مقالات

صنعاء حين تنبذ التشيُّع!

21/04/2025, 18:58:22

نشأ محمد بن علي الشوكاني في منطقة أعرق فيها التشيُّع جيلاً بعد جيل، وكانت قريته تدنو من قرية الشاعر حسن بن جابر الهبل، كما قال في كتابه التاريخي "نسمع صوت الديك من قريتهم، كما يسمعون صوت الديك من قريتنا"، وكانت هذه أثبت علامة على قرب المكان من المكان.

وفي وصف آخر قال: "بين قريتنا وبين قرية الهبل مسافة تلاوة سورة ياسين"، وهذه العلامة تدل على قوة صلته بالقرآن وعدد آياته، وتعاقب نزول كل آية وفيما نزلت، وما سبب نزولها، كما ظهر هذا في تفسيره.

وعندما بلغ مبلغ الرجال، انتقل إلى صنعاء، فكابد فيها ما كابد من تشيع العامة، ومن انتشار خبر سُنِّيته، فهل كان أناس القرن التاسع عشر في اليمن ينقسمون إلى سُنة وشِيعة على هذه الصفة العدائية؟!!

ما حدث في التاريخ الإسلامي أن اقتتل أصحاب مذهب وتبعه مذهب آخر، قد يتلاسنون بحدّة، قد يعلوا الجدل، لكن لم تصل العدائية إلى جمهرة السواد الأعظم، على حين كان  الشوكاني طالباً محباً للعلم متفانياً فيه، وكان لا بُد أن يصمد ويمضي في التحصيل، وكان الحديث وجهته الكبرى، فألٍَف فيه أجود الكتب، وأصحَّها، حتى إن أحد كتبه يُعدُّ في الأزهر بمصر ثالث الصحيحين لسعة روايته، وغزارة درايته بمطاعن الجرح والتعديل، وسير الرواة وعدم تأثرهم بالعصبية. أما اهتمامه بالتاريخ فهو يجري على طريقة الطبري، إذ يتقصّى الأحداث مقرونة بزمنها، إما العام وإما الشهر.

وأكثر ما تبدَّى إنصافه التاريخي أنه أرَّخ للعلماء الشيعة مُعطياً إياهم صفاتهم موقِّراً مكانتهم، غير مفضِّل السني على الشيعي، أو الشيعي على السني؛ وله في هذا أبيات:

أيا معشر الإنصاف قوموا لنحتكم.. فليس كحكم الله ينصف بيننا

مدحنا عليَّاً فوق ما تمدحونه.. وأنتم سببتم صحب أحمد دوننا

فهذا يقيني وهو منهج إخوتي.. ألا لعن الحقد أيا أضلّنا

وعلى ركاكة لغته في الشعر، فإنَّه كان له مسحة أدبية كافية لشعره كفقيه معني بالرواية، مصححاً أصول الأحاديث، ومن فتاواه "إذا شاعت الرواية الضعيفة وظلَّت موضع الاستشهاد والاستئناس فهذا دليل صحتها"، وإذا "صادفتَ رواية ضعيفة في رواية وآزرتها رواية أخرى مختلفة الألفاظ فإنها لا تقويها؛ لأن تعدد الروايات في المعنى الواحد هو من أدلة صحة المتن والسند".

وإلى جانب تأليفه في الأحاديث، ألَّف في أصول الفقه الذي يدلُّ على كيفية استنباط الأحكام، ويدل على الفرق بين الإجماع وبين القياس، ولم يكن القياس كلُّه خاطئاً، وإنما هناك أقيسة واهنة لا تثبت لمقارنة المُقاس والمُقاس عليه.

ومن عجائب المفارقات أنه أصبح قاضي القضاة في خلافة المهدي عبد الله، ثم كبير الوزراء في خلافة المهدي عبدالله والمهدي عباس؛ لأنَّ الأئمة كانوا علماء رغم نهجهم السياسي الظالم !!

وكان الشوكاني موضع الثقة؛ لأنه كان مخلصاً في عمله يحكم بمقتضى ما يستحسن الجمهور، وله على كل مسألة دليل.

