها تتمتع برسوخ داخلي؛ لما كانت عرضة للشعور بالبلبلة، لمجرد نسمة هواء داخل سورها. هذا ما يعني أيضاً، أن خوفها من الناس أشد من خوفهم منها.

الخلاصة: لا يمكن تفسير استنفار الجماعة الحوثية إزاء نشاطات طبيعية، كنموذج تنظيم مديرة مدرسة في إب لنشاط فني تردد فيه تلاميذ المدرسة نشيدا وطنيا؛ سوى بربطه بمستوى خوف الجماعة من المزاج العام وميولات الناس إزاء القيم الوطنية الراسخة في وجدانهم.

المثير للانتباه هو مستوى انفصال السلطة الحوثية عن الروح الجماعية للمواطنين الواقعين تحت سلطتها. بهذه الحالة لا يمكن للجماعة السيطرة على مخاوفها من المجتمع، لأن الأمر لا يتعلق بقمع نشاط هنا وهناك؛ بل بمفارقتها الجذرية للمزاج العام، وهو ما يجعلها في حالة خوف دائم. ذلك أنها غير قادرة على تعديل الطباع النفسية للمجتمع وتدمير بنيتهم النفسية، فهذا أمر خارج قدرتها. وبهذا تكون النتيجة أننا "أمام سلطة هشة تزعجها أغنية"، لو استعرنا عبارة نيتشه مع تحويرها قليلًا.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.