وأعظم ما اهتم به هو نشر التعليم، كما قال في سيرته الذاتية:

"وقد سنح لي الوقت مدة سنة أن أستطلع أحوال الناس، وساءني ما لاقيت من الجهل والغفلة، فقد تمرُّ بالقرية تلو القرية، تلو الثالثة، ولا ترى مسجداً قائماً، وإذا كان هناك أفراد قلة يؤدون الصلوات فهو حين فراغهم، وعلى أي حجر، أو أي مرعى  ولا يرون الصلاة في ميقاتها من الأعمال، وهم يركنون في هذا إلى عفو الله لا مقصرين ولا متهاونين ولا تاركين الفرائض استهزاءً، فكل ما يحتاجون هو إلى معلمين يعلمونهم القرآن وفك الخط، ووجوب أداء الفرائض، فهم إذا تعلموا فقهوا، وإذا فقهوا نجوا وأنجوا، ويعلم الله أني أنطويت على غيظ وعلى ما أصابنا من العجز، عن نشر مكتب في كل منطقة".

وهذا ما أشار إليه بعض من الشعراء الفكاهيين كالخفنجي في قوله:
ما حك ظهر القبيلي بالظفر لو ما تحوا عليه ذيل الحمار
هو ما يؤدي من الواجب نفر أما الصلاة فهي في عُرفه هدار
أما من الحج ما عنده خبر لو يعلِّموه أنَّ مكة في ذمار.

وهذا القائل غير علامة بالأحاديث، ولكنه كان من الفقهاء المتوسطين، إلاَّ أنَّ معرفة الجهل وما ألحق بالناس من أضرار، كانت من الظواهر السائدة، إلا أَّنَّ العلماء كانوا أكثر همَّاً وأكثر مطالبة بنشر علوم الدين على الأقل.

وكان في تأليفه يفهم تفاوت الأذهان، ففي الكُتب الأولى التزم الاختصار والتبسيط، وفي وسط التأليف توسع قليلاً وأطال. أما الكُتب، التي أعدَّها  الشوكاني لكبار المتعلمين على أيدي العلماء، فهي تُعد من المطوَّلات؛ لما أنطوت عليه من تحقيق وتدقيق ورواية ودراية، وميل إلى الهداية.

ولو كان من أمثاله ألف مواطن لأمكن أن يجمعوا التبرعات كما يجمعونها في القتال والخصام، أما التبرّعات لبناء المكاتب، وشراء لوازم المدارس فهي أوجب الواجبات، وما ضاع من مال الإنسان ما علَّمه؛ لأن العلم أربح تجارة وأعلى مكانة.

وكان يردد: "نرجو الله أن يأخذ بأيدي الحاكمين إلى القضاء على الجهل بالدين والدنيا معاً".

مقالات

وماذا بعد أيّها اليمن العنقاء!

لم تَعُدْ كلُّ الكتابات السياسية، والتحليلات، والتنبؤات، ونشرات الأخبار، والتقارير، وهلمَّ جرًّا، تعني شيئًا لليمن المتشظِّي، المفتَّت، والمقسَّم، والممزَّق بين ميليشيات باغية في كل زواياه، وجباله، وسواحله الممتدّة.

مقالات

"أسوأ من الموت بغارة جوية"

"الجائحة الحوثية باقية وتتمدد"، هذا ما صرَّح به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضمنيا حول وقف الغارات الجوية على مواقعهم مقابل عدم استهدافهم السفن في البحر الأحمر.

مقالات

عندما ترتجف المليشيا من فنان!

لا شيء يُرعب الطغاة كصوت الفن، ولا شيء يُعري القبح السلطوي كجمال النغمة الصادقة. الفن ليس ترفًا، ولا مجرد وسيلة للتسلية في حياة الشعوب. الفن، بمعناه الحقيقي، وعيٌ جمالي عميق، وحسٌّ تاريخي يتجلّى في أوضح صوره حين تُعزف الحقيقة في وجه الكذب. ينبثق كثورةٍ معنوية عندما تُغنّى الحرية في مسرح السلاسل. الفن، بمجمله، هو حين يُرتّل الوطن في زمن الملكية السلالية!

مقالات

أبو الروتي (33)

كانت غرفتي في سقف الفُرن تضم مكتبتي الصغيرة، وكان أجمل ما فيها راديو كروي الشكل لم أعد أذكر كيف حصلت عليه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